أسلحة الدمار الشامل / د. حسين عمر توقة
الأسلحة النووية … الأسلحة الكيماوية … الأسلحة البيولوجية
الجزء الأول
الأسلحة النووية
* إعرف عدوك … أرجو من القيادات السياسية والعسكرية والمخابراتية والإستخبارية قراءة هذا البحث .
أنا من الجيل القديم .. الجيل الذي قدم الشهيد تلو الشهيد دفاعا عن الأردن وعن فلسطين … أنا من الجيل القديم الذي يؤمن أنه رغم توقيع معاهدة السلام فإن الشعب كله يرفض التطبيع .
السلاح النووي في إسرائيل :
نظرا لأهمية هذا الموضوع فلقد قررنا في بحثنا هذا التطرق إلى أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط وسوف نركز على إسرائيل نظراً لأنها الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمكنت من الحصول على السلاح النووي.
في عام 1979 تم إيقاظ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وتم إبلاغه أن إسرائيل بالتعاون مع جنوب أفريقيا قد تمكنتا من إجراء تجربة نووية ناجحة في جنوب المحيط الأطلسي
بتاريخ 5/10/1986 نشرت صحيفة ” صنداي تايمز ” تصريحات مردخاي فعنونو العالم النووي الإسرائيلي من أصل مغربي حول أسرار الترسانة النووية الإسرائيلية
لقد استطاعت أجهزة الموساد من خلال إحدى العميلات أن تقوم بإلقاء القبض على مردخاي فعنونو ومن روما تم تخديره وشحنه بحريا الى تل أبيب
إسرائيل تمتلك مابين 150 الى 250 رأس نووي
إسرائيل لديها القدرة الصاروخية والجوية والبحرية لإيصال الرؤوس النووية الى الحدود الجنوبية للإتحاد السوفياتي ” سابقا ”
المقدمة:
في كتاب الدكتور عبد العزيز شرف ” الحرب الكيماوية والبيولوجية والذرية ” هنالك وصف دقيق للتدمير الذي أحدثته القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وقد جاء فيه ” لقد ألقيت على هيروشيما قنبلة ذرية بقوة 20 كيلو طن وانفجرت على بعد 570 مترا عن سطح الأرض وولدت كرة من النار قطرها 60 متراً وبلغت درجة حرارة تلك الكرة 300 ألف درجة مئوية عند لحظة الإنفجار . ثم ظهرت في الفضاء الغمامة الذرية التي ارتفعت الى 3000 متر في 48 ثانية والى مسافة 9000 متر في أقل من دقيقة . وبعد 15 دقيقة من الانفجار بدأ الغبار الذري بالسقوط على مدينة هيروشيما. ونتيجة للتفريغ وللحرارة حدث ضغط هدم جميع البيوت في دائرة نصف قطرها 2,5 كيلومتر من مركز الانفجار وبعد عشرين دقيقة من الإنفجار شبت النار في جميع أنحاء المدينة وقتل أكثر من 290 ألف نسمة وحرق أكثر من 100 ألف نسمة ومسحت القنبلة عشرة أميال مربعة من المدينة”
وهناك نوع آخر من القنابل تعرف باسم القنبلة الهيدروجينية وهي ذات قوة تدميرية هائلة ما بين واحد ميغا طن من مادة ت.ن.ت إلى أكثر من خمسين ميغا طن . وقد صنع الإتحاد السوفياتي ” سابقا ” قنابل بقوة 57 ميغا طن . ولو أخذنا بالإعتبار بأنه إذا تم تفجير قنبلة هيدروجينية ذات قوة ميغا طن واحد على بعد عشرة آلاف قدم عن سطح الأرض . فإنها ستدمر جميع المنشآت تدميراً كاملا بحدود أربعين ميل مربع وستحرق كل شيْ على مدى 130 ميل مربع هذا عدا عن التأثيرات الإشعاعية ذات المدى الأوسع انتشاراً. والتي سيستمر تأثيرها على البيئة لأكثر من خمسين عام
بعد هذه المقدمة البسيطة للتدليل على القدرة التدميرية للسلاح النووي والتي تمت تجربتها في حرب فعلية إبان الحرب العالمية الثانية من قبل القوات الأمريكية مرتين فلقد ألقيت القنبلة الأولى على مدينة “هيروشيما” بتاريخ 6/8/1945 وألقيت القنبلة الثانية بتاريخ 9/8/1945 على مدينة “ناجازاكي” وبعدها بأيام قلائل وبتاريخ 15/8/1945 استسلمت اليابان لقوات الحلفاء.
