بين «فتح» و«حماس» ضاعت القضية / عوني صادق

 

عوني صادق ( فلسطين ) الخميس 27/8/2015 م …

من يتابع الوضع الفلسطيني لا بد أن يصاب بالدوار. فالمشهد سُريالي بامتياز، وما يظهر من اللوحة يدفع الفلسطيني إلى اليأس، لولا «بطولات فردية» لا علاقة لها بالتنظيمات، تشيع في النفوس بعض الأمل!

قبل إعلان أوسلو، كان معروفاً ما تريده قيادات حركة (فتح)، وبالتحديد منذ (برنامج النقاط العشر) الذي أصبح (البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير). وبعد أكثر من عشرين سنة على إعلانه ومفاوضاته المباشرة، ثبت أنه لم يكن في بال القيادات «الإسرائيلية» تنفيذ بند من بنوده يبدو لصالح الفلسطينيين، وخصوصاً ما جاء حول «الدولة الفلسطينية»، حتى إنه لم يعد اليوم عاقل يتحدث عن هذا الموضوع بعد أن لم يبقِ الاستيطان اليهودي من الأرض ما يسمح بقيامها في إطار ما سموه «حل الدولتين»! مع ذلك ما زالت «القيادة الفلسطينية»، ممثلة في «السلطة» وحركة (فتح)، متمسكة بنهجها الذي أضاع الطريق وضيع الهدف.

ومنذ سيطرتها على قطاع غزة، أثبتت حركة (حماس) أنها لا تختلف في شيء عن حركة (فتح) من حيث النهج والهدف السياسيان: التفاوض والبقاء في السلطة، ما أورث الفلسطينيين إحباطاً لا حدود له. كلنا نعرف اليوم أن صعود (حماس) الذي عبرت عنه انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006، كان وراءه أمران: رفض النهج والسياسة التي اتبعتها حركة (فتح)، وتأييد المقاومة المسلحة كأسلوب للمحافظة على القضية الوطنية حية، ومن ثم إبقاء باب تحقيق ولو بعض ما انطوى عليه «المشروع الوطني» من حقوق مفتوحاً. لكن ممارسات (حماس) على الأرض حولت المقاومة إلى مجرد سلاح للدفاع عن الحركة وسلطتها في القطاع، باسم الدفاع عن المقاومة ونهج المقاومة. لذلك بعد ثلاث حروب شنها الجيش «الإسرائيلي» على القطاع راح ضحيتها الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين، انتهت (حماس) إلى المفاوضات (غير المباشرة) وبأهداف لا تختلف عن أهداف (فتح): البقاء في السلطة! ويكفي لمواجهة أي نفي أو محاولة لدحض هذا الزعم استذكار ما قيل وما زال يقال حول «المصالحة» وحرب الاتهامات الدائرة بين الحركتين حول هذا الموضوع.

واليوم، بين تأكيدات (حماس) ونفي القيادات «الإسرائيلية» حول المفاوضات الجارية للتوصل إلى «تهدئة» أو «هدنة» طويلة مع الحركة مقابل رفع الحصار وميناء ومطار، تدعو السلطة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني، ليظهر المشهد في مرآة الحركتين مضحكاً مبكياً! فمن جهة، (فتح) تتهم (حماس) بأن مفاوضات الهدنة تستهدف فصل القطاع عن الضفة، بينما تتهم (حماس) السلطة (فتح) بأن الدعوة لعقد المجلس الوطني هي «انقلاب على المصالحة واتفاقاتها»! وفي هذا الوقت نقرأ في الصحافة «الإسرائيلية» حديثاً عن «ثلاث دول لشعبين» في وقت تترسخ «دولة واحدة لشعب واحد»، هي «دولة «إسرائيل» الواحدة اليهودية، دولة الشعب اليهودي».

لا يوجد عند (فتح) وسلطتها، جديد يفرض على المراقب أن يناقشه، فدعوة المجلس الوطني للانعقاد وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة مع استمرار النهج والسياسة التي أقرها (أوسلو) لن يغير من الوضع القائم شيئاً، بل سيحافظ على حالة التدهور والتردي التي تسود منذ إعلان الاتفاق السيئ. وإذا لم تشارك (حماس) وفصائل المقاومة في القطاع في هذه الاجتماعات، ستكون السلطة التي تتهم (حماس) بالسعي لفصل القطاع عن الضفة قد ساعدت جدياً في الوصول إلى الهدف نفسه! وإن شاركتا فيها، فسنعود إلى الدوران في الحلقة التي ندور فيها من سنوات، ما لم يتم التخلي عن (أوسلو) وما انطوى عليه، وهو ما لا يبدو وارداً.

أما (حماس) التي تؤكد أن المفاوضات جارية مع الطرف «الإسرائيلي» عبر أطراف ثالثة، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، ورفع الحصار عن القطاع، وتنفيذ بنود الاتفاق الذي تم التوقيع عليه برعاية مصرية في نهاية الحرب الثالثة 2014، فإنها تعرف أن القيادة «الإسرائيلية» لن توافق على مطالبها ما لم تنزع سلاح المقاومة، أو تقيده بما يجعله منزوعاً من الناحية العملية. (حماس) ومعها كل الشعب الفلسطيني يعرف أن أهل غزة تحملوا ويتحملون أكثر من طاقة البشر، وأنه من حقهم وواجب المسؤولين عنهم أن يرفعوا عنهم ما يلقونه من معاناة، وأن يوفروا لهم ظروف حياة كريمة، ولكن لا أهل غزة ولا الشعب الفلسطيني يقبلون أن يكون ذلك على حساب شطب القضية الوطنية وحقوق الشعب المسلوبة. وكذلك ليست الأوضاع العربية، ولا تجاهل وانحياز المجتمع الدولي، حججاً كافية للتفريط في قضية الوطن وحقوق الشعب.

لقد ضيعت الحركتان النافذتان القضية، وأصبح معروفاً أنهما تتحملان بالتساوي المسؤولية عن الوضع الفلسطيني المتردي، وأن الخروج من المأزق الراهن له طريق واحدة هي وقف التنازع بينهما على سلطة وهمية وعلى وطن لم يبق منه شيء. ويبدو للمراقب أنهما تحت مظلة هذا التنازع متفقتين على برنامج واحد هو تضييع القضية، بينما لو توحدت جهودهما لمواجهة تغول الاحتلال وعدوانه المستمر، لكان ذلك كافياً لتفجير «الانتفاضة النائمة» التي كشفت عن وجهها مئات «العمليات الفردية» التي تم تنفيذها في السنة الأخيرة. وأول ما يقتضيه ذلك من سلطة رام الله تنفيذ ما سبق للمجلس المركزي لمنظمة التحرير أن أقره، وأعني بذلك وقف «التنسيق الأمني» مع قوات الاحتلال، ووقف ملاحقة واعتقال الفلسطينيين.

إنه ليس من حق أحد التفريط في الحقوق مهما كانت المبررات، وسيأتي يوم وسيحاسب الشعب كل المفرطين في حقوقه!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.