الثقافة في فلسطين قبل النكبة…الجواهري وأم كلثوم / مهند إبراهيم أبو لطيفة
مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) الإثنين 17/6/2019 م …
لم تكن فلسطين- كما روجت رواية الحركة الصهيونية – بالأرض الجدباء الصحراوية، الخالية من شعبها وتمدنها وحياتها الثقافية قبل النكبة، بل على العكس من ذلك تماما، فلقد كانت فلسطين من أوائل الحضارات ومنذ فجر التاريخ التي عرفت حياة المدنية والمدن. وقبل النكبة كانت المدن الفلسطينية تعيش حالة متقدمة من النهضة العمرانية والإجتماعية والثقافية.
ربما نجحت الصهيونية في مرحلة من غفلة العرب، في ترويج هذه الدعاية لدى بعض الأوساط الغربية، والتي كانت مهيئة بدورها لقبول هذه الأكاذيب، ولكن ومع الإنفتاح الذي شهده العالم ، بفضل إنتشار وسائل الإعلام ، وثورة المعلومات والإتصالات، و التواصل الحضاري ، تكشف كل هذا التضليل المُمنهج.
كان المشهد الثقافي الفلسطيني قبل النكبة ، وفي فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين ، أو بتعبير أدق الإحتلال البريطاني، مثله مثل باقي المشاهد الثقافية في الدول العربية ، يمتاز بحضور كبير للعمل الإعلامي ، والأدبي.
إنتشرت الصحف والمجلات والدوريات السياسية والأدبية، وكانت المدن الفلسطينية ( يافا ، حيفا، القدس ) عواصم للصحافة الفلسطينية. وعرفت فلسطين الأدب القصصي، الشعر ، الرواية، الترجمة، المسرح، السينما..الخ.
وساهمت كوكبة من الشعراء والكُتاب، في إثراء حياتها الثقافية خصوصا منذ عام 1908. ومعظمهم تابع عطاءه بعد النكبة، من الداخل والمنافي، وساهم بدور كبير في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية والحفاظ على الذاكرة الحضارية، وإنخرط في صفوف الحركة الوطنية.
عرفت فلسطين المطبعة والطباعة منذ عام 1846 ( مطبعة رهبان دير الفرنسيسكان، في القدس)، ثم إنتشرت لاحقا في باقي المدن.
لسنوات طويلة، وبسبب ظروف الإحتلال، كان من الصعب الإستفادة من الإرشيف الفلسطيني، الذي يقدم صورة حقيقية، عن تاريخ النشاط الثقافي الفلسطيني، بالرغم من وجود عشرات الصحف في إرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية، ومجموعة المواد الإسلامية والشرق الأوسط، والتي يجب دراستها ومراجعتها.
ويمكن لنا أن نتخيل أهمية هذه الصحف، إذا عرفنا أنه ولغاية عام 1948، وجد في فلسطين قرابة 250 صحيفة ودورية، ومطبوعة، تضم المكتبة الوطنية اليوم نحو نصفها.
عرفت فلسطين ، إضافة للتيارات السياسية والفكرية والنقابية، حركة أدبية متميزة ونشطة ، تركزت في بعض المدن الكبيرة مثل القدس، الخليل، يافا، حيفا.
ووجدت روابط وتجمعات ونوادي للمثقفين الفلسطينيين، ومثلت المسارح ودور السينما – مثل سينما ” أوراكل ” وسينما ” أميرة ” – في بعض المدن مراكز للحياة الثقافية.
من الأنشطة المتميزة، التي شهدتها فلسطين قبل النكبة، إستقبال عدد من الفنانين والموسيقيين والكتاب والشعراء مثل:
فريد الأطرش ، محمد عبد الوهاب، ليلى مراد، الكوميدي المصري علي القاصر، الدكتور طه حسين، أم كلثوم ، والشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري. ولعل تتبع ما تم توثيقه من زيارة أم كلثوم، والجواهري، يُسلط قليلا من الضوء على المشهد في تلك المرحلة.
