هل ضاع حلم العودة … حوار هام مع المناضل والمفكر الفلسطيني سميح خلف
الأردن العربي – السبت 8/6/2019 م …
أجرى الحوار لموقع ( البوابة المصرية ) الصحفي شعبان فتحي …
= بعد 71 عاماً على النكبة الفلسطينية هل انهار حلم العودة؟
– لكي نجيب على هذا السؤال احلام الشعوب لا تضيع وفلسطين تعرضت لكثير من الغزوات على مدار التاريخ والقدسات الاسلامية والمسيحية وتحت مبررات وتعليلات استعمارية قد تم احتلالها في فلسطين ، فلسطين دائما ً تخضع لكثير من المتغيرات الدولية والاقليمية ولكن لا تغيب شمسها ولا تغيب مقدساتها وستعود للحق العربي وللمواطنة الفلسطينية ان طال الزمن ام قصر ، ولكن حقيقة اخرى يجب ان نعترف بها ان حُلم العودة قد ذبل في هذه الحقبة من الزمن نتيجة فعل عدة متغيرات ذاتية وموضوعية مرت على الشعب الفلسطيني واهمها التقلبات الدولية في موازين القوى والمتغيرات الاقتصادية ايضا ً وحاجة المجتمع الدولي لانهاء بعض من نتائج الحرب العالمية الثانية التي اقرتها الدول المنتصرة فيها .
= برأيك ما الأسباب التي أدت لتأخر تحقيق الحلم ؟
– لكي نتطرق للاجابة على هذا السؤال هذا يعني ان يجب ان نخوض في التجربة الفلسطينية وندقق في مساراتها ومنعطفاتها ، ما قبل النكبة وما بعد النكبة والاهم ما بعد النكبة ، قد يقول قائل ان المتغيرات الدولية قد اخرت كثيرا ً بل قد اصبح حلم العودة في رأي السياسيين والواقعيين هو محض خيال ونوع من الطوبوية ولكن كثير من الشعوب انتصرت رغم كل المتغيرات الدولية وقواها ، تجارب شعوب انتصرت على الاحتلال وعلى العدوان ايضا ً ، ولا انكر هنا ان هلامية فعل وعمل القيادة الفلسطينية في كل المسارات التاريخية للتجربة الفلسطينية ادت لمثل تلك النتائج وعدم الاستقرار على برنامج بما يلحق به من تعبئة وتوعية وثقافة تحشد ولا تفرق، في حين ان ظاهرة الفصائل كانت في بدايتها ظاهرة صحية الى ان اصبحت الان عبئا ً على المسارات النضالية الفلسطينية وتجمد الواقع الفلسطيني السياسي على خطاب اثبت عجزه وفشله بدون وضع بدائل اخرى تعالج الازمات التي فرضتها المناخات المطروحة سواء على مستوى الاقليم او المستوى الدولي ومؤثراتها على المسارات النضالية للشعب الفلسطيني ، عندما انشات منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من الرئيس والزعيم جمال عبد الناصر اسست على برنامج تحريري لكامل التراب الوطني الفلسطيني واقرت تلك المنظمة من الجامعة العربية في عام 1964 واصبح للشعب الفلسطني جيش ومؤسسات تمثله ولا نريد هنا ان نتطرق كيف استبدلت قيادة الشقيري بقيادة الفصائل وبرنامجها الذي دعى للدولة الديمقراطية على اعتبار ان الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيك لتحرير فلسطين والثورة الشعبية ، ولكن للاسف وما طرحه الواقعيون في داخل منظمة التحرير ادى الى الحل المرحلي والنقاط العشر في عام 1974 واعتبر هذا خروج عن الثورة وعن مناسكها وعن الميثاق الوطني الفلسطيني وعن النظام الداخلي والاهداف والمنطلقات الثورية لحركة فتح ، واصبحت حركة فتح تمثل شيء اخر السلام الذي قاد للاعتراف بها فقط وليس الاعتراف بالحق الفلسطيني والعودة ، وهناك مغالطة اخرى في هذا المنطلق هل نعلن الدولة قبل التحرير ام بعده ؟ وللاسف لم نحصل على دولة لا قبل التحرير ولا بعده ! وهذا من العجب العجاب لقيادة منظمة التحرير والفصائل ، هي عملية مغالطات وخلط في كل الاوراق حتى اصبحت ثقافة الشعب الفلسطيني مشوهة وضائعة بين حانى ومانى .
