هل زوال اسرائيل حتمية تاريخية؟ / د. عبد الحي زلوم
د. عبد الحي زلوم ( فلسطين ) الإثنين 31/8/2015 م …
اذا كان عنوان ندوة خاصة عقدها نخبة من المؤرخين الاسرائيلي بتاريخ 24/10/2013 في قاعة تاسفتا TASVTA في تل ابيب بعنوان ” هل ستبقى اسرائيل موجودة بعد 90 سنة”؟ وأن يكون هذا التساؤل مصدره مؤرخين يعرفوا قبل غيرهم زيف ادعاءات حقوق الصهيونيه في فلسطين، وإذا تساءلت كبريات المجلات الأمريكية على غلافها (التايم 19/01/2009) تحت عنوان “هل تستطيع إسرائيل استمرارية العيش؟ ” وإذا جاءت هذه التساؤلات حتى بعد ستين عاماً من تأسيس إسرائيل وامتلاكها مئات القنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ والأقمار الصناعية ، بل وامتلاكها القرار السياسي لأقوى دولة في العالم , فيصبح من المشروع جداً تساؤلنا نحن اصحاب القضية : هل يمكن لهذا الكيان البقاء أو أنه زائلٌ لا محاله ؟ جوابنا هو أنه زائلٌ حتى ولو بعد 200 سنة.
وقد إعترف دافيد بن غوريون الصهيوني العتيد ، أحد الآباء المؤسسين للصهيونية حين قال: “لو كنت قائداً عربياً (فلسطينياً) لما تصالحت أبداً مع إسرائيل ، وإنه لأمر طبيعي : لقد أخذنا بلادهم …… نحن من إسرائيل ، ولكن قبل ألفي سنة خلت، وأية دلالة لهذا عندهم ؟ لقد كان هناك معاداة للسامية ، وكان النازيون ، وكان هتلر ، وأوشفيتز، ولكن هل كان ذلك خطؤهم ؟ إنهم يرون، شيئاً واحداً فقط : لقد جئنا هنا وسرقنا وطنهم . لماذا عليهم أن يقبلوا ذلك؟” . أما آرييل شارون فقال قولته الشهيرة” إما نحن وإما هم ” كما قالها من قبله الاب الروحي للكودية فلادامير جابوتنسكي قبل 90 سنة . هذا هو منطق التاريخ طال الزمن أم قصر وهكذا طردت فلسطين الغزاه ولو بعد مئات السنين.
وصل المشروع الصهيوني الى طريق مسدود كادت ان تنهار دولته الجديدة التي وجدت نفسها أمام تحديات كبيرة وعديدة: اجتماعية و عقائدية، وجغرافية، وسكانية، واقتصادية شكلت تهديداً لها منذ الأيام الأولى لتتعاظم مع الوقت لتصل مرحلة الخطر بحلول عام 1966، وامتداداً لأوائل 1967 ولم ينقذها من الانهيار إلا حرب 1967!
التغير الديموغرافي
في منتصف الستينات، شهدت إسرائيل ثورة ديموغرافية .. فلأول مرة منذ إقامة الدولة يصبح عدد اليهود الغربيين أقل من اليهود الشرقيين، الميزراح. في عام 1950 كان اليهود الغربيين (الإشكناز) يمثلون 80% من السكان اليهود ليتغير الوضع بعدها بسنوات، حيث أصبح اليهود الشرقيين (الميزراح ) هم الأغلبية في البلاد. وتحدث تقرير رفعه السفير الأمريكي لدى إسرائيل وولورث باربوور، إلى رؤسائه في واشنطن، عن تفرقة عنصرية تمارس ضد اليهود الشرقيين – الميزراح – لصالح اليهود الغربيين – الأشكيناز_. ومما أكده السفير فإن من السهل تمييز مظاهر هذه التفرقة في معظم مناحي الحياة: التعليم، الإسكان والتوظيف . وتوصل السفير في تقريره لقناعة مؤداها أن الانتماء العرقي، أكثر من أي شيء آخر، هو الذي يحدد مستقبل الفرد في إسرائيل، وأضاف السفير بأن هذه القضية تشكل مصدر الخطر الأكبر على مستقبل دولة إسرائيل. نضيف الى ذلك تنامي الاقلية الفلسطينية بأضعاف معدلات تنامي اليهود خصوصاً بعد أن توقفت الهجرة اليهودية تماماً سنة 1966.
مصاعب اقتصادية!!
يرى الخبراء الاقتصاديون بأن السبب الرئيسي وراء دخول الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة من الركود عام1965 كان التباطؤ الكبير في نسبة الزيادة السكانية بين الإسرائيليين من 4% عام 1964 إلى صفر بالمئة عام 1966، وذلك نتيجة للتراجع الكبير في معدلات الهجرة. لم تكن الرسائل التي يبعث بها الإسرائيليون إلى أقاربهم في الخارج تبعث على التشجيع للالتحاق بهم في إسرائيل. وبالطبع فقد تركت معدلات النمو السكاني الضعيفة أثرها الكبير على النشاط في قطاع الإسكان، الذي يؤثر بدوره على الوضع في القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة. كانت النتيجة حالات إفلاس كثيرة طالت العديد من الشركات، وهبوطاً في النشاط الاستثماري بمعدلات بلغت 20% في القطاع الصناعي، و30% في الإنشاءات. بل إن الاستثمارات الأجنبية تراجعت عام 1964 بنسبة 40% ووصل التراجع إلى 55% في 1966. وأمام الجمود الذي آلت إليه حركة المشاريع الجديدة، وجد العديدون في إسرائيل أنفسهم بدون عمل.
لم تكن مشاعر الإحباط لدرجة اليأس مقتصرة على الشارع الإسرائيلي، بل دقت أبواب رموز البلاد السياسيين، أمثال بن غوريون الذي دوّن مشاعره في مذكراته بالقول بأن الإسرائيليين: فقدوا الثقة بالمستقبل كما لو أن “الوضع أصبح ميئوسا منه”. جاء يوم العمال ليمنح الناس فرصة للتعبير عما يجيش في أنفسهم من مشاعر يأس وإحباط، فخرج العاطلون عن العمل إلى شوارع أسدود ودخلوا في مواجهة مع رجال الشرطة سقط خلالها العشرات من المصابين من الطرفين. يومها بدت الأمور في أسدود كما لو أن المدينة على وشك أن تعيش انتفاضة حقيقية، وتكرر المشهد ذاته في العديد من المدن الإسرائيلية الأخرى.
كان من الطبيعي أن تجد إسرائيل، وكما هو الحال عادة مع البلدان الرأسمالية في أوقات الأزمات الاقتصادية الخانقة، في الحرب المخرج المفضل من أزمتها. وجاءت حرب الأيام الستة بتاريخ5 يونيو 1967 لا لتنقذ الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل لتشكل الحدث الذي قلب حياة الإسرائيليين رأسا على عقب .
تحجر ايديولوجي يزداد تطرفاً لا عقلانية مع الزمن.
كان فلاديمير جابوتنسكي (Vladimir Jabotinsky هو السبب وراء تشكيل الجيش اليهودي الذي وصل إلى فلسطين مع الغزاة البريطانيين. ، وكان ديفيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل، يطلق على جابوتنسكي اسم فلاديمير هتلر (Vladimir Hitler) بعدما تطور الخلاف العقائدي بين الرجلين. قام جابوتنسكي بتأسيس الاتحاد العالمي للصهاينة التعديليين (World Union of Zionist Revisionists) وحركتها الشبابية، بيطار، وذلك في عام 1925. ورفض التعديليون ما كانوا يعتبرونه انحرافاً واعتدالاً في الاتجاه الرئيسي للصهيوينة. وكان جابوتنسكي ينظر إلى التنظيم العمالي الصهيوني على أنه “سرطان منتشر في جسم اليشوف (Yishuv) (المجتمع اليهودي في فلسطين) ” وحذر بن غوريون في اجتماع عمومي في فبراير 1933 الحزب الصهيوني الرئيسي، الماباي (Mapai) من “التقليل من شأن حدة الخطر الهتلري الذي يتهدد الشارع اليهودي والصهيوني.” ثم أشار إلى جابوتنسكي بوصفه فلاديمير هتلر(Vladimir Hitler). ومجدداً في 15/3/1933، أعلن بن غوريون أنه حان الوقت لمجابهة هذه المشكلة الخطيرة، واعتقد أنه قد آن الأوان لشن الحرب ضد “الهتلريين الموجودين في صفوفنا… إننا نواجه حرب حياة أو موت “ وبعدها هاجر جابوتنسكي الى الولايات المتحدة حيث نشر مبادئه ومات هناك . استمرت الحركة الصهيونية في انحرافها إلى اليمين، وبدأ حزب العمل الذي انبثق عن الماباي وعن الحركة العمالية في فقدان سيطرته لصالح حزب التعديليين الذي انبثق عنه حزب الليكود.
لقد شكلت انتخابات 1977 ثورة على يد الصهاينة التعديليين، وأخبر مناحيم بيغن الحاخام آرثر هيرتزبيرغ (Rabbi Arthur Hertzberg): “يجب أن أقول إنني أرى أن مهمتي في صفوف الشعب اليهودي، هي أن أغيّر وجه تسعة وعشرين عاماً من التاريخ اليهودي. كان اليهود ضحايا للتعليم والثقافة الصهيونية السيئة التي قدمها حزب العمل، إنني مخلوق لأقلب هذا التعليم السيء”. وفي أول اجتماع له في البيت الأبيض، طلب كارتر من بيغن وألح عليه في أن لا يشرع في بناء مستوطنات جديدة. وعندما سئل بيغن عن مخططاته المقبلة أشاح بوجهه عن الصحفيين، وحسب إيريك سيلفر(Eric Silver) كاتب سيرته الذاتية، فإنه “قال إنه سيمضي في مخططه كما هو وسيستمر في بناء المستوطنات. وتنبأ أن الأميركيين ستنطفىء شعلة احتجاجهم بعد ستة أشهر وسيعودون إلى حالتهم الطبيعية ويتقبلون الأمر.” وقد أصبحت هذه الحقيقة هي السياسة الإسرائيلية المتبعة. فهم يتحدّون الإدارات الأميركية واحدة تلو الأخرى، حتى يفتر ذلك الغضب ويتلاشى، وتتعلم الإدارة الأمريكية، في نهاية المطاف، أن تتخذ قرارات متطابقة مع المواقف الإسرائيلية. لقد بات اللوبي اليهودي أقوى من أن يقاوم.
كان الرئيس الأسبق للمؤتمر اليهودي العالمي، ناحوم غولدمان (Nahum Goldmann)، في الثانية والثمانين من عمره عندما طلب أن يجتمع بالرئيس كارتر. وكان من بين الحضور في هذا الاجتماع مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية فانس (Cyrus Vance). وطلب غولدمان من كارتر أن يفرط عقد اللوبي اليهودي ويفككه، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط. وأكد سايروس فانس أن “غولدمان اقترح أن نفكك اللوبي اليهودي ولكني أجبته أن ذلك ليس بمقدورنا.”
سيطر المتطرفون تدريجياً على إسرائيل، وأصبح كل رئيس وزراء لإسرائيل متطرفاً أكثر مِمَن سبقه. واغتيل رئيس الوزراء إسحق رابين (Yitzhak Rabin) الذي عقد اتفاقية أوسلو أوائل التسعينيات على يد المتطرفين الغلاة. ويعتبر نتنياهو وشارون من الصنيعة البحتة لجابوتنسكي، فكلاهما كان عاقداً العزم على إلغاء كل ما تضمنته اتفاقية أوسلو، بما في ذلك، إلغاء فكرة إقامة دولة فلسطينية أو حتى حكم ذاتي فلسطيني .
بالنسبة للفلسطينيين وحسب دراسة وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية CIA فإن عدد الفلسطينيين من البحر الى النهر سيزيد عن عدد اليهود في فلسطين التاريخية . لذلك تبنت الولايات المتحدة الاصرار على حل الدولتين لانقاذ اسرائيل من غبائها حيثُ أن سيساتها الحالية ستوصلها الى إحدى حالتين ، أما دولة ثنائية القومية تكون الاغلبية فيها لصالح الفلسطينيين وإما دولة فصل عنصري كجنوب افريقيا . اختيار ضم الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني مع الاصرار على يهودية الدولة لاستثناء الفلسطينيين من حقوقهم السياسية في تلك الدولة هي السياسة المتبعة من اليمين المتشدد والذي يزداد تشدداً وغباءً سنة بعد سنة. وهذا سيكون احد الاسباب الهامة والتي كان يخشاها المؤسسون الصهاينة والتي ما زالوا يخشونها وهي ما اسموه ( قنبلة الارحام الفلسطينية ). كان والدي رحمه الله دائماً يقول وقد نفض يده وفقد آمله من العالم العربي ( اللهم ولي عليهم اتيسهم). ويبدو أن الله قد استجاب لدعاءه.
بداية النهاية … ونهاية اللعبة … للرأسمالية وإسرائيل
إن قوة اسرائيل تأتي من قوة اليهودية العالمية وتحكم اليهود في الرأسمال العالمي . وكما هو واضحٌ من قول Cyrus Vance اصبح النفوذ اليهودي الصهيوني مطبقاً على مفاصل الدولة في الولايات المتحدة وبواسطتها على العالم . لكننا بينا في مقالات سابقة رأينا أن الولايات المتحدة ورأسماليتها وعولمتها في تقهقر وأنحدار بين شعوب العالم وليس بمقولة البابا فرانسيس الذي يتبعه مليار واربعة مليون نسمة في العالم بوجوب تغيير هذا النظام الرأسمالي الظالم . قالها ويقولها جهاراً نهاراً وقد بدات الصين وروسيا ودول البريكس بتحدي ذلك النظام .
في عددها الصادر بتاريخ 20 أكتوبر2005 نشرت مجلة هارفارد كريمسون نص محاضرة لأحد أشهر المؤرخين في العالم ، إيريك هوبسباوم جاء فيها القول:
” بأن مشروع الإمبراطورية الأمريكية سينتهي إلى الفشل الحتمي”. ويضيف:” هل ستتعلم الولايات المتحدة دروس الإمبراطورية البريطانية، أم ستعمد إلى محاولة الحفاظ على دور عالمي آخذ في التآكل، من خلال الاعتماد على قوة سياسية وعسكرية فاشلة لا تفي بالمتطلبات والأهداف الحالية التي تدعي الحكومة الأمريكية أنها مصممة لأجلها”. اذا كان هذا ممكناً للامبراطورية الامريكية فلماذا لا يكون هذا الفشل لصنيعتها اسرائيل؟
*مستشار ومؤلف وباحث
التعليقات مغلقة.