كوكب الشرق أم كلثوم (1898- 1975) في فلسطين:
زارت أم كلثوم فلسطين لأول مرة في أكتوبر 1931 ، وفي المرة الثانية في شهر مايو 1935. وقدمت عروضها في القدس، يافا، وحيفا. وكانت تأتي إلى فلسطين عن طريق البحر، على ظهر سفينة لتحط رحالها في ميناء حيفا. أحيت حفلة ساهرة في قاعة ” أبولو ” التي إزدانت واجهتها بتمثال كبير أعد خصيصا لها.
كانت حفلاتها تحظى بإسقبال شعبي كبير ، ويقال أن آلاف الفلاحين كانوا يأتون من الأرياف ، خصيصا قبل يومين أو ثلاثة، وينتظروا على الأرصفة ، فرصة مشاهدتها والإستماع إليها، رغم إرتفاع سعر تذكرة الدخول.
وثقت صحف فلسطينية أحداث الزيارة ، ونشرت صحيفة ” فلسطين “، إعلانا عن الحفل، بينما كتبت ” بريد اليوم ” و ” صحيفة الكرمل ” تقريرا عن الزيارة.
نظمت حفلة أم كلثوم ” نقابة البحارين “، مقابل مائتي ليرة تتقاضاها أم كلثوم عن كل حفلة . وأحيت كوكب الشرق حفلة من حفلاتها في ” سينما عين دور” و من الأغاني التي غنتها في حفلتها ، أغنية ” يا بشير الأنس “، التي تركت أثرها في جمهور المستمعين.
الجدير بالذكر ، أن إهتمام الجمهور بأم كلثوم ، لم يقتصر على العرب، بل أمتد لغيرهم من اليهود، ويقال أن الحاخام
” عوفاديا يوسف “، الأب الروحي لحركة ” شاس”، صاحب الفتاوى والتصريحات العنصرية ، إعتاد على سماع أغاني أم كلثوم، خلال كتابة الفتاوي ، وسمح لاحقا باستخدام الموسيقى الكلاسيكية العربية ، في الطقوس الكُنسية، وتلحين التراث الديني الذي يقدم في الكُنس على شكل تراتيل .
يقول الباحث المتخصص في تاريخ حيفا، د. جوني منصور ، أن أم كلثوم حظيت بلقب ” كوكب الشرق “، خلال عرض لها في مدينة حيفا، حيث قامت إحدى المستمعات الحاضرات، بالهتاف أمامها : أنت تستحقين لقب ” كوكب الشرق “. هكذا حملت أم كلثوم ” بلبلة الشرق ” لقبها الجديد.
يقال أن هذه السيدة إسمها ” أم فؤاد ” من طيرة الكرمل، وأنها صعدت على المسرح ، وقالت لأم كلثوم : أنت كوكب الشرق ، بينما كانت تغني أغنيتها ” أفديه إن حفظ الهوى “، وأنها أضطرت للخروج من فلسطين بعد الإحتلال، لتعيش في المنفى. ويقر سليم نشيب ، وهو كاتب سيرة أم كلثوم بأنها حظيت باللقب في مدينة حيفا.
وكما نشرت جريدة ” البلاغ ” في وقتها، شُنت حملة على أم كلثوم في الإذاعة من قبل الحركة الصهيونية، وتم إصدار حكم إعدام بحقها ، بحجة أنها ” تثير الشغب وتحرض الجماهير على الجهاد “. ولاحقا بعد توقيع الهدنة ، اكتشفت الإذاعة الإسرائيلية مكانة أم كلثوم وأهميتها ، وواظبت على بث أغانيها عبر أثيرها. ويوجد في القدس ( منذ عام 2012 ) شارع يحمل إسم ” أم كلثوم ” ولأغنياتها حضور في مهرجانات العود.