بالتاكيد ايضا ان الشعب الفلسطيني لم يمتلك يوما قراره السيادي لظروف اللجوء ولكن عندما كانت هناك قواعد ارتكازية في جنوب لبنان كانت هناك دينامية لما يمكن ان يتخذ من قرارات ولو نصف جريئة ولكن بعد الخروج من بيروت ودخول منظمة التحرير في حوارات منذ منتصف السبعينات مع الاسرائيليين في الدينمارك والنرويج وفرنسا وسويسرا ودول اخرى كالمغرب اعتبرت منظمة التحرير قد تخلت عن حق العودة تحت مبدأ اقامة الدولة على حدود 1967 والاعتراف بقرار مجلس الامن 242 والقرار 338 وتبنيها للمبادرة العربية التي تنص على ايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، فهي كانت جميعها عوامل متشابكة مع بعضها ذاتية وموضوعية ادت الى اضمحلال فرصة تحقيق حلم العودة على الاقل في هذا الزمن المعاصر .
= ترددت مؤخرًا أنباء عن صفقة القرن، ونية الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة التوسع في الاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي الفلسطينية، كيف سيتعامل الفلسطينون مع خطط الاحتلال، وهل سيؤثر ذلك على حقكم في العودة لأراضيكم التي هجرتم منها؟
– لنرجع مرة اخرى لاتفاق اوسلو وعو الاتفاق المتهور والكارثي الذي يصل الى حد الخطيئة بحق كل الاعتبارات الوطنية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني والثقافة الفلسطينية ايضا ، حيث لم تنص الاتفاقية على اقامة دولة فلسطينية بل حكم ذاتي محدود مجزء للضفة العربية الى منطقة abc حيث تمثل منطقة c 60 % من اراضي الضفة وهي تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة ومنطقة bوهي تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية واداريا تابعة للسلطة ، ومنطقة a وهي تمثل المدن الرئيسية في الضفة الغربية ما عدا الخليل التي لها اتفاقية خاصة حيث قسمت زمانيا ً ومكانيا ً مع المستوطنين ، حقيقة صفقة القرن ليست بجديدة بل اعتقد ان كل من كوشنير وغرينبلات والسفير الصهيوني الامريكي في اسرائيل فريدمان جمعوا كل ماهو متعلق بالصراع عبر تاريخه ، فالمبادرة ليست بجديدة فالحل الاقتصادي طرحه رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير ودايتون المشرف الامني الامريكي في الضفة الغربية ، وكان قد تم طرح محتويات هذه الصفقة في مبادرة ايجال الون في اواخر السبعينات ، اي خلق كنتونات او روابط مدن مطورة عن روابط القرى التي طرحت في اوائل السبعينات وبدون دولة ، اي هناك حل اقتصادي امني للقضية الفلسطينية تتمثل بالجانب الانساني مع بعض التطورات والتحديث لمهام وكالة الغوث للاجئين التي قد تلغى وتؤخد باشكال اخرى عبر ممولين دوليين واقليميين مع المقاولين ورجال الاعمال الفلسطينيين والجهات الامنية التي تم اعدادها ما بعد اوسلو للان .
اما كيف يواجه الفلسطينيين صفقة القرن ، الفلسطينيين فقدوا المبادرة ببرنامجهم الحالي وسلطتهم الحالية ورئيسهم الحالي ،وبالتاكيد ايضا الانقسام الفلسطيني الذي خططت له مراكز الدراسات الاستراتيجية في اسرائيل ودفعت شارون للانسحاب من غزة من جانب واحد بلغة ” اعادة الانتشار للقوات الاسرائيلية ” اي تبقى غزة محاصرة وفي القانون الدولي محتلة ولكن كا اعفت اوسلو الاحتلال من واجباته التي اقرتها القوانين الدولية هو هكذا كان الانسحاب من غزة ايضا.