ترتيب إسرائيل في النادي النووي:
هناك ثلاث مراتب للكتل السياسية العالمية المؤثرة وفق امتلاك السلاح النووي في منتف القرن الماضي وبالتحديد منذ استخدام هذا السلاح للمرة الأولى وحتى نهاية القرن العشرين. وهذه الكتل هي:
1: القوى العظمى التي تضم الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي ” سابقاً”
2: أعضاء النادي النووي الدولي من الدرجة الثانية وهم حسب أهميتهم الدولية فرنسا. بريطانيا . الصين الشعبية . إسرائيل . اليابان . الهند . البرازيل . الأرجنتين . جنوب إفريقيا . اسبانيا . الباكستان
3: دول من فئة المطرودين من النادي النووي وهي بدورها تنقسم الى قسمين الدول الغنية التي يمكنها في النهاية امتلاك القدرة النووية إذا هي سعت اليه وعلى رأس هذه الدول إيران وهناك دول من الفئة الفقيرة كانت قريبة جدا من امتلاك القدرة النووية وعلى رأسها كوريا الشمالية وكانت الجزائر من أقرب الدول لإمتلاك هذه القدرة في نهاية القرن الماضي
ويجب أن نميز هنا بين القدرة النووية وتتمثل في تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وبين استخدام هذه التكنولوجيا في الأغراض السلمية وبين استخداماتها في النواحي العسكرية حسب مقدرتها في إنتاج الرؤوس النووية من أجل الإستخدامات العسكرية.
كما يجدر بنا الإشارة هنا أن إسرائيل قد قفزت قفزات سريعة خلال ثلاثة عقود من الزمن وأصبحت من الدول العظمى حسب الرؤوس النووية التي تمتلكها بإعتبار أن عدد الرؤوس النووية هو أحد المعايير في تصنيف الدول. حيث تم تقدير عدد الرؤوس النووية بين 150 الى 250 رأس نووي
هناك أسباب رئيسة لتكالب الدول من أجل الحصول على السلاح النووي الأول قدرة هذا السلاح الكبيرة في التدمير والسبب الثاني هو سرعة حركته الفائقة والتي تطورت منذ عام 1960 حيث تم التطور من حمل القنبلة النووية بواسطة الطائرات القاذفة الى الصواريخ المتعددة المراحل والمزودة بأحدث أجهزة التوجيه والسبب الثالث سهولة إطلاق هذه الصواريخ من البحر والأرض وهذا يقودنا الى الإعتراف بأن السلاح النووي قد تغلب على المعايير الجيو استراتيجية الستة المعروفة وهي الأرض. الموقع . المتطلبات اللوجستية . المناخ . الديمغرافيا. والبنية الصناعية لقطاع التسليح.
إن امتلاك هذا السلاح قد أثر على ترتيب مواقع القوى الدولية بالإضافة الى أن هذا السلاح يمتلك قوة الردع . فهو سلاح التهديد عندما تعجز أسلحة الحرب التقليدية عن تحقيق أهدافها. وإن الحقيقة المعروفة دولياً هي أن عصر الذرة قد جاء بنظريات استراتيجية عديدة وركز على كيفية استخدام القدرة النووية كورقة ضغط سياسية في تحقيق مصالحها . فالدول الكبرى تلوح بالعصا النووية إلا أنها تخاف من استخدامها.
وحتى هذا التاريخ فقد دارت المعارك والحروب على امتداد الصراع العربي الإسرائيلي ضمن حدود الأسلحة التقليدية ووفق الجيواستراتيجية. ولقد تم التلميح الى إمكانية اللجؤ الى السلاح النووي لا سيما في حرب 1973 وإننا هنا وفي بحثنا هنا لا نهدف الى التأكيد أو النفي على توفر السلاح النووي في إسرائيل بقدر ما نهدف الى طرح هذا الأمر بموضوعية ومنهجية أكاديمية نتوصل من خلالها الى قناعة معينة إما سلبا أو إيجاباُ.
هناك بعض الشروط الأساسية من أجل الحصول على الأسلحة النووية منها توفر المال اللازم لأن هذه التكنولوجيا باهظة التكاليف وضرورة توفر الكادر العلمي والفني من العلماء المختصين على أعلى المستويات من أجل إنجاز مراحل تصنيع هذا السلاح لا سيما تصميم السلاح وتجميعه وتوفير المفاعلات النووية وتوفير الوقود اللازم لإنتاج ” القلب القابل للإنشطار” وهي مادة اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 بالإضافة الى توفر أجهزة القذف مثل الصواريخ والطائرات والغواصات والمدمرات وحاملات الطائرات والأقمار المتعددة الأغراض.
وإننا سوف نحاول في بحثنا هذا الإجابة حول توفر هذه الشروط في إسرائيل أوعدم توفرها.
