محور الممانعة انتصار الاستراتيجيا على التكتيك
طاهر محي الدين ( السبت ) 29/8/2015 م …
حياكة السجاد والصبر الاستراتيجي والذراع الضاربة من إيران إلى سورية فحزب الله، محور ينتصر بالاستراتيجيا، ويهزم تكتيكات الزمهرير العربي.
عندما سُئل مرة الرئيس الراحل حافظ الأسد: لماذا تحالفت مع إيران ضدّ صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية؟ أجاب: فقط للتاريخ سيأتي اليوم الذي يدافع عنك هذا الإيراني في الوقت الذي يكون فيه العرب يغمدون خناجرهم في صدور السوريين .
إنه خيارٌ تاريخي لقائد فذّ أركع العالم، فما هو تاريخ العلاقة السورية ـ الإيرانية؟ وكيف تطورت؟ وأين أصبحت في يومنا هذا، وقد صدقت رؤية الرئيس الراحل حافظ الأسد وأتى اليوم الذي تكالب فيه على سورية كلّ العربان فأغمدوا سيوفهم ورماحهم وخناجر غدرهم في صدور السوريين؟
العلاقات الإيرانية بالعرب وسورية تاريخياً
يمكن تقسيم علاقة إيران بالعرب إلى حقبتين تاريخيتين: الأولى في عهد شاهنشاه إيران محمد رضا بهلوي، والثانية بعد الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني.
ففي عهد الشاه كانت العلاقات العربية ـ الإيرانية يسودها نوع من التوتر ولكن ليس بإجماع الدول العربية كلها، فتوجُّه شاه إيران إلى معاداة القضايا العربية، ولا سيما عندما جعل من إيران موقعاً متقدماً للمشروع الأميركي ـ الصهيوني، في الوقت الذي كانت فيه فلسطين ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية، كان له الدور الأبرز في تردّي العلاقات العربية ـ الإيرانية، وخصوصاً مع تلك الدول التي تحمل شعارات القومية العربية، والتي تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية وعلى رأسها سورية ومصر والجزائر، في حين أنّ علاقات دول الخليج كانت جيدة جداً مع نظام الشاه، تارةً بسبب تقاطع المصالح والأهداف، وطوراً تحت وطأة القوة والخوف، وقد لُقِّب شاه إيران حينها بـ شرطي الخليج ، الذي يخاف منه كلّ حكام الخليج بأنظمته الإمبريالية منذ نشأتها.
تاريخ العلاقات الإيرانية ـ السورية
إنّ أهم النقاط التي أسّست للعلاقة بين الدولة السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي رفض الخنوع والتبعية والخضوع للقرار الصهيوأميركي والحفاظ على السيادة والاستقلال، والأهم من ذلك الرؤية الواضحة للثورة الإيرانية تجاه القضية المركزية فلسطين، ومعاداة الكيان الصهيوني. لم يكن العرب حينها متفقين حول معاداة الكيان الصهيوني، فمصر غارقة في كامب ديفيد، وأنظمة الخليج أُنتجت أصلاً برعاية بريطانية أميركية صهيونية، الأمر الذي جعل تلك الأنظمة التي يرتبط وجودها بعمالتها وعبوديتها لسيدها الصهيوأميركي متضررة من علاقة الدولة السورية مع إيران، ذلك أنها كانت تتخوف من تصدير الثورة إليها وإسقاط عروشها ما دفع بها إلى محاربة إيران باستخدام النظام العراقي لتدمير الجمهورية الإسلامية وإغراق طهران وبغداد في حرب تمتد لسنوات لإنهاكهما معاً. كان الرئيس حافظ الأسد يرى ذلك جيداً فاختار الوقوف إلى جانب إيران لمنع سقوطها، كقوة صلبة ضاربة ضدّ الكيان الصهيوني والتمدّد الأميركي في المنطقة.
إنّ الحكمة البالغة للقيادتين السورية والإيرانية استطاعت الإبقاء على مسافة بينهما، الأمر الذي كانت نتيجته أن ربحت سورية بموجب هذه الاستقلالية، ولم تخسر إيران لأنّ المصالح الاستراتيجية لكلتا الدولتين بقيت مُصانة. هذه العلاقة الخاصة والقوية والاستراتيجية لم تبعد سورية عن عمقها العربي، وإيمانها بضرورة وحدة العرب وقوتهم.
مما سبق نستطيع أن نعزي سبب قوة العلاقات السورية ـ الإيرانية إلى موضوعية وشرعية الأسس التي تقوم عليها هذه العلاقات، كونها تستجيب لتطلعات الشعوب في التخلص من الاحتلال وفي مسعاها إلى تحقيق حريتها واستقلالها، كما أنها ساهمت في ترميم وتعويض حالة الضعف في المشروع العربي وتشتته الذي ظهر بشكل مكشوف في السنوات الأخيرة، بحيث تهافت العرب من فوق الطاولة وتحتها لإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني والتآمر علناً على محور المقاومة و قضية فلسطين المركزية، وبهدف حرف اتجاه البوصلة وتغيير قبلة العداء من تل أبيب إلى إيران، كما أنّ أحد أهم عوامل القوة لتلك العلاقات هي دعم سورية وإيران كلّ أنواع المقاومات الشريفة في المنطقة وعلى رأسها حزب الله وحركات المقاومة في فلسطين المحتلة التي تقف في وجه المشاريع التآمرية العربية الصهيونية.
انطلاقاً مما تقدم، نستطيع التأكيد على عدم وجود رغبة لدى أي من الطرفين في الاستغناء عن هذه العلاقات، لا سيما إذا أخذنا في الحسبان ميزة البراغماتية في سياساتهما وقدرتهما على صياغة علاقات جديدة مع الغرب أو غيره مع الحفاظ على علاقات قوية مع بعضهما، بالتزامن مع استمرار لقاءات ومؤشرات التنسيق والتعاون الإقليمية الهادفة إلى تعزيز جبهة المقاومة على قاعدة عدم تقديم أي تنازلات أمام الضغوط الأميركية والأوروبية والتهديدات «الإسرائيلية».
وبناءً على كلّ المخاطر التي تعصف بالمنطقة والعالم، يتوجب على كلا القيادتين أن لا تتخليا عن هذه العلاقات وعن هذا البنيان إن أرادتا أن تكونا القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة في مواجهة مشروع الشرق «الأوسط الكبير» التي طرحته كوندوليزا رايس، كما أنّ تقوية حلفها وتعاونهما المشترك الممتد والمدعوم من قبل روسيا والصين ومجموعة «بريكس»، يعدّ من أهم القرارات لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة في جوانبها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والتي تحتاج مواجهتها تعاوناً عربياً وإسلامياً ودولياً، فالمشروع الأميركي ـ الصهيوني لن يستثني أحداً من العرب والمسلمين وأصحابه دائماً في حالة استنفار وعمل من أجل تفتيت البلدان العربية طائفياً ومذهبياً وعرقياً، وخلق بؤر توتر جديدة تستنزف طاقات الأمة وتخرب نسيجها الاجتماعي. كلّ ذلك من أجل السيطرة على النفط وتعزيز قدرات «إسرائيل» وتقويتها، وصولاً إلى إنجاز المشروع الخاص بتهويد فلسطين وتهجير سكانها، وإذا تمّ التعاون العربي ـ الإيراني على أسس واضحة فإنه سيحول دون تنفيذ هذا المشروع الرامي إلى تفتيت البلدان العربية وزيادة ضعفها.
علاقة حزب الله بسورية
للحديث عن علاقة حزب الله بسورية، نبدأ من الأحداث الأخيرة ونبدأ بما يقوله الصهاينة أنفسهم عن الحزب وعن شراكته المباشرة في هزيمة مشروعهم الصهيو ـ أميركي في سورية والمنطقة. فقد قال أنيومي يتسحاقي رئيس منظمة «شوفار» لنشر تعاليم الديانة اليهودية في «إسرائيل» وحول العالم، في محاضرة ألقاها في هرتزيليا شمال تل أبيب شارحاً معنى احتلال حزب الله لمستوطنات في الجليل ودلالاته حسب الشريعة اليهودية: «إذا كنا قد انبطحنا أرضاً خوفاً مدة خمسين يوماً جراء صواريخ غزة على الطرقات وعلى سلالم المباني، إلا أنّ الأمر سيكون مغايراً عندما يبدأ الأمر مع حزب الله». وأضاف» « إنه يوم الحساب يقبل إلينا، فألف صاروخ يطلق علينا في اليوم الواحد هو أمرٌ مختلف، وإن بدأ الأمر مع حزب الله فعلينا أن نعلم مسبقاً أنهم يتدربون في سورية للسيطرة على الجليل، ويا ويلاه على الجليل. ها هم ينتظرون لاحتلالك».
إنّ حجم الرعب الذي يعيشه سكان المستوطنات والمدن المحتلة الفلسطينية، وخصوصاً سكان المستوطنات الشمالية المحاذية للجنوب اللبناني، من مدى تأثير وجود حزب الله على الحياة العامة، غيّرَ انعكاس ذلك التأثير على الجوانب الإعلامية والسياسية، إذ أصبح كلّ شيء يرتبط بانتصارات حزب الله موضع قلق للمجتمع «الإسرائيلي»، وهو يدرك أنّ طبيعة الصراع مع حزب الله تمسّ وتشكل الخطر الأكبر والأول على مسألة بقاء «إسرائيل» ووجودها.
يدرك الصهاينة أنّ الانتصارات التي يحققها حزب الله هي عملية تراكمية لا تحدث وفق ميكانيكية الفعل الآني، ولكن عبر تراكم الخبرة والفعل. فمنذ نيسان 1994 وتحرير الجنوب 2000، إلى انتصار تموز 2006 ودور سورية الذي أعلنه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بنفسه، وكيف أنّ الرئيس الأسد عرض مشاركة سورية مباشرة في تلك الحرب، وعن دور سورية الأبرز في الدعم اللوجستي والتسليحي من صورايخ وغيرها، وأخيراً مجموع الانتصارات التي حققها الحزب مع الجيش السوري في القصير والقلمون وشبعا والقنيطرة وريف درعا والسويداء، وتزايد ترسانة حزب الله الصاروخية ولمساته وإمداداته الواضحة في غزة، وخوضه حروب المدن في سورية بجانب الجيش السوري بتناغم وتنسيق وعمليات نوعية جداً وبدقة عالية من كمائن ورصد ومتابعة، كلها انتصارات تتوالى وبمعيار مرتفع في كلّ مرحلة، وهي تثير الذعر في قلوب «الإسرائيليين»، الذين يراقبون إمكانات حزب الله وقدراته العسكرية المتطورة.
كلّ ذلك يأتيهم برسائل قوية وبلهجة حادة وصارمة وقاطعة في خطابات السيد نصر الله في أكثر من إطلالة، مهدّداً بتحرير الجليل وشمال الأراضي المحتلة في فلسطين. ويدرك المستوطنون أنّ السيد نصر الله أصدق من كلّ قادتهم السياسين والعسكريين، ويعلمون أنّ هذا الأمر سيم عاجلاً أم آجلاً وهذا ما دفع أحد سكان إحدى المستوطنات المطلة على الجنوب اللبناني إلى القول: «أرى من منزلي أعلام حزب الله ويافطات ورسوم كاريكاتورية ضخمة وأعلام فلسطين ولبنان، وهذا يولد شعوراً يتجاوز ما كان سائداً. لقد كنا بالأمس نرى مقاتلين نظاميين، واليوم لا نرى هؤلاء المقاتلين، بل نرى أشخاصاً وأعلاماً ورسوماً كاريكاتورية، وأشعر أنهم يطعنوننا في عقر دارنا. لقد تعودنا على الخوف لكنه يتراكم. أنت لا تعلم ما الذي سيحصل، فإذا كنت ترى سابقاً مقاتلين مع بنادقهم فأنت ترى الآن مدنيين ولا تعلم بالضبط من هم! فالمجهول مخيف أكثر من المعلوم».
عرف حزب الله مكامن الحرب النفسية وأتقنها بقوة وبدقة عالية جداً، ونجح فيها نجاحاً مبهراً، لأنه يمارس فيها أعلى درجات الصدقية، فزرع الرعب الحقيقي في قلوب الصهاينة من أعلى الهرم السياسي والعسكري إلى أدنى فرد في الكيان الصهيوني، وفي كلّ مرة يرفع فيها إصبعه مهدّداً يدرك الجميع أنّ السيد نصر الله جادٌ جداً فيما يقول وأنه سيفعل حتماً ما يقول، فهو سيد الحرب النفسية والعسكرية والسياسية ويعلم تمام العلم أنّ صهاينة الداخل والخارج من العربان والغربان خوفهم هو دينهم وديدنهم و«أنّ حبهم للحياة كحبنا للشهادة»، لذلك أبلغهم أنّ ردنا في حال ارتكاب أية حماقة في سورية أو لبنان سيكون في الجليل، كذلك كان لسان حال الرئيس الأسد عندما أسقط قواعد الاشتباك التي وضعها كسينجر إبان حرب تشرين وأعلن أنّ حدود الجولان فتحت ولتكن حرباً شاملة إذا ما تورط الصهيوني والأميركي بأية حماقة، أو تدخلَ «الإسرائيلي» مباشرة في الحرب على سورية.
أيها السوريون: الأميركي والصهيوني يدركان تماماً أنه لم يعد هناك أي مكان للحماقات في هذه الحرب على سورية، لا بذريعة الإرهاب ولا بغيرها، وأنّ العنتريات التي تمارسها أميركا اليوم في سورية بحجة الحرب على الإرهاب، لايمكن لها أن تتجاوز حدودها للأسباب التالية:
ـ أنّ أمن الكيان الصهيوني اليوم أضعف من أي وقت مضى، ولو أتى الكيان الصهيوني بكلّ «جبهة النصرة» في الأرض لن يستطيع أن يوقف زحفنا إليه إذا ما جنّ بقية عاقليه هو أو الأميركي.
ـ إنّ أي حماقة ستكون نتيجتها حرباً كونية يستطيع الأميركي والصهيوني تحديد بدايتها عبر أذنابهم العثمانيين والوهابيين، لكنهم لن يستطيعوا تحديد نهايتها، فالسيد علي خامنئي أخبرهم أنّ دفاعنا المقدس في العراق وسورية يتصاعد ولن يوقفنا أحد، كذلك الرسائل الروسية وتواجدها أسطولها في البحر المتوسط في طرطوس يفهمها الأميركي جيداً، وإنّ ضرب أي هدف سوري عسكري أو اقتصادي «عن طريق الخطأ»، سيكون الردّ عليه أيضاً عن طريق نفس الخطأ بإسقاط الطائرات الأميركية بصورايخ روسية.
ـ الأهم هو ما حدث مؤخراً في اليمن، وانتصار «أنصار الله» الحوثيين فيها ودحرهم للوهابيين ذيل المشروع الصهيوـ أميركي، والخوف من تمدّد النصر «الشيعي» في البحرين والمنطقة الشرقية الأغنى نفطياً في العالم والتي تغذي العالم يومياً بالطاقة والنفط عبر الموانئ الموجودة فيها، ما سيجعل ضفتي الخليج ملكاً لأعداء أميركا، كما أنّ انتصار الأسد المحتوم في سورية وحزب الله في لبنان سيجعل كلّ ممرات البحر الأحمر والخليج، مروراً بسلطنة عمان وشرق المتوسط، في أيدي محور المقاومة من طهران إلى دمشق وحلفائهما، حيث يدخل الروسي إلى المياه الدافئة، ويجد الصيني موانئه على البحر المتوسط.
إن لم يع التحالف الصهيوـ أميركي وأذياله من أعراب المنطقة كلّ هذه المعطيات فإني أُحيلهم إلى التصريحين الأكثر أهمية على الإطلاق:
الأول، عندما قال الرئيس الأسد لهم في بداية الحرب على سورية: «إن أردتموها حرباً فأهلاً وسهلاً بالحرب».
والثاني، عندما قال السيد حسن نصرالله: «فليكن كلّ المقاتلين جاهزين إذا ما أعطي لهم الأمر لتحرير الجليل».
وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم، إن كان فيهم بقية عقل أو بقية من عقلاء.