لم نسمع للان اي ردود فعل حقيقية تواجه صفقة القرن التي نفذت خمس بنود للان القدس واللاجئين والصحة والتمويل واعتبار منظمة التحرير ارهابية واغلاق مكتبها في نيويورك ، بكل تاكيد ان مواقف رئيس السلطة ليست مطمئنة بان يقوم الفلسطينيين باي جانب عملي لرفض هذه الصفقة هذا على الجانب الرسمي ، وكلمة “لا” لا تعني عدم الموافقة بل ربما لتحييد مسؤولية السلطة عن تنفيذ هذه الصفقة وهنا اشير في الايام الماضية اعلن رجل الاعمال اشرف الجعبري وهو رجل وضابط امن سلطة سابقا ً انشاء حزب الاصلاح والتنمية وهو يدعو للاندماج الاقتصادي والامني مع الاسرائيليين ، بل يدعو الاسرائيليين لضم الضفة في حين ان نتنياهو ردا ً على 200 معترض على ضم الضفة قائلا ً لن نتخلى عن ارض الاجداد في يهودا والسامرة ، اي باتت قصة تهويد 60 % من الضفة امرا واقعا ً ومن جانب اخر فان السلطة لم تفعل اي شيء لصد رغبات ترامب في تدمير الحُلم الفلسطيني ، وهنا اتسأل ماهي البرامج التي اعدت على المستوى الداخلي لمواجهة الصفقة ؟ هل انهي الانقسام ؟ هل هناك تحرك شعبي للحاضنة الشعبية لكي تقول للعالم نحن ضد هذه الصفقة ؟ هل هناك اي عمل تعبوي داخلي لسد الثغرات لتسلل بعض الراغبين في تنفيذ تلك الصفقة ؟ للاسف لا وهنا اشير لما تحدث به القائد محمد دحلان في كلمته عبر فيديو كونفرنس مع الصحفيين ، اذا كانت هناك رغبة لمواجهة صفقة القرن فعلى الجميع ان يتنازلوا لاجل الوطن والشعب ويقصد هنا السلطة وحماس ، اي عمل انساني ليس هو البديل عن السياسة بل العمل الانساني هو مكمل للعمل السياسي والوطني .
اذا كان من المناسب ونحن نسمع ونقرأ عن صفقة القرن منذ عامين ان تقوم منظمة التحرير والسلطة بالاعداد لتجهيز الجبهة الداخلية وتعزيزها وتعزيز المسؤوليات والمؤسسات بانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني ، بل كان من المهم ان تنفذ قرارات المجلس المركزي وما اقرته الفصائل في اجتماعات بيروت ولكن للاسف لم يحدث شيء للان والسلطة تعيش في حالة تناقض كامل مع الواقع بل حالة من عدم اللا مبالاة للمخاطر الجمة التي يمكن ان تتعرض لها القضية الفلسطينية .
= بعد استقرارك و الكثير من الفلسطينيين في الخارج لسنوات طويلة وتكوين أسرة وحياة جديدة، هل سيعود الفلسطينيون إلى أراضيهم إذا ما تحقق الحلم؟
– الاكراد موجودين في العديد من الدول ولكن مازالت نزعة وجود وطن قومي لهم تراود حلمهم اينما كانوا ولا نريد ان ندخل في تعقيدات المشكلة الكردية ، ولكن كل ما نخشاه ان يصبح الشعب الفلسطيني بمبدً ” الكردنة ” اي التشتت وبدون اي نظام سياسي او سيادة على اي من الجغرافيات ، ولكن انتم تشاهدوا ان الفلسطينيين لا ينسوا ارضهم مهما تغيرت الاجيال وليس كما قالت جوالدا مائير الكبار يموتون والصغار ينسون ، بل هناك ثقافة فلسطينية ينقلها الاباء للابناء دائما عن قدسية الارض والتاريخ والحقوق وبالتالي ترى العمليات الاستشهادية بالسكين وبالدهس والفلسطينيين عندما انطلقت الثورة انتموا لهذه الثورة على ارض الميدان ومن اقاصي الارض اتوا اليها واستشهدوا على ارضها وهذا قمة الوفاء للتاريخ والحقوق والوطنية ، الفلسطينيين لم ينسوا حق العودة واي مسارات سياسية ومهما وجد لها من دعم لوجستي وامني لن تستطيع ايقاف هذا الحلم واشعاله في اي مناخات تسمح بهذا الاشعال .
= ألا ترى أن حالة الانقسام الداخلي التي تشهدها فلسطين صعبت من تحقيق هذا الحلم؟
– بالتاكيد ان الانقسام الفلسطيني والانقسام الفتحاوي الفتحاوي وعمليات الاقصاء والتدجين والفساد واستغلال مواقع السلطة لاغراض خاصة ، جميعها ادت الى حالة من الاكتئاب والتعفن وتغيير في الثقافات لما اخضعته الفصائل من نظرة نرجسية فردية وجماعية عبرت عن مصالح ضيقة فقط ، فالانقسام الفلسطيني كان مشهد عفن امام العالم ،بل كان هو المبرر او من احد المبررات لاختراق الموقف الفلسطيني والتجاسر على طرح مبادرات لا تلبي الحد الادنى من طموحاته ، ولكنني هنا اوضح وكما قال الزعيم الخالد فينا جمال عبد الناصر ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ، والمقاومة والكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لكسر انف الغطرسة الاسرائيلية والوحدة الوطنية وانهاء الانقسام والاتفاق على الشراكة ببرنامج الحد الادنى وقيام الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني هي تلك العناصر التي قد تعطي دفعا ً واجهاظا ً لكل المشاريع التي تستهدف تغييب حق العودة وتغييب الحلم الفلسطيني ف اقامة دولته وسيادته على ارضه .
= ماذا عن دور القيادة السياسية وهل اختلف تعاملها مع هذا الملف عن إدارة الرئيس الراحل ياسر عرفات؟
– نحن نتحدث هنا اخي عن نهج قائم منذ اوائل السبعينات وهي فترة التحول عن الثورة والاتجاه الى العمل السياسي البحت في معالجة الازمة الفلسطينية وازمة الصراع ،بالتاكيد ايضا ان ياسر عرفات كان له مذاق خاص في التعامل مع هذا الملف وان كانت هي نفس الخطوط السياسية والنظرة للحل على المستوى السياسي، ولكن كان لعرفات من الحنكة ان يفهم التعامل مع تناقضات دول الاقليم لصالح الشعب الفلسطيني ، وكان عرفات سواء من اتفقوا معه او اختلفوا معه هو نقطة اجماع وهذا ما يفتقده الرئيس عباس ، بل ذهب الرئيس عباس بعيداً عن حالة اليقظة الكاملة عندما راى عرفات ان حُلمه في اقامة دولة في الضفة وغزة قد انتهى فعاد للاصول النضالية عندما قال ” على القدس رايحين شهداء بالملايين ” اي اطلاق يد الكفاح المسلح والثورة من جديد ، وهذا ما تنكر له عباس عندما قال التنسيق الامني مقدس ، نحن نعمل من اجل شباب اسرائيل ، لا اؤمن بالعمل المسلح ، المفاوضات خيار استراتيجي ، سيبقى التنسيق الامني قائما ً حتى ان بقيت المفاوضات مجمدة ، اختلف عباس عن ياسر عرفات ، فعرفات رفع غصن الزيتون في يد والبندقية في يد اخرى ، اما عباس فقد رفع غصن الزيتون امام غزوات المستوطنين والتوسع الاستيطاني وعمليات القتل التي تمارسها اسرائيل على الحواجز للمواطنين الفلسطينيين شبه يوميا .
= ألا ترى أن للأوضاع الإقليمية والدولية دور في ذلك؟
– بالتاكيد ايضا نحن جزء من هذا الاقليم نتاثر به ولكن كان من المفروض ان نؤثر فيه ايضا ، والانقسام وعدم اعداد الجبهة الداخلية جعل كل المتغيرات الاقليمية هي ذات المؤثر الساحق وسلب اي رؤية لقرار سيادي وبالتالي عقم البرنامج السلطوي والقيادي للشعب الفلسطيني قد اتاح الفرصة لطرح الحل الاقليمي للقضية الفلسطينية بدون اي اعتبارية للتمثيل الفلسطيني كما طرح غرينبلات وكوشنير في الفترة الاخيرة وكما هو يعد للجزء الاول من صفقة القرن في مؤتمر المنامة الاقتصادي لمعالجة ازمة الشرق الاوسط .
= متى يتحقق الحلم ونرى عودة ملايين الفلسطينيين المهجرين في مخيمات اللاجئين والشتات إلى أراضيهم؟
– لكي نجيب على هذا السؤال وجدت اسرائيل بالقوة ومن اتى بالقوة لن يتخلى عن مكتسباته الا بالقوة وكما ارى الوضع الداخلي الفلسطيني والوضع الاقليمي بعد ما سمي الربيع العربي المهلك الذي استهدف الدول الوطنية واستهدف بنيتها وعمقها القومي وجيوشها ومؤسساتها هي نفس الظواهر التي اصابت دول الاقليم واصابت مؤسسات الشعب الفلسطيني الوطنية ، اصبح هذا الحلم بعيدا ً الان ان لم تحدث متغيرات دولية يتبعها متغيرات اقليمية تنعكس ايجابيا ً على الواقع الفلسطيني قيادة وشعبا ً لكي يعمل الجميع لتحقيق هذا الحلم ، ولكن كما ذكرت سابقا لن ينتهي حلم العودة لدى الاجيال الفلسطينية وعندما تنضج المناخات ستتفجر كل الطاقات ، ففلسطين هي فلسطينية الوجه عربية العمق عالمية الامتداد ومن هنا سيبقى حلم العودة في العقل الفلسطينيو العربي الى ان تعود فلسطين عربية كما كانت وكما خرجت منها كل الغزوات .
التعليقات مغلقة.