بتاريخ 14/2/1985 أكد مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية أن اتصالات فرنسية إسرائيلية جرت على أعلى المستويات من أجل تزويد إسرائيل بمفاعلين نوويين
وبتاريخ 11/2/1984 صرح ” يوفال نيئمان ” وزير البحث العلمي الإسرائيلي السابق بأن إسرائيل لديها طاقة نووية منذ عشرين عاما
وجاء في مجلة القوات المسلحة الدولية الصادرة في واشنطن في أيلول 1981 بأن تحقيقات كل من وكالة المخابرات المركزية ووكالة التحقيق الفيدرالي مع ” زلمان شابيرو ” حول تحويل 206 باوند من اليورانيوم المشبع الى إسرائيل . إن هذه الكمية كافية لصنع عشر قنابل ذرية مشابهة لقنبلة هيروشيما.
ولقد علقت صحيفة ” نيويرك تايمز ” في إفتتاحية لها على تهريب أجهزة التفجير النووي ” كرايتون ” الى إسرائيل من الولايات المتحدة فصرحت ” إن إسرائيل حاولت التنصل من الأدلة التي تثبت أنها حصلت بطريقة غير مشروعة على “800 ” جهاز تفجير نووي من الولايات المتحدة وقد أدانت محكمة فيدرالية في كاليفورنيا ” ريتشارد كيلي سميث ” بتهمة تصدير الأجهزة بصورة غير مشروعة الى إسرائيل بين عامي 1980/1982
ولقد تمكنت شبكة اسرائيلية من شراء 47 طن من مادة اليورانيوم من كل من بريطانيا وفرنسا. وذلك عن طريق شركة اسرائيلية خاصة مقرها ” لوكسمبرغ ” وتدعى الشركة الدولية لتصدير المعادن وتم نقل وشحن اليورانيوم الى اسرائيل عام 1984.
وبتاريخ 12/7/1985 اعترف ” روبرت سمولي ” المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة قامت بتصدير مادة اليورانيوم المستهلك الى اسرائيل بصورة مصنعة من أجل استخدامها في الأسلحة التقليدية وفي الطائرات.
كيف بدأت اسرائيل نشاطها النووي؟؟ وأين تقف الآن ؟؟
لقد كان الدكتور ” حاييم وايزمان ” أول رئيس لدولة إسرائيل على اتصال دائم بعلماء النوويات البارزين. وكان هو نفسه من أبرز العلماء في حقل الكيمياء العضوية. ولقد عمل من أجل التوفيق بين كل الإنجازات العلمية والأهداف الصهيونية. وفي خطاب ألقاه في حفل افتتاح معهد الفيزياء والكيمياء الطبيعية الجديد التابع لمعهد وايزمان قال فيه ” العلم هو سلاح اسرائيل الجبار الذي يجب أن يستغل ببراعة ومهارة وبكل وسيلة متوفرة لدينا . العلم هو سلاحنا وشريان قوتنا ومصدر دفاعنا “.
وبالقدر الذي ناله التخطيط من الأهمية والدعم فإن التنفيذ قد صاحب التخطيط وتم تحقيق النتائج على أرض الواقع عن طريق البحث والتطوير . وقبل انقضاء العام الأول على تأسيس دولة إسرائيل تم وضع الخطط الأولية لبرنامج إسرائيل النووي. وتمت عملية أختيار مجموعة من الشباب وتم إرسالهم الى الخارج بمختلف فروع النوويات العالمية وقد عادوا الى إسرائيل عام 1953/1954 بعد أن درسوا في هولندا وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة وبعد عودتهم تم تأسيس دائرة الفيزياء النووية في معهد ” وايزمان ” في رحوبوت.
وفي أوائل عام 1949 تم تأسيس دائرة البحث في النظائر حيث قامت هذه الدائرة ببحث مركز في حقل استغلال خام اليورانيوم المنخفض الدرجة وتخصيص الماء الثقيل بالتقطير التفاصلي حيث تمكن البروفسور ” إسرائيل دستروفسكي ” من تطوير عملية لإنتاج الماء الثقيل دون الإعتماد على القوة الكهربائية . بالإضافة الى إجراء التجارب المكثفة لإستخلاص اليورانيوم من خامات الفوسفات في صحراء النقب .
وبتاريخ 13/6/1952 تم تأليف لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية ضمن إطار وزارة الدفاع وتم تعيين الدكتور ” آرنست ديفي بيرغمان ” رئيسا لهذه اللجنة ورئيسا لفرع البحث والتخطيط .
وقد ركزت هذه اللجنة منذ اللحظات الأولى لتشكيلها على اكتشاف إمكانات الحصول على المعادن ذات الفاعلية الإشعاعية لصناعة إنتاج اليورانيوم والتوصل الى عملية لإنتاج الماء الثقيل على الأسس التي وضعها الدكتور دستروفسكي في معهد وايزمان.
