الإرهاب ونضال الشعوب من أجل الحرية / النائب حسن عجاج عبيدات
حسن عجاج عبيدات * ( الأردن ) الأحد 30/8/2015 م …
*نائب في البرلمان الأردني …
كان لأحداث الحادي عشر من أيلول التي تعرضت لها الولايات المتحدة إثارة جديدة وبشكل واسع لظاهرة الارهاب التي سببت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وضربة قوية لمراكزها الحساسة والاستراتيجية.
ومنذ اللحظات الأولى للأحداث أخذت أمريا على عاتقها قيادة حملة دولية منظمة هدفها استئصال الارهاب والقضاء عليه حيثما وجد. ونظراً لغياب مفهوم محدد للإرهاب لم يتمكن المجتمع الدولي من وضع أسس ومعايير عامة تحدد الأعمال الإرهابية وتميز بينهما وبين النضال المشروع الذي تخوضه الشعوب لتحقيق حريتها واستقلالها، فإن المجتمع الدولي لا يزال يقف أمام إمكانية الخلط بين الارهاب والنضال التحرري المشروع للشعوب.
لقد استغلت الولايات المتحدة أحداث الحادي عشر من أيلول التي وقعت عام “2001” ، لإطلاق صفة الإرهاب على العديد من الحركات والدول التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها . ومارست خلطاً منظماً ومقصوداً بين نضال هذه الحركات والدول والعمليات الإرهابية مستغلة بذلك ثغرة عدم تعريف القانون الدولي للإرهاب.
وكان هذا الموضوع محور صراع طويل بين الولايات المتحدة والغرب من جهة والدول النامية المدعومة من روسيا الاتحادية والصين الشعبية ودول أمريكا اللاتينية من جهة أخرى. وقد تمكن المجتمع الدولي أخيراً أن يحقق بعض النجاحات في التأكيد على ضرورة التمييز بين الإرهاب وبين النضال ضد الاستعمار والهيمنة الأمريكية . وتم التأكيد على شرعية نضال الشعوب من أجل حريتها واستقلالها وتقرير مصيرها.
وبدأت تثار ظاهرة إرهاب الدولة والإرهاب الرسمي، عندما تتحول الدولة نفسها إلى فاعل أساسي في مهاجمة دول أخرى والسيطرة عليها ، أو تغيير نظام الحكم فيها، مثل ما تفعله الولايات المتحدة في دول المنطقة الآن ، وما فعلته في العديد من دول العالم.
وتبرز ” اسرائيل” كدولة ارهاب في مواجهة الشعب العربي الفلسطيني واعتداءاتها المستمرة على العديد من دول المنطقة. فقد أصبحت مدرسة لتنفيذ الارهاب الرسمي وارهاب الدولة بجميع مظاهره، تمارس القتل والقمع والتدمير، والممارسات العنصرية ضد الأطفال والنساء والشيوخ، دون الأخذ بأي اعتبار للأنظمة والقوانين الدولية وشرعية حقوق الانسان. وهدف ” اسرائيل ” هو قهر ارادة الشعب العربي الفلسطيني ، وتغييب إرادة المقاومة.
لقد أصبح أمام المجتمع الدولي فرصة متاحة يجب العمل على استغلالها من أجل الوقوف أمام ظاهرة الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء ، وادانته واستئصاله من جذوره. ومعالجة الأسباب التي تسهم في بروز ظاهرة الإرهاب، بنتائجها المترتبة عليه، وبإنهاء بؤر التوتر في العالم، وتحقيق معايير العدالة والمساواة بين الأمم والشعوب كافة.
إن الإرهاب المصحوب باستخدام القوة دون شروط أو ضوابط محددة، والموجّه لقتل الأبرياء، وإحداث أضرار بالممتلكات الخاصة والعامة، ظاهرة قديمة شهدها المجتمع الدولي. إلا أن استخدام مصطلح ” الإرهاب ” إنما يعود إلى مرحلة الثورة الفرنسية ، حيث أطلق على الثوريين تعبير الإرهابيين الذين بدأت ضدهم عمليات تصفية واسعة بعد انتصار القوى الرجعية في فرنسا عام “1794م” . ثم أخذ مصطلح الإرهاب بالانتشار . وأشارت إليه العديد من الوثائق الرسمية ذات الصفة الدولية أو الاقليمية. ثم عمدت الدول والأنظمة الرأسمالية إلى إطلاق صفة الإرهاب على الثورات والانتفاضات الشعبية من أجل تبرير الأعمال الإرهابية الحقيقية التي تمارسها لتصفية وتطويق التغييرات التقدمية في المجتمعات .
ويعرف الإرهاب بمفهومه العام بأنه أحد مظاهر استخدام القوة التي تتصف بالعنف إلا أن تعاريف الإرهاب قد تنوعت وتعددت وتباينت في النظرة إلى الإرهاب.
لقد حاول العديدون وضع تعريف للإرهاب ، ولكنهم تباينوا في تعريفاتهم له ، فقد عرّف قاموس الأكاديمية الفرنسية لعام “1798م” الإرهاب بأنه” نظام عصر الرعب ” وعرّف الشخص الإرهابي ” بأنه الشخص الذي يحاول فرض وجهة نظره بطريقة قسرية تثير الخوف والهلع” . وعرّف آخرون الإرهاب ” بأنه القوة التي تهاجم مباشرة الآخرين، وخيراتهم أفراداً وجماعات من أجل السيطرة عليهم بواسطة الموت والتدمير والإخضاع” . ويرى آخرون أن ” الهدف الاستراتيجي للإرهاب هو بث مظاهر الخوف والهلع لدى الجماهير لتحقيق أهداف سياسية” . ولخص آخرون المعنى العام للإرهاب بقولهم :” إنه عدو الجنس البشري” .
وهكذا نرى أن استخدام القوة من خلال اسلوب الإرهاب متعددة مثل القتل ، والتشويه ، التدمير ، التعذيب ، وإثارة مظاهر الخوف والرعب ، بهدف الوصول إلى السلطة، او القيام بدعاية لهدف.
تطورت ظاهرة الإرهاب في المجتمع الدولي ، وتعددت مظاهره وتنوعت ، فالارهاب الفردي هو أحد مظاهر الإرهاب الذي يقوم به فرد بهدف تحقيق بعض المكاسب الشخصية فقط. والإرهاب الدولي هو مجموعة الأعمال الإرهابية التي تمارس ضد الشخصيات ذات الصفة الرسمية، أو ضد مواطنين من دول أخرى، وهو الاستخدام العنيف للقوة بشكل تعسفي من أجل تحقيق أهداف سياسية شريطة أن يتجاوز حدود الدولة . أما إرهاب الدولة فهو الذي تنفذه دولة أو مجموعة دول ضد الدول الأخرى. ومن وسائله تجنيد العملاء أو المنشقين ، أو التدخل العسكري ، أو التخطيط للانقلابات . ” وهو استعمال الدولة للقوة في سبيل فرض الظلم ” . والدولة التي تمارس هذا النوع من الإرهاب بأنها ” تجسد العنف المنظم على أراضي الآخرين ” . وإرهاب الدولة أو الإرهاب الرسمي هو من أوسع المظاهر المستخدمة في عالم اليوم ضد الأنظمة التقدمية وحركات التحرر المناهضة للدول الغربية والصهيونية . وإرهاب الدولة هو أعلى أشكال الإرهاب وأكثرها تنظيماً، وأكثرها تناقضاً مع القانون الدولي ، ومواثيق المنظمات الدولية ، والموجه ضد مظاهر الاستقرار والسلام.
وبعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية برز جهد دولي تجاه ظاهرة الإرهاب. فاتخذ مجلس الأمن الدولي قراره في 29/9/2001 الذي حدّد فيه استراتيجية شاملة لمحاربة كل أشكال الإرهاب ومظاهره في العالم. وأكد بقراره على تهديد الأعمال الإرهابية للأمن والسلام الدوليين . وأكد على منع تمويل الأعمال الإرهابية والامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، ووضع حد لعملية تجنيد أعضاء الجماعات الإرهابية ، ومنع تزويد الإرهابيين بالسلاح .
وبرغم القرارات الدولية الداعية إلى مكافحة الإرهاب واستئصاله، فقد توسعت الأعمال الإرهابية التي تمارسها الدول الإمبريالية عبر مظاهر ووسائل مختلفة مثل الانقلابات ، والتدخل العسكري، وقتل الأبرياء. وأصبحت القواعد والأساطيل العسكرية الأمريكية إحدى الوسائل التي تمارسها من خلال مظاهر الإرهاب الدولي المنظم ضد الأنظمة التقدمية وحركات التحر في العالم.
وهكذا نرى أن الإرهاب وسيلة تستخدمها الدول المهيمنة والصهيونية ضد إرادة الشعوب المضطهدة . ووسيلة وأداة لقمع الارادة العامة للشعوب التي تعبر عن رغبتها في الحرية والعدالة والمساواة . ويبقى النضال المشروع الوسيلة والأداة لإزالة العراقيل الكامنة أمام مسيرة التطور، وترسيخ مظاهر الأمن والاستقرار في المجتمعات.
النائب
حسن عجاج عبيدات
التعليقات مغلقة.