خالد العبود ( سورية ) الأحد 9/6/2019 م …
كنّا قد أشرنا في لحظات عصيبة من عمر العدوان على سورية، أنّ تحولات وانزياحات هامة ورئيسيّة سوف تحصل على مستوى الاصطفافات الكبرى، ومنها أنّنا أشرنا إلى “حماس” وأكدنا على أنه لا يمكنها البقاء على موقفها، ليس لأنها تريد أو لا تريد، وإنّما لأنّ جوهر ناتج المواجهة لم يكن في صالح الاصطفاف الذي كانت “حماس” جزءاً من أدواته!!!..
بدا هذا الانزياح واضحاً جيّداً، منذ رحيل “الأمير الأب” عن الحكم في “قطر” ومجيء “الأمير الابن”، في هذه اللحظات كانت توضع استراتيجية استدارة لـ “حماس”، ونعتقد أنّ هذه الاستدارة مع تبعاتها كانت تعمل عليها استخبارات من “حلف المقاومة”!!!!..
الخطوة الأولى كان لا بدّ من تغيير واجهة “حماس” التي كانت قد تورطت في موقفها من العدوان على سورية، وكنّا قد أشرنا لذلك منذ لحظته الأولى، علماً أنّ كثيرن يومها كانوا يعتبرون كلامنا ضرباً من الخيال!!!..
-كان لا بدّ من استبعاد كلّ “الوجوه الوازنة” التي كانت في واجهة موقف “حماس” من العدوان على سورية، وأوّل هذه الوجوه: “خالد مشعل” و”اسماعيل هنيّة” و”موسى أبو مرزوق”، إضافة إلى بعض الوجوه الأخرى التي كان لها دور محدّد من حيثيات العدوان، والتي ساهمت بأجزاء منه!!!..
تعهدت “حماس” بإجراءات داخلية تستبعد تلك الوجوه من خلال مؤتمر داخليّ يعيد إنتاج القيادة بأسمائها الرئيسيّة، وهذا أمر طبيعي تقوم به كلّ المؤسسات والدول والحركات عندما تتعرض لفشل حقيقيّ، وذلك كي تتخلّص من الفشل في ارتداداته عليها، وتحميله لأفراد بعينهم، أما لو نجحت “حماس” بدورها إلى جانب الآخرين في عدوانها على سوريّة، وأسقطت الدولة السوريّة، لكان “خالد مشعل” اليوم ورفاقه في كلّ العواصم العربيّة يستقبلون بالغار، وينظّرون في الثورة والاسلام، ويسوّقون لصفقة القرن باعتبارها إنجازاً من إنجازات الثورة والربيع العربيّ، ولبقي “مشعل” ورفاقه جاثمين على رقاب “الحمساويين” إلى ما شاء ربّك!!!..
هذا الكلام كنّا نفصّله من حين لآخر، خاصة قبل عام من انعقاد مؤتمر “حماس”، حين أكّدنا على أنّ “مشعل” وبعض رفاقه سوف يصبحون من الماضي، ليس لشيء في “حماس” وإنّما لشيء كبير جدّاً حصل على مستوى الصراع الكليّ الذي كان يُحسم لصالح سوريّة ومن وقف إلى جانبها، وهذا ما حصل فعلاً!!!..
غاب “مشعل” وبعض رفاقه المعروفين وغير المعروفين بالنسبة لنا في الإعلام، كما أنّ هناك تركيبة كاملة تمّ تحييدها تماماً، خاصة تلك المجموعات التي كانت جزءاً من شبكة تأمين وتواصل وتمويل وإعداد وتدريب كانت تشكّل بنية تحتية للعلاقة فيما بين “حماس” ومراكز القرار في عواصم “حلف المقاومة”!!..
لقد تمّ الدفع ببعض الأسماء التي كانت محسوبة على الذراع المقاوم التنفيذي، وتظهيرها على حساب أسماء أخرى، حيث بدا واضحاً تماماً ظهور “السنوار” و”الضيف”، وكان التركيز واضحاً عليهما، باعتبارها جزءاً من البنية التحتية الأساسية للمقاومة بالمعنى التنفيذي!!!..
نعتقد أنّ استخبارات “حلف المقاومة” كانت قادرة على شقّ “حماس”، لجسمين متناقضين متخاصمين، “حماس – قطر، الأخوان”، و”حماس –دمشق، طهران”، خاصة وأنّ “قطر” أبقت على دعمها المالي الكبير لـ “حماس”، غير أنّ مثل هذا الفعل يعتبر هدفاً “إسرائيليّاً” سوف يساهم في إضعاف فعل المقاومة ذاته، لهذا تمّ اعتماد الاستراتيجية التي أشرنا إليها أعلاه استدراكاً لأيّ فعل يمكن أن يرتدّ سلباً على خارطة الصراع الأساس مع كيان الاحتلال!!!..