وبتاريخ 19/11/1954 أعلن آرنست بيرغمان عن وجود وحدة علمية تابعة لفرع البحث والتخطيط في وزارة الدفاع الإسرائيلية تقوم بإجراء دراسة مفصلة للمصادر المعدنية في صحراء النقب . وقد تم اكتشاف رواسب كبيرة من الفوسفات تحتوي على اليورانيوم بنسبة %0.01
وفي تشرين الثاني عام 1954 قام ممثل فرنسا في الأمم المتحدة ووزير دفاعها السابق السيد ” جول موك “بالكشف عن اتفاق تعاون فرنسي / إسرائيلي في حقل الذرة تم التوقيع عليه في النصف الأول من عام 1953 . اشترت بموجبه فرنسا حق الإمتياز ” براءة ” للطريقة التي اخترعها دوستروفسكي لإنتاج الماء الثقيل.
وبتاريخ 16/11/ 1954 أعلن رئيس وزراء إسرائيل ” موشيه شاريت ” أمام الكنيست أن فرنسا واسرائيل قد عقدتا اتفاقا للتعاون في البحث الذري. وبعد ذلك بأيام أعلن آرنست بيرغمان أن الباحثين الإسرائيليين الشباب عملوا في المختبرات الفرنسية وأن الباحثين الفرنسيين عملوا وما زالوا يعملون في المنشآت الإسرائيلية.
وبتاريخ 17/11/1954 أعلنت صحيفة اللوموند الفرنسية بأن كميات كبيرة من الماء الثقيل الذي أنتجه معهد ” وايزمان ” قد شحنت الى فرنسا . وبالمقابل فإن إسرائيل قد حصلت على ثروة علمية هائلة من المواد والمعلومات التقنية . بالإضافة الى تدريب العلماء والفنيين الإسرائيليين في فرنسا بالإضافة الى الإستفادة من تجارب العلماء الفرنسيين.
1: المفاعل النووي الأول في إسرائيل :
بتاريخ 12 تموز 1955 تم عقد اتفاقية بين الولايات المتحدة واسرائيل تنص على تبادل واسع للمعلومات المتعلقة بمفاعلات البحث الذري واستعمالها. وعلى تزويد اسرائيل بستة كيلوغرامات من اليورانيوم 235 المخصب بنسبة 20% وأعطيت اسرائيل حق شراء مفاعل صغير للبحث الذري من صنع الولايات المتحدة مع مساهمة أمريكية بمقدار 350 ألف دولار . ولقد ورد بتاريخ 1/9/1955 في جريدة نيويورك تايمز بأن الحكومة الأمريكية قد قدمت الى اسرائيل هدية هي عبارة عن مكتبة فنية تحتوي على نحو 6500 تقرير عن البحث والتطوير النوويين من تقارير لجنة الطاقة الذرية الأمريكية. ونحو 45 مجلد عن النظرية النووية وخلاصات لتقارير ودراسات وبحوث. كما تم تدريب 56 عالم أسرائيلي في المرافق الأمريكية النووية لا سيما في معهد ” أوك روج ” للدراسات النووية. وفي المعهد الدولي للعلم النووي والهندسة النووية في مختبر ” اورغون” بالإضافة الى قيام 24 عالم اسرائيلي بزيارة منشآت مختلفة تابعة للجنة الطاقة الذرية الأمريكية.وبتاريخ 19 آذار 1958 تم توقيع عقد مع قسم الذريات التابع لشركة ” ماشين آند فاوندري” في نيويورك لشراء مفاعل بحث نووي ذي حوض قوته ميغا واط واحد. ولقد وضع المهندسون الإسرائيليون الخطط لهذا المفاعل بالتعاون مع العلماء الأمريكيين وتم إنشاؤه في ” ناحال سوريك” الى الجنوب من تل أبيب قرب مركز ” وايزمان ” للبحث النووي في “رحوبوت”. وبدأ المفاعل عمله بتاريخ 16/6/1960.
وبتاريخ 2 نيسان 1965 وتحت ضغط من الولايات المتحدة وقعت اسرائيل اتفاقية معدلة تسمح بموجبها لوكالة الطاقة النووية الدولية القيام بعملية التفتيش والمراقبة مقابل قيام الولايات المتحدة بتقديم 40 كيلوعرام من اليورانيوم المخصب بدلا من 10 كيلوغرامات وبزيادة نسبة التخصيب الى أكثر من 90%
2: مفاعل ديمونا :
لقد تم التوصل الى اتفاق بناء مفاعل ديمونا عام 1957 وقد أحيطت بنود هذا الإتفاق بالسرية التامة حتى اليوم. إلا أنه ومنذ اللحظات الأولى فقد تم اتخاذ القرار بأن يتم بناء هذا المفاعل النووي على يد وزارة الدفاع . وليكن معلوما بأن شمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل الحالي كان منذ البداية أحد بناة العلاقة الفرنسية الإسرائيلية . وفي كانون الأول عام 1960 قامت الإستخبارات الأمريكