كيف استطاع الرزاز احتواء معارضيه؟ / د. طلال طلب الشرفات

د. طلال طلب الشرفات ( الأردن ) الجمعة 14/6/2019 م …



يخطئُ من يظن أن دولة الرزاز رجل هادئ بسيط، أو أنه يفاجئ الرأي العام بقرارات مستعجلة، وغير مدروسة، وتعيينات محبطة، وصادمة لكل القوى الاجتماعية، والسياسية، لا سيّما المتنورين منهم، ويجانب الصواب من يعتقد بأن الرئيس قد فقد بوصلة تحديد برنامجه الاقتصادي، والسياسي، ومتطلبات الإدارة العامة.
صحيح أن التشكيل الوزاري، والتعديلين قد أذهلا المراقبين، وأثارا اعتراضاً واحتجاجاً حتى من أكثر المتفائلين، والمؤيدين للرئيس، وحكومته.

والأشد غرابة نجاح الرئيس في الإفلات من تأثير قوى اليسار، والليبراليون في البرلمان، والأحزاب على حدٍ سواء وكذلك قدرته عن ألاَّ يحسب على أحد، والدليل ان البعض منهم والذين هللوا لقدوم الرىًيس قاموا بحجب الثقة عنه وحكومته في اختبار الثقة، في مؤشر يدل على الفهم الملتبس لقوى المعارضة والموالاة للحكومة، وعدم قدرة احد ان يزعم انه شريك في القرار الحكومي، سيما وان الرىًيس نجح في جمع كل التناقضات السياسية والفكرية في حكومته، وامسك في مفاصل القرار بهدوء وسكينة وصمت.

المسافة الآمنة التي وضعها الرئيس في علاقته مع وزرائه، واصدقائه ورجال السياسة، والاقتصاد صنعت من الرجل لغزاً محيراً، ولا سيما دبلوماسية الصمت، والصبر، والهدوء مَكِنَةٌ سياسية؛ لتمرير قراراته ورؤيته، والحرص على تجنب الخصومة مع أحد. ناهيك عن الحوارات الجانبية التي يجريها الرئيس بعيداً عن وسائل الأعلام؛ كانت حوارات محترفة تقوم على صناعة الأمل لمجتمع ونخب متعطشين لممارسة السلطة؛ بعيداً عن الحسابات السياسية المعلنة عند الاختلاف، وصناعة الأمل التي يحترفها الساسة الأذكياء هي أكثر بضاعة رائجة في الواقع السياسي الأردني وسبق ان نجحت غير ذي مرة.

بخلاف ما يروج له البعض أرى أن هذه الحكومة امتلكت أكبر قدر من الولاية العامة في إدارة شؤون الدولة منذ حكومة بدران وإلى حدٍ ما حكومة الكباريتي الذي استطاع اختيار فريقه الوزاري بحرية مطلقة، والتعديلات كانت شبه مطلقه، كما نجح في إصدار عفواً عاماً رغم معارضة كل القوى المؤثرة آنذاك، وتمكن من زرع من يعكسون أفكاره التي يؤمن بها في المواقع العليا، وتقزيم دور المحافظين لمستويات ملموسة، وإعطاء صلاحيات لنائبه، ووزرائه في الحدود التي تنسجم مع قناعاته السياسية، والاقتصادية، والفكرية.

الرئيس الرزاز نجح في استقطاب القوى المؤثرة في البرلمان، ورؤساء اللجان الفاعلة، وصمّ أذنيه عن كل الذين هاجموه وفريقه مهما بلغ حجم الهجوم، ولكنه في النهاية لا يقرر إلاٌَ ما يريده؛ مستنداً على أفكار موروثة، وإرث عائلي يحرص –على ما أظن– أن يتمسك به وبأصرار، ويعمل بكل الوسائل على نزع فتيل الأزمات المتلاحقة، وغالباً ما يكون ذلك بدون تنازلات؛ وفق نظرية الأمل التي نجحت في تقرير استقرار حكومتة رغم الهجوم الكاسح من بعض القوي بحق، أو بدونه.

حكومة الرزاز ليست مثالية، ولها خصومها المؤثرون؛ لكنها نجحت في احتواء الشارع، ولجم المعارضة؛ دون أن تضطر للمباشرة بمعركة مع أحد، وكان للعناد الإيجابي الصامت في شخص الرئيس الذي جعل الجميع يحاول تفسير هذا السلوك في الوقت الذي استمر الرزاز في صنع مفاجئة تلو أخرى، وحين تنتهي تلك المفاجآت التي نتفق، أو نختلف عليها سنجد أن الاستحقاق الدستوري لحل مجلس النواب قد حان أوانه، وتصبح استقالة الحكومة حينذاك متطلباً دستورياً، وليست ضرورة سياسية، أو شعبية….!!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.