بقيت واحدة وهي هامة بالمعنى الإعلاميّ والمعنويّ، تتعلّق بحضور وظهور وموقع “اسماعيل هنيّة” الذي لم يغادر المشهد حتى اللحظة، طبعاً لم يغب عن بال من يهنْدس إعادة إنتاج العلاقة بين “حماس” ومحيطها، صورة “هنية” وهو يردّد ما كان يصرخ به بعض صبيان مفارز استخبارات الموساد في شوارع المدن السورية: “يللّه ارحل يا بشار، إيران برا برا، لا حزب الله ولا إيران”، معتبراً أنّ ما يحصل في سوريّة ثورة يرى من خلالها الأقصى وبيت المقدس!!!..
لقد شكّل “هنيّة” مشكلة في طريق إعادة إنتاج صورة “حماس” الفاشلة الطائفيّة الأخوانيّة إلى “حلف المقاومة”، إذ أنّه كان مقرّراً استبعاد “هنيّة” تماماً، لكنّ أمراً هاماً، أو عقدة كانت في هذا الطريق، وهو أنّ خروجه من المشهد السياسيّ لـ “حماس”، يعني بالضبط أن يتخلّى عن موقعه فيها، وموقعه في “حماس” له مستويان، الأول تنظيمي، باعتباره كان عضواً في المكتب السياسيّ، وهو موقع يمكن أن تتمّ تعبئته بآخر، ومستوى آخر لا يمكن البتّة أن يعبّأه سواه، وهو أنّه منتخب بانتخابات تشريعيّة حصلت في لحظة تاريخية وبني عليها أنّ يكون رئيساً للحكومة، وأي تغيير له يعني أنّك تفرّط بالانتخابات ذاتها التي أمّنت “لحماس” وجودها في مؤسسة السلطة، وهو ما منحها موقع مشروع إضافة إلى خارطة علاقات لا يمكن الاستغناء عنها!!!..
غير أنّ “هنيّة” سوف يتمّ تحييده رويداً رويداً، وسوف يتمّ الدفع بـ “السنوار” إلى واجهة الأحداث، لاحظوا ماذا حصل خلال الايام القليلة الماضية، فقد ظهر الرجل في أكثر من إطلالة، وكانت له تصريحات هامة جدّاً، ليس مطلوباً منه اليوم أن يكون أكثر ممّا هو عليه في موقفه، لجهة ما تفعله الأنظمة العربية التي يقودها “ترامب” و”آل سعود”، وهي خطوة جوهرية منه، ومن “حماس”، وصولا الى اكتمال الاصطفاف الذي سوف يسقط “صفقة القرن”!!!..
لهذا وعليه.. لا نعتقد أنّ المسألة مرهونة اليوم بأن يفتح الرئيس “الأسد” أبواب “دمشق” أو يغلقها في وجه “حماس”، كون أن العقل السياسيّ السوريّ، بقيادة الرئيس “الأسد”، في إدارته للصراعات الكبرى التي كان يخوضها، ولمّا يزل، لا يتعاطى مع مثل هذه الملفات، خاصة في سياق الصراع الاستراتيجي الأرأس، بهذا المستوى البسيط من الطرح، أو بمشهديّة قائمة على مزاجيّة مرهونة بردّات فعل لفعل ناقص أو خاطئ أساساً، ولا يحاول أن يتعيّش أو يتشفّى بأخطاء آخرين، أو أفعال آخرين، يعودون عنها، طالما تفيده هذه العودة في حسم ذات الصراع مع عدوه الرئيسيّ!!!..
إنّنا نجزم وبشدّة، أنّ اللحظة لم تعد مناسبة تماماً لإعادة إنتاج العلاقة بين “حماس” الجديدة، وبين الدولة السوريّة، بمقدار ما تكاد تكتمل استدارة “حماس” التي فرضتها سورية بانتصارها على العدوان ذاته، وليس بانتصارها على “حماس” وبعض قيادييها الصبيان المجانين، هذا العدوان الذي لم تكن “حماس” فيه وحيدة، بمقدار ما كانت هناك أطرافٌ أخرى إلى جانب “حماس” ومعها، تُطبّقُ عليهم منذ فترة استراتيجيات استدارات أخرى مختلفة، لكنّها لا تبدوا مقروءة لكثيرين منّا!!!..
التعليقات مغلقة.