يدرك الأميركي تماماً أنّ التعاون مع «عدو عاقل» في المنطقة المتمثل بمحور الممانعة، هو الحلّ الأكثر أمناً والأفضل من التعامل مع «صديق جاهل» وهو نتنياهو وأذياله من آل سعود ومشايخ الخليج والانجرار وراء جنونهم الذي سيقود إلى حرب طالما حاولت الإدارات الأميركية تجنبها حتى أيام غطرسة بوش الابن الذي وصف إيران بـ «الجائزة الكبرى»، والتي من أجل إسقاطها وتحطيمها دمّر العراق بتآمر مع مملكة الرمال وتمويلها، وشنّ حربه في أفغانستان، واستخدم «القاعدة» في أكبر مسرحية عالمية في حادثة برجي التجارة العالمية، ودعم الحرب «الإسرائيلية» على حزب الله في تموز، ليكسر قوة المحور الممتد من طهران إلى دمشق فالضاحية الجنوبية وفشل فيها، وأتت بعدها إدارة الديمقراطيين لتستكمل الهدف بحروب الجيل الرابع «The Proxy War « بتطبيق نظرية «العماه» التي تعني بشكل مبسط حكم الفوضى وإداراتها، والتي تؤدي إلى تدمير الدول ذاتياً وبدأت في تونس ثم في ليبيا لتصل إلى مصر عن طريق التلاعب بالوعي الجمعي للشعوب العربية عبر إعلام قطر والسعودية لتصل مرة أخرى إلى سورية الهدف الأكبر والقلب النابض لمحور المقاومة والممانعة لكسر جدارن طهران. استخدموا كلّ إرهاب العالم من أجل ذلك، كما استخدموا أداتهم القديمة تنظيم «القاعدة» بكلّ مفرداته من «النصرة» و«داعش» الذي أسقط حدود «سايكس ـ بيكو» ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة واحتل الموصل وديالى بخيانات موصوفة بأموال آل سعود التي اشترت الذمم وبمساعدة المخابرات الطورانية، فحققوا هدفهم المنشود كما اعتقدوا وخططوا لإشغال سورية بحربها على الإرهاب مع حليفها حزب الله ولكن ما الذي حدث؟ وكيف انقلب السحر على الساحر؟ سحر إسقاط الحدود واشتراك الجبهات كان السلاح الأمضى الذي استخدمه محور المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوـ وهابي، فأعلن السيد نصر الله معادلته الأشهر «سنكون حيث يجب أن نكون»، فكان برجاله في سورية وبدأ إسقاط المشروع من القصير إلى القلمون إلى القنيطرة وريف درعا وريف حلب، وقبلها كسب، كما كانت عمامة السيد هي الضامنة الجامعة في العراق لجماعة عصائب أهل الحقّ في العراق وقوات الحشد الشعبي برموزها الثلاثة الشيخ قيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق «حزب الله العراقي» والسيد هادي العامري قائد فيلق بدر، والدور الكبير لإيران التي تفاوض على ملفها النووي منذ عشر سنوات كان بارزًا في العراق بتواجد أسطورة الحشد الشعبي العراقي الجنرال قاسم سليماني، وكانت الرسائل الإيرانية كبيرة جداً لدعم مفاوضيها النوويين من «جرف الصخر» إلى «أمير علي» وتحرير أجزاء كبرى من الأراضي التي سيطر عليها «داعش» في العراق بتغطية أميركية، كما كان موقفها الحاسم واستعدادها لنسف كلّ ملف التفاوض النووي بموقفها المعلن والقوي إبان عملية القنيطرة الغادرة وعملية الردّ عليها من قبل حليفها حزب الله في مزارع شبعا، واضطر الأميركي للانكفاء وإعلانه قرار عدم انجراره إلى الحرب خلف جنون الصهيوني نتنياهو وقوله «إنّ ما حدث هو أمرٌ خطير ولكن لا يستدعي نشوب حرب». صُفع نتنياهو بضربة قاسية، وأخرج حينها حزبُ الله «إسرائيلَ» من معارك الإرهاب في القنيطرة والجولان وقلص حجم دعمها المباشر لـ«النصرة» في تلك الجبهة حيث تُعتبر الجبهة الأهم والأخطر ورأس حربتها.
بدلاً من أن تكون «إسرائيل» رأس حربة المشروع الأميركي في المنطقة أصبحت عبئاً عليه بعد هزائمها المتلاحقة من سورية إلى لبنان أمام حليفها حزب الله الذي رسم منذ تفاهم نيسان 1994 أول معادلات توازن الردع، مروراً بانسحابها من جنوب لبنان عام 2000 وهزيمتها النكراء في حرب تموز 2006، وعملية مزارع شبعا التي أسقطت كلّ قواعد الاشتباك القديمة وأغرقت الكيان في معادلات كسر الردع الجديدة مع الإشارة إلى هزائم الكيان الصهيوني في غزة، كما هو حال كيان آل سعود الذي فشل في إنجاز كلّ مهمّاته في العراق وسورية والبحرين، ويتجرع الكأس المرّ بحربه الإرهابية على اليمن التي ورطه فيها الأميركي لتكون مقبرته فيها، وكذلك كان حال العثماني الإخواني الذي سقط في ليلته الكبيرة في مصر، وحاله في تونس وليبيا، وهزيمته وفشله الذريع في سورية، فسقط معه مشروع «الإخوان» بلا رجعة.