غنت أم كلثوم لفلسطين، كما غنت لمصر أجمل أغانيها، منها ” أصبح عندي الآن بندقية “، ” راجعين بقوة السلاح ” ،
” إنا فدائيون “.
عملاق الشعر الجواهري (1899- 1997) في فلسطين:
تلقى الجواهري الدعوة لزيارة فلسطين، عن طريق السيد جواد هاشم، بأسم البريطانيين، من فرع محطة إذاعة الشرق الأدنى في بغداد – إذاعة لندن -، وبعد أن فكر مليا وافق على قبول الدعوة، وشجعه على القبول رغبته في رؤية فلسطين، وأهمية ” يافا ” كمركز ثقافي، وعلمه أن الدكتور طه حسين سبق وزارها وحاضر فيها.
تحت عنوان ” الفردوس المفقود في فلسطين ” ، كتب الشاعر العراقي الكبير، محمد مهدي الجواهري، تفاصيل رحلته إلى فلسطين، التي حل ضيفا عليها في الفترة ما بين 24 شباط – 6 آذار من عام 1945م. وحظيت زيارته بإهتمام كبير من قبل الصحافة الفلسطينية التي وثقت لتفاصيل الزيارة.
إشترط الجواهري، أن لا يُمنع من إلقاء ما يشاء من القصائد، من قبل سلطات الإنتداب البريطاني، وتمت الموافقة على طلبه، ومما كتبه الجواهري في مذكراته :
” كانت قصائدي الثورية ، وخصوصا ضد الوضع حينذاك ، وضد التدخل الأجنبي، وبريطانيا بالذات، وكل من يتعاون معها من الحاكمين، معروفة ومنشورة وشائعة بين الجماهير العراقية والعربية” .
إستقل الجواهري طائرة تابعة للخطوط الجوية البريطانية، وكانت أول مرة في حياته يركب فيها طائرة. وفي الطائرة، وقبل أن تهبط في مطار ” اللد”، كتب قصيدته في (يافا ).
يكتب الجواهري : ” كان أول لقاء، حفلة جميلة أقيمت في ” يافا “، وكان فيها العديد من الوجوه الفلسطينية البارزة ، وأقطاب ” يافا “، شخصيات كبيرة، وقد أقيمت الأمسية في المجمع الثقافي هناك، والذي يُمثل عدة نوادي ثقافية وأدبية، وألقيت ما إشتهيت ، قصيدة ( ستالينغراد ) ، وقصيدتي عن السيد جمال الدين الأفغاني، وألقيت قطعة من قصيدتي ( أبو التمن).
” لقد أقيمت لي في الواقع ، حفلات عديدة في فلسطين ، حفلة تكريمية في ” يافا “، وأخرى في ” حيفا “، وثالثة في ” الجليل “، وكان فيها الأدباء والشعراء والخطباءـ، من بينهم الأديب (وديع البستناني)، صاحب أبدع ترجمة لرباعيات الخيام- رحمه الله” .
زار الجواهري المسجد الأقصى ، وكتب عن هذه الزيارة:
” وإلى الآن أقول : يا ليتني لم أزر فلسطين! لو بقيت أسمع بها فقط لكان ذلك أفضل !!. فكانت الفاجعة الدامية، تأتي وانا لم أر فلسطين العربية ، ولكن رأيتها، ورأيت الجنان، ولمست رهبة ” المسجد الأقصى “.
الله ما أعظمه، إنه يفرض الخشوع والسجود. ورأيت (يافا) الجميلة الغافية على البحر، وكذلك (حيفا)، ورأيت الجنة التي إغتصبها الصهاينة، وخرجنا منها أذلاء…ما جرى فظاعة لا تُصدق “.
عاد الجواهري بسيارة خاصة إلى (دمشق)، ليذهب من هناك إلى (بغداد)، وحين سأله سائقه ، أذا كان يرغب كالعادة في الصيف، أن ينزل إلى لبنان الذي أحبه، أجاب الجواهري: ” لا ، ليست هناك حاجة، فنحن قادمون من فلسطين يا بني…إنها قلبي الحبيب…”.
