“بوتين” وإعادة تسمية مطارات روسيا / د. حسام العتوم
إنه نوع من أنواع النهوض الروسي يقوده رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير فلاديميروفيج بوتين، وفي هذه المرة طابعه العام ثقافي أدبي، وفني وعمقه سياسي، واقتصادي، وسياحي، عبر إصداره لمرسوم رئاسي وبتوقيعه من وسط قصر (الكرملين) الرئاسي في موسكو لتغيير أسماء (44) مطاراً في روسيا لتشمل أسماء كتّاب وشعراء وروائيين مسرحيين وعلماء، ومغنيين عظماء روس مثل (الكسندر بوشكين، وميخائيل لمونوسوف، واندريه توبوليف، وفلاديمير فيسوتسكي، وفيدور دوستويفسكي وغيرهم) ويتزامن هذا التوجه الرئاسي الجديد مع مناسبة يوم ميلاد أمير شعراء روسيا ومؤسس اللغة الروسية الحديثة الكسندر بوشكين بتاريخ 6 حزيران 1799: ولا زال قرار بوتين هذا يحمل صفة الاقتراح كما علمت، ومن المفروض أن يصوت عليه البرلمان الروسي (الدوما) لكي يتم اعتماده رسمياً، وأهم المطارات التي شملها تغيير الأسماء هي: شيريميتوفا ويصبح الكسندر بوشكين، وديميد يدوفا وسيحمل اسم ميخائيل لومونوسوف، وفنوكوفا سيعمل تحت اسم اندريه توبوليف، وفاروينج باسم فلاديمير فيسوتسكي وبولكوفا سانت بطربواغ وسوف يعمل باسم دوستويفسكي وبطبيعة الحال فإن الاسم الثقافي لن يغيّر الاسم الأول لأي مطار نهائياً لكنه سيحمل الاسم الأصيل مصحوباً بالاسم المرافق، والمعنى العميق هنا هو تعريف المواطن الروسي، والزائر الأجنبي بعظمة الحضارة والثقافة الروسية وهو المواطن الذي يعتز بحضارته وتاريخه، والأمر الذي يشكل أهمية بالنسبة للأجنبي أيضاً، وتتميز روسيا بحس ثقافي فريد من نوعه ألمسه من وسط تعاملهم مع (الإعلان) مثلاً كنشاط اتصالي يدفع لتحريك الإنتاج، والسوق، والأرباح، والمعلومات ويتم فصل عمله ليرتكز على السوق ولا يمس بالمعالم الحضارية، فالمكتبات، والجامعات، والدوائر، والمؤسسات الحكومية، والمسارح مثلاً تخلو من صعود الإعلانات على ظهورها وواجهاتها، ويتم الإلتزام بتحديد أماكن تجارية سوقية لها فقط.
والكسندر بوشكين هو أمير شعراء روسياً حقاً، ومؤسس اللغة الروسية الحديثة ومن مواليد العاصمة موسكو عام 1799، وهو من أصول إفريقية من طرف والدته حفيدة إبراهيم هاينبعل (التونسي) المقرب من القيصر بطرس الأكبر، وتحدث الفرنسية بداية، وكتب الروسية بالعامية، وطور الكتابة من الشعبية إلى الأدبية الرسمية، ووحد بينهما، وأخرج اللغة الحديثة وشخصياً فزت عام 2019 بجائزة (بوشكين) والتي حملت المرتبة الثانية على مستوى آسيا وإفريقيا تحت عنوان/ لنقرأ لبوشكين/ وكان التكريم هنا في عمان في مركز العلوم والثقافة الروسي في عهد مديره د.فاديم زايجيكسوف. ومن مؤلفات بوشكين المشهورة (روسلان ولودميلا 1820، أسير القفقاس 1822، يضغيني اينغين 1825، زنجي بطرس الأكبر 1837 وغيرهم). وميخائيل لومونوسوف عالم روسي مشهور في الفيزياء والرياضيات والكيمياء والتاريخ في جامعة موسكو الحكومية 1755 التي حملت اسمه عام 1940. وهو من مواليد 1711. واندريه توبوليف من أشهر الأكاديميين الروس في تصميم الطائرات العسكرية وغيرها المدنية فوق الصوتية وهو مواليد 1888. وفلاديمير فيسوتسكي مغني روسي وممثل محبوب شعبياً وهو من مواليد 1938 في موسكو، ولا زال اسمه يتردد في بيوت الروس وساحاتهم العامة بقوة.
وفيودور دوستويفسكي 1821/1881 روائي وفيلسوف روسي معروف عالمياً بقوة، وترجمت أعماله إلى كتب من 70 لغة عالمية ومن أهم مؤلفاته: الشياطين، ومذكرات كاتب إلى جانب روايات مدهشة مثل (الجريمة والعقاب، والأخورة كارامازوف) وغيرهم.
والممكن قوله هنا أيضاً ومن زاوية المحبة لروسيا العملاقة ولشعوبها العظيمة الصديقة بأن خطوة السيد الرئيس بوتين في مكانها وزمانها، وهي معبرة عن حراك حضاري روسي متميز يجمع بين الحداثة والقدم، ويحترم كل ما هو سوفييتي عريق ويبني عليه، لكن من المهم أيضاً ومع تفهمي لأهداف الحرب الباردة التي يقودها الغرب الأمريكي ورغم اللقاءات الرسمية، والابتسامات، والمجاملات، فإن الواجب الوطني والقومي والروسي يقتضي الاهتمام أكثر بالداخل الروسي إلى جانب سياسة التحديث المستمر للسلاح ومنه غير التقليدي لمواجهة سباق التسلح، فمدن الدرجة الثالثة وقراها بأمس الحاجة لتجديد أفضل للطرقات، ورواتب وتقاعدات القطاع العام تحتاج لتحسين، وأسعار المحروقات محتاجة للضبط، ولأن يبقى التعليم وخاصة في مجال الطب مجاناً ولتتحسسن البنية التحتية والتقنية للمستشفيات وحديثي هنا نابع من كوني شاهد عيان.
التعليقات مغلقة.