بإيجاز أقول لكلّ المتضرّرين من انتصار محور المقاومة الجديد عبر الاتفاق النووي، مضافاً إلى الانتصارات التراكمية في المنطقة: «موتوا بغيظكم»، فسيدكم الأميركي سيعود صاغراً لتقرير لجنة «بايكر ـ هاملتون» للتعامل مع سورية وإيران في المنطقة حيث جاء في خلاصته التالي:
إنّ التعامل مع إيران وسورية، وبالرغم من أنه مثار خلاف كبير، إلا أننا مع ذلك، نرى أنّ أي أمة من وجهة نظر ديبلوماسية، يمكنها وينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة لتسوية النزاعات والخلافات تماشياً مع مصالحها وعليه، فإنّ على المجموعة الدولية إشراك إيران وسورية في حوارها الديبلوماسي من دون شروط مسبقة.
وترى لجنة «بايكر ـ هاملتون» أنّ العلاقات الأميركية مع سورية وإيران تشمل قضايا صعبة يجب أن تُحلّ، لكن ينبغي إجراء محادثات ديبلوماسية مكثفة وموضوعية، تتضمن قدراً من توازن المصالح، ويجب أن تضع واشنطن في اعتبارها نظام الحوافز لإشراك سورية وإيران في حلّ ملفات المنطقة
وأكبر الإشارات على هذه العودة، إصدار آخر قائمة للإرهاب لا تشمل حزب الله وإيران.
وختاماً، لا أشكّ في أنّ التهديدات والأخطار التي تواجه أية دولة متعدّدة ومتنوعة، لكن أخطر ما في ذلك يتجسد في العجز عن تحديد الأولويات وتقديم التكتيك على الاستراتيجيا، ففي ذلك مقتل الدول أو دخولها في نفق مظلم، والمتتبع لتطورات الأحداث وتداعياتها يدرك أنّ السياسة السورية تتميز بعدة ميزات تمنحها استمرارية القدرة على التأثير والفاعلية، وفي مقدمتها اجتناب خلط التكتيك بالاستراتيجيا، فالآن أصبح كلّ من لديه عقل يعي بعد النظرة الاستراتيجية للرئيس حافظ الأسد عندما أصرّ على أن تكون العلاقات مع طهران استراتيجية وغير خاضعة للمساومة والابتزاز، وقد أثمرت هذه العلاقة التكاملية إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية وحضورها بفاعلية في المحافل الدولية، إضافة إلى اشتداد عود المقاومات العربية في فلسطين ولبنان والعراق وتحولها إلى حراب تقضّ مضاجع أنصار السياسة الصهيوـ أميركية، كما أنها حصّنت دول المنطقة في مواجهة الطوفان الذي تمّ تصديره في عصر الأحادية القطبية. ولنا في تطهير الجنوب اللبناني عام 2000 وانتصار حزب الله في حرب تموز وآب 2006 وبعده صمود غزة في وجه العدوان الصهيوني ودعم صمود الدولة السورية في مواجهة أقذر حرب شهدتها البشرية عبر تاريخها الطويل، خير مثال.
باختصار، يُمكن القول إنّ تكامل الأدوار بين سورية وإيران وحزب الله وبقية المقاومات العربية في المنطقة قد مهد الأجواء لخلق بيئة استراتيجية جديدة أفرزت الكثير من النتائج والتداعيات وأهمها افتضاح أعاصير الزمهرير العربي الذي أسموه ربيعاً، وخلق اصطفافات جيوبوليتيكية جديدة لإعادة رسم خارطة العلاقات الدولية وتوازن القوى إقليمياً ودولياً تحت عنوان عريض فحواه انكفاء الأحادية القطبية وبداية تشكل عالم متعدّد الأقطاب يشغل فيه محور المقاومة موقعاً حيوياً لا يستطيع أحد تجاهله ولا القفز فوق دوره المؤثر في كلّ ما تشهده المنطقة من أحداث وتغيرات وتداعيات تتجاوز بمدلولاتها الإطار الجغرافي من الإقليمي إلى العالمي.
التعليقات مغلقة.