ما سجلته الصحافة عن زيارة الجواهري- مثل صحيفة “الدفاع” و”الإتحاد “- أن رابطة المثقفين الفلسطينيين العرب، نظمت له عددا من المهرجانات الشعرية، في يافا، القدس، الخليل، وحيفا.
حل ضيفا على رئيس مجلس محلي ” قلقيلية ” عبد الرحيم السبع، لتناول طعام الغداء، ثم إنطلق في نفس اليوم إلى يافا، وفي المساء( الأحد 25 شباط 1945 )، ألقى الجواهري قصيدة من شعره في نادي الشبيبة الإسلامي، في مدينة يافا. والتقى مع ممثلي الحركة النقابية الفلسطينية، زار جمعية العمال، وألقى هناك قصيدة.
إلتقى في يافا في (النادي العربي) مع نُخبة من المثقفين الفلسطينيين ، وألقى قصيدته ” يافا الجميلة “. أقيم للجواهري حفل تكريم في ” المجمع الثقافي اليافي “، وتحول إلى مهرجان شعري، ألقى الأستاذ حسن أبو الوفا الدجاني، كلمة ترحيب بالضيف الكبير ، وألقى شعراء من يافا بعض من قصائدهم ، وهم :
أحمد يوسف ، محمد العدناني، مصطفى الدباغ ، محمود الحوت.، وكان يغلب عليها الطابع الغزلي، فألقى الجواهري بدوره قصيدة ” بنت بيروت “، وقصيدة ” البديعة “.
حل الجواهري ضيفا على مسرح الشبان المسيحيين في القدس، بتنسيق مع رابطة المثقفين العرب في المدينة. وكان ضمن الحضور ، قنصل العراق في فلسطين ، وخليل السكاكيني، عارف العارف، عمر الدباغ ، د. موسى الحسيني.
زار الجواهري مدينة الخليل، وكان في إستقباله وفد من رابطة المثقفين العرب في الخليل ، بدعوة من نادي الخليل الثقافي. نًظمت له زيارة إلى الحرم الإبراهيم الشريف ، برفقة مفتي الخليل سماحة الشيخ عبدالله طهبوب، وفي قاعة المدرسة الإبتدائية، وبحضور قرابة خمسمائة شخص، ألقى قصائده، والتي أعادها مرات عديدة ، بناء على رغبة الجمهور.
من الخليل، توجه إلى بيت لحم، حيث زار كنيسة المهد والأماكن المقدسة، ثم عاد للقدس. وكانت آخر محطة للجواهري في حيفا، يوم الإثنين من آذار 1945م ، تحت إشراف رابطة المثقفين العرب، أقيمت له أمسية ، ألقى فيها فؤاد نصار كلمة ترحيبية. وكان من المشاركين في هذا المهرجان، الشاعر عبد الكريم الكرمي ” أبو سلمى “، الشاعر نبيه ثابت ، الشاعر وديع بستاني.
من المعروف، أن آخر الكلاسيكيين العرب، الشاعر الجواهري، إرتبط شعره بمواقفه القومية والوطنية، وكانت قضية فلسطين، تحتل مكانة مركزية في شعره، قبل النكبة وبعدها. ومن القصائد التي كتبها قبل النكبة :
قصيدة ” الشباب المر ” نظمها عام 1922، شبه فيها فلسطين بالأندلس، وقصيدة ” فلسطين الدامعة” عام 1929، عبر فيها عن حزنه العميق على فلسطين، وقصيدة ” يوم فلسطين ” كتبها عام 1938، أثنا فيها على كفاح شباب فلسطين ضد سياسة الإحتلال البريطاني، وقصيدة ” ذكرى وعد بلفور “عام 1945، وحث فيها الشعب الفلسطيني، على التضحية والمقاومة.
وقصيدة ” اليأس المنشود ” كتبها عام 1947 ، عبر فيها عن حالة اليأس من العهود والحلول المطروحة، وقصيدة
” ناغيت لبنان ” عام 1947 ، تناول فيها القضية الفلسطينية ومكانتها الدينية، وألقاها في حفل إستقبال الرئيس اللبناني الشيخ ” بشارة الخوري “، في بغداد.
تنبأ الجواهري بضياع فلسطين، كما ضاعت الأندلس وبوقوع النكبة عام 1948.
قصيدة “يافا الجميلة: للشاعر الجواهري
بـ ” يافا ” يومَ حُطَّ بها الرِكابُ … تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ … مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْمًا … فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
و ” يافا ” والغُيومُ تَطوفُ فيها … كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ … بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى … وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
فؤادٌ عامِرُ الإيمانِ هاجَتْ … وساوِسُه فخامَرَهُ ارتياب
وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها لِطَرفي في مغَانيها انْسياب
وموجُ البحرِ يَغسِلُ أخْمَصَيْها … وبالأنواءِ تغتسلُ القِباب
وبيّاراتُها ضَربَتْ نِطاقًا … يُخطِّطُها كما رُسمَ الكتاب
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر “يافا” … واترابٍ ليافا تُستطاب
” فلسطينٌ ” ونعمَ الأمُ، هذي… بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ … إلى ” يافا ” وحلَّقَ بي عُقاب
فيالَكَ ” طائرًا مَرِحًا عليه … طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي … جوانِحَهِ من النجم اقتراب
ركبِناهُ لِيُبلِغَنا سحابًا … فجاوزَه، لِيبلُغَنا السّحاب
أرانا كيف يَهفو النجمُ حُبَّا … وكيفَ يُغازِلُ الشمسَ الَّضَباب
وكيفَ الجوُّ يُرقِصُهُ سَناها … إذا خَطرتْ ويُسكِره اللُعاب
فما هيَ غيرُ خاطرةٍ وأُخرى … وإلاّ وَثْبةٌ ثُمَّ انصِباب
وإلاّ غفوةٌ مسَّتْ جُفونًا … بأجوازِ السماءِ لها انجِذاب
وإلاّ صحوةٌ حتّى تمطَّتْ … قوادِمُها، كما انتفَضَ الغُراب
ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا … وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
ولاحَ ” اللُّدُّ ” مُنبسِطًا عليهِ… مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها … مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ … ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
أحقَّا بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ … وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ… ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ… ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
ويا مُتسابقِينَ إلى احتِضاني … شَفيعي عِندَهم أدبٌ لُباب
ويا غُرَّ السجايا لم يَمُنُوا … بما لَطُفوا عليَّ ولم يُحابوا
ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ … مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب
تَشِعُّ كريمةً في كل طَرفٍ … عراقيٍّ طيوفُكُم العِذاب
وسائلةٌ دَمًا في كلِّ قلبٍ … عراقيٍّ جُروحُكم الرِغاب
يُزَكينا من الماضي تُراثٌ … وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب
قَوافِيَّ التي ذوَّبتُ قامَتْ … بِعُذري. إنّها قلبٌ مُذاب
وما ضاقَ القريضُ به ستمحو … عواثِرَهُ صُدورُكم الرّحاب
لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعًا … به، واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب
فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ … وعنْ وطَني إلى وطني إياب
مراجع:
– بهاء الدين جعفر: الإلتزام في شعر الجواهري، دار الكتاب العربي، ط1 ، بيروت ، 2011 .
– الجواهري: ذكرياتي ، دار الرافدين ، دمشق، 1988.
– جهاد عثل : جريدة ” الإتحاد ” ، بتاريخ 04.20. 2019.
– إرشيف صحيفة ” فلسطين ” وصحيفة ” الدفاع ” و ” البلاغ “.
– كوكب الشرق، الجزيرة نت ، بتاريخ 2015.02.07.
التعليقات مغلقة.