قيادات ومؤسسات تبحث عن شرعيتها! / محمد العبد الله

 

محمد العبد الله ( فلسطين ) الإثنين 31/8/2015 م …

    تعيش الساحة السياسية الفلسطينية ارتدادات القرارات “السيادية” التي اتخذها رئيس سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، بدعوة المجلس الوطني الفلسطيني _ المعطل منذ أكثر من عقدين _ لعقد جلسة استثنائية طارئة ، كان قد مهد لها بدفع عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية البالغ عددهم 18 عضواً، لتقديم استقالاتهم _ النصف + واحد _ ليعلن هو عن تقديم استقالته في 22 آب / أغسطس، وهو ماتطلب دعوة المجلس للانعقاد من أجل الموافقة على الاستقالات وانتخاب _ تقرأ : تعيين _ لجنة تنفيذية جديدة، بالتوافقات/ المحاصصة، المعهودة داخل البيت الفلسطيني الذي تتحكم به قيادة فتح !.

أزمة متدحرجة

    لم يعد خافياً على المواطن العادي، الدرجة التي وصلت إليها الأزمة السياسية والتنظيمية والإدارية التي تعصف، ليس بالبنى والهياكل التي أدت لـ / وانبثقت عن، سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، بل ولما يخيم على سلطة حماس في غزة، بعد المعلومات المتوفرة عن نتائج اللقاءات المكوكية للوسيط / السمسارالبريطاني “طوني بلير” وعما شهدته الدوحة وأنقرة من حراك على هذا الصعيد، من نقل لأفكار وخطط بين حكومة العدو وقيادات سلطة حماس، حول تمديد التهدئة لـ 8 / 10 سنوات بهدف إنهاء الحصار والبدء بعملية إعادة الإعمار، وتنفيذ عدة خطوات، من بينها : اعتماد خط بحري بين غزة والجزء التركي من جزيرة قبرص، وبناء مطار، واجراءات عديدة أخرى يتم الاتفاق عليها برعاية الأطراف الوسيطة. اللافت للنظر، كان نفي أكثر من مسؤول حمساوي لها، والتظهير المخفف، الملتبس، لوجودها على لسان مسؤولين آخرين!.

 الأنا المطلقة

  انطلاقاً من التفرد الكامل والاستحواذ الشامل على القرار في المنظمة وفتح، باشر محمود عباس خطة عمله بعيداً عن أي دور للهيئات “الشكلية” من لجنة تنفيذية ولجنة مركزية لفتح، من خلال تكليف ثلاثة أعضاء من الدائرة المغلقة المحيطة به “عزام الأحمد وصائب عريقات وأحمد مجدلاني” للإعداد لدعوة المجلس الوطني الفلسطيني لدورة انعقاد طارئة استناداً على حكم استثنائي من أحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير لمعالجة الوضع القائم وهو الفقرة (ج) من المادة 14 من النظام الأساسي، مع الاستبعاد الكامل لبقية فقرات هذه المادة التي تعالج ملء الشواغر في عضوية اللجنة التنفيذية.

والفقرة (ج) هذه هي استثناء من القاعدة، كما يشرح الدكتور أنيس مصطفى القاسم ” من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس لجنة الميثاق والأنظمة ورئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقا” في مقالته الهامة “الشرعية الفلسطينية في خطر” (من المعروف لرجال القانون جميعا أن الإستثناء لا يُلجأُ إليه إلا إذا استحال تطبيق القاعدة العامة، والقاعدة العامة في ملء الشواغر وفقا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير قد وردت في الفقرتين (أ) و (ب) من المادة 14 ذاتها. والهدف من وراء الإعتماد حصرا على هذا الإستثناء ينكشف عند تحليل هذه الفقرة وبقية فقرات المادة 14.

لمتابعة البحث فإننا ننقل للقارئ الذي قد لا يكون لديه نسخة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير المادة 14 التي عالجت نصوصها حالة شغور عضوية اللجنة التنفيذية بين فترات انعقاد المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب تملأ الحالات الشاغرة كما يلي:

(أ) اذا كانت الحالات الشاغرة تقل عن الثلث يؤجل ملؤها الى أول انعقاد للمجلس الوطني.

(ب) اذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية، أو أكثر يتم ملؤها من قبل المجلس الوطني في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما”.

ثم جاءت الفقرة (ج) التي استند اليها في الدعوة كمصدر قانوني لتنفيذ جدول الأعمال والإلتزام به. تنص هذه الفقرة على ما يلي: “في حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها دعوة المجلس الوطني إلى اجتماع غير عادي يتم ملء الشواغر لأي من الحالتين السابقتين من قبل اللجنة التنفيذية ومكتب المجلس ومن يستطيع الحضور من أعضاء المجلس وذلك في مجلس مشترك يتم لهذا الغرض ويكون اختيار الأعضاء الجدد بأغلبية اصوات الحاضرين) انتهى الاقتباس.

فك وإعادة تركيب

لن يُجْهد أي متابع نفسه بالبحث عن تلك “القوة القاهرة” التي تجد مبرراتها في سعي “الرئيس” لترتيب أوضاع مؤسسات المنظمة، كعامل مساعد في التحضير لمؤتمر فتح الذي يعمل على انعقاده في أواخر شهر تشرين الثاني القادم، من خلال الدفع بالمؤيدين له، ليس لعضوية المؤتمر فقط، بل وللوصول لعضوية اللجنة المركزية للحركة، وإحلال / توريث، أعضاء جدد من أبناء “الآباء المؤسسين” ( ماهر غنيم، جهاد الوزير،صبري صيدم و ياسر عباس) في عضويتها. من الواضح أن عملية ” فك وإعادة التركيب” لم تعد ملكية خاصة لهذا الفصيل أو تلك الحركة، بمقدار ماتحولت إلى سياسة منهجية يتم العمل بها في داخل أكثر من مؤسسة وتنظيم، خاصة وأن شعور “الرئيس” أو “القائد الرمز” بأنه مستهدف من شخصيات بارزة ومؤثرة، ساهمت بشكل أو بآخر في مسار السلطة خلال عشرات السنين، وهنا تبرز” ترويكا : دحلان وفياض وعبدربه ” كإحدى مسببات القلق الدائم لقمة الهرم داخل المقاطعة. كما أن ماتم تسريبه من قيادات في حكومة العدو وقوى إقليمية ودولية،عن الحوارات غير المباشرة التي تجاوزت منذ مدة ليست قصيرة، “الدردشات” مع سلطة حماس، حول مسائل أساسية في صلب قضية الصراع العربي-الفلسطيني/الصهيوني، سارعت بخطوات الرئيس على طريق تحقيق حلم “وحدانيته” في الجلوس على طرف الطاولة التفاوضية في مقابل وفد حكومة العدو. ولم يعد سراً أن بعض أعضاء اللجنة التنفيذية قد أصبح عبئاً على “السيد الرئيس” من حيث، الأداء والسلوك، خاصة، وان هناك”هياكل صامتة” داخل مااصطلح على تسميته _ تضليلاً_ قيادة فلسطينية! يستدعيها “الرئيس”  من خلال معايير يحددها “هو” كلما دعت الحاجة لاستعراضات كرنفالية، أصبحت بحاجة للتجديد! .

  شهود الزور

 بخطوته تلك، تكون كل الرهانات على بعض القوى، المتأرجحة مابين الرفض الخجول والقبول/التبرير،المتلعثم والملتبس، قد سقطت، لأنها شاركت بالمسرحية/الملهاة، وارتضت لذاتها أن تلعب دور “كومبارس” أو “شاهد زور”، متناقضة بذلك مع تاريخها ودورها الكفاحي البارز. ولذلك يصبح رفض المشاركة بتلك الخطوة، ضرورة وطنية راهنة. إن قطع الطريق على أي مواقف يمكن أن تلجأ لها أدوات سلطة الحكم الإداري الذاتي في دغدغة المشاعر الوطنية لقطاعات واسعة من أبناء شعبنا وأمتنا تحت عناوين “الوحدة الوطنية والإصلاح والتطوير”، للتحريض على القوى الرافضة للمشاركة بتلك المهزلة، ومن ضمنها القوى المصرة على “الحفاظ” على منظمة التحرير ومؤسساتها _ حفاظ على الهياكل الشكلية التي تخلت عن الميثاق والثوابت الوطنية_ كان يتطلب من تلك القوى الإصرار على العودة لتحقيق اتفاق القاهرة 2005 وإحياء دور الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، للتحضير لدورة انعقاد لمجلس وطني، يفتح الملفات السياسية والتنظيمية والمالية، ويناقش ماقدمته اللجنة التنفيذية طوال السنوات المنصرمة للقضية والشعب. مجلس جديد منتخب، تُحَضِّر له القوى السياسية والهيئات المجتمعية/الأهلية، والشخصيات والكفاءات الوطنية وقادة الحراك الشبابي،من خلال حوارات واسعة في داخل تجمعات الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه. مجلس جديد، ينهي وجود هياكل شكلية، انتهت صلاحيتها وشرعيتها منذ سنوات، وبهذا تكون تلك القوى قد عرّت الدعوة لانعقاد مجلس بمن يحضر، وأين في رام الله المحتلة، ويكشف “المستور” عما تخبئه خطة عباس.

 إن الوصول بالنتائج التي رسمها طاقم سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، لدعوة المجلس الوطني للانعقاد الطارىء من وراء ظهر قوى سياسية فاعلة “حركتي حماس والجهاد وفصائل فلسطينية أخرى” وبدون الاستماع لرأي الحركات المجتمعية/الأهلية ” الشبابية” المشتبكة مع العدو على أرض الميدان في القدس والضفة المحتلة، ولتجمعات ولجان وشخصيات وطنية فاعلة ومؤثرة في مناطق اللجوء والاغتراب،سينفخ من جديد في نار الإنقسام، ويحقق إنقلاباً على “شرعية واهية”،ويعيد تجديد شباب “القيادة الهرمة” على مقاس ومواصفات “الرئيس”، وبذلك يتم الدفع بالقضية الوطنية التحررية لشعبنا لانكسارات جديدة.

 خاتمة

 إن شعبنا وهو يواجه في هذه الفترة العصيبة من تاريخ نضاله ووجوده، المؤامرة الصهيونية / الإمبريالية على قضية تحرره الوطني ، يتابع بكل ألم وقلق، ماتُقدم عليه سلطة رام الله المحتلة من ترتيبات كارثية تستكمل ماحصده شعبنا من زرع أوسلو المسموم، ويراقب بكل ترقب مايتسرب على لسان أكثر من مسؤول قيادي في حكومة حماس وحكومة أنقرة وبلير وقيادات صهيونية عما يُجَهَز للقطاع الصامد . وإذا كان كل ذلك يأتي في سياق سياسي واحد مهما اختلفت تسمياته، فإن الدهشة قد أصابت شعبنا وهو يشاهد تغيير اسم مدرسة في مدينة رفح كانت تحمل منذ عدة سنوات اسم القائد السياسي والأديب المبدع  الشهيد” غسان كنفاني”، لتصبح باسم جديد “مرمرة” !. ومع كل التقدير لشهداء وبطولات من استشهد وصمد على ظهر السفينة مرمرة، فإن حماقة سياسية وفكرية _ حتى لاأقول أكثر_ هي من أصدر قرار التغيير ونفذه.

 إن الخروج من النفق المظلم الذي تعمل أكثر من جهة فلسطينية وإقليمية ودولية على إبقاء شعبنا داخله، يتطلب تضافر وتكاتف كل السواعد والعقول التي مازالت تؤمن بضرورة استمرار المواجهة مع العدو وهو مايجسده أبناء الشعب على امتداد الوطن المحتل، مما دفع بحكومة العدو للاعتراف بمئات العمليات التي قام بها أبناء وبنات الشعب الفلسطيني خلال الأشهر الأخيرة .

هذا هو شعبنا… وتلك هي بعض “قياداته” !

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.