العرب في مؤتمر البحرين.. والعِبرة لمن اعتبر !! / علاء القصراوي
علاء القصراوي ( الأردن ) الأحد 16/6/2019 م …
بدأ تاريخ العرب الحديث مع الحرب العالمية الأولى عام 1914م، كان العرب على هامشها، ثم وجدوا أنفسهم وسط معمعتها، وانتهت كارثية فوق رؤوسهم، وإلى اليوم ما زالوا يعيشون مرحلة مماثلة وربما أشد سوءاً، حيث بدايتها انتفض وتَمرّد بعضهم على استبداد خلافة العثمانيين، وفي نهايتها أعلن آخرون خلافة داعش، وما بين خلافتين وربيعين، تحولت العرب من ضحايا إلى مُدانين، وانتقلوا من التقسيم إلى التفتيت، فامتزج النفط بالدم، والحقيقة بالزيف، وخاضوا حروباً كثيرة، بحثاً عن التطهير المُتبّل بالألم، لكن الحرب جحيم زادُها الموت، والموت لا يموت !!
تنازعت الدول العُظمى فيما بينها بحربٍ طاحنة لا هوادة فيها مع بدايات القرن المُنصرم، وذلك كله بسبب جشع السلطة ووهم التوسع، قُتل فيها الملايين جُلّهم في أوروبا، وكانت نتائجها كارثية على الجميع وخاصة على العرب الذين انقسموا بين داعم للدولة العثمانية في دخولها الحرب وفيما تلاه من خسارة وتحمل نتائج ذلك، وبين من حاربها لينعم بأكاذيب ووعود الاستقلال الذي أعطته الدول العظمى (بريطانيا وفرنسا) لهم، فهبت الريح بما لا تشتهيه السُّفن !!
مع نهاية عام 1915م كانت بريطانيا وفرنسا قد خططوا لتقاسم إرث الدولة العثمانية في المناطق العربية التي تركت فيها فجوة ثقافية واقتصادية كبيرة، فأبرموا اتفاق “سايكس-بيكو” المشؤوم، وتلاه عام 1917م الذي أعطت فيه بريطانيا “وعد بلفور” لليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بعد أن اتفقت مع بعض زعماء القبائل العربية – بمؤامرة كبرى معهم وعليهم – لتثبيتهم على عروشهم مقابل الانتفاضة على العثمانيين ومن ثم التنازل عن أرض فلسطين، وعادت وأكدت عام 1930م على تنفيذ وعدها لليهود، بعد أن تلاعبت بالعرب عام 1922م وأكدت فيه أن الاستطيان لن يؤثر على وجودهم واستقلالهم.
وبرغم بركان الغضب العربي الذي قذف حممه، وقيام الثورات والانتفاضات من العرب في مصر والعراق وسوريا وليبيا وغيرها، والانتفاضة الكبرى بفلسطين عام 1936م، ومرور 3 سنوات على ذلك،، تقوم الحكومة البريطانية بإصدار أول مشروع في فلسطين بتقسيمها لدولة فلسطينية وأخرى يهودية.
لقد ساعد اليهود بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فكان نصيبهم وعد بلفور، ثم بدأ الدور الأمريكي الذي كان شديد الانحياز للحركة الصهيونية التي قدمت خدمات واسعة النطاق لتحطيم ألمانيا النازية في سبيل دعم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة بعدما أثبتت شركات البترول الأمريكية مع بدايات القرن العشرين أن منطقة الخليج العربي تعوم على بحر من النفط والغاز، وأن من يسيطر عليها يستطيع أن يسيطر على العالم اقتصادياً وعسكرياً.
وبعد مؤتمر “بلتيمور” عام 1942م الذي عقدته أمريكا لإعطاء اليهود حق تشكيل قوة عسكرية وحكم لإدارة فلسطين، وإحالة القضية إلى الأمم المتحدة بعد اعتراض العرب لتساعد في إصدار قرار تقسيم فلسطين عام 1947م، ثم انسحبت بريطانيا من فلسطين عام 1948م وانتهى دورها وبدأ الدور الأمريكي – الإسرائيلي في المنطقة العربية ككل بعد أن أُعلن عن قيام دولة إسرائيل واعتراف أمريكا مباشرة فيه..
هذه السطور لا تنبش ما في الدواخل أو تفتح الجروح، وإنما وقفة تحذير من هجمة جديدة تعصف ببلادنا، تفوح منها رائحة بارود وخيانة، تحملها رياح سوداء، تنبعث من تحت ركام الحسابات القديمة، وتمزج الحياة بكل ما هو ضدها، أبطالها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تُقحمنا فيها لإنهاء صفقة القرن اللعينة، وما زلنا نحن العرب نسقط في هوة التضليل والتوهان والمرارة، بعد أن حلمنا بالحرية والاستقلال والاستقرار، فقد لازمنا الفشل والإخفاق في دهاليز السياسة منذ اندحار العثمانيين عن المنطقة العربية ومروراً بكل المعاهدات والاتفاقيات المُبرمة بيننا كعرب وبين اليهود والدول الأخرى، وذلك كله بسبب قلة الوعي وسوء التخطيط وخباثة أبطال المسرحية !! ما زلنا لا ندرك لُعبة الحروب وطبولها، فهي نزاعات بين المصالح الكبرى يسويه الدم أحياناً، وأخرى بأسلوب التخويف والترهيب المُتبع عند السياسين الذين هم الرحم والمهد الذي تنمو فيه الحروب !!
ما زال العرب يُخطئون في قراءة أبعاد التفكير الإستراتيجي للمستعمر، فقد زرع في أرضهم نزاعات تستنزفهم، وتجعلهم يدورون دائماً في فلك نفوذه، وكان إنشاء إسرائيل بعد سلخ وطن بأكمله هدفاً نموذجياً يدفع العرب للبحث عن الحماية عند “الجلاد” الذي يضمن في الوقت نفسه حياة “الجزار” الإسرائيلي.
إن القواعد الأساسية للسياسة الاستعمارية القديمة لم تتغير جذرياً، بل إننا نعيش حالياً مرحلة جديدة منها تُسمى “الإخضاع الإمبريالي للكرة الأرضية” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد خرجنا من الصعب إلى الأصعب، ولكننا ما زلنا لا نعرف كيف نمنح للماضي فرصة لكي يمضي، وللمستقبل فُسحة أمل لكي يولد.
يجب إعادة الاعتبار للعقل والحُرية والكرامة الإنسانية للمواطن العربي، والتعامل مع مناخ الأزمة الحالية التي نعيشها بجرأة وصلابة وحنكة بعيداً عن الخيانات السابقة في الماضي، وأن لا ننسى أن التفكير الإبداعي الخلّاق وإرادة الفعل الصلبة قد تحول المِحنة إلى مِنحة، يضع أعداءنا ألغاماً في طريقنا ولكن لا يجب أن ننسى بأن السياسة “مؤامرة دائمة” بين الجميع على طاولة الاجتماعات، ومواجهتها يكون بالعمل الشاق الدائب، من أجل أن نبلغ المستوى الذي نغدو فيه أنداداً للغرب، ثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً وسياسياً.
إن الأمم الكبيرة تحيا لتتذكر، والأصح أنها تتذكر لكي تحيا، لأن النسيان هو الموت أو درجة من درجاته، في حين أن التذكر يقظة، واليقظة حالة من عودة الوعي، قد تكون تمهيداً لفكر ربما يتحول إلى نية فعل، ثم إلى فعل إذا استطاع أن يرتب لنفسه موعداً مع العقل والإرادة في يوم قريب أو بعيد، بمثل ما فعل المشروع الصهيوني على امتداد قرن كامل من الزمن، فقد عاش نصفه مع الوعد، ونصفه الآخر مع تحقيق الوعد.. والعِبرة لمن اعتبر !!
التعليقات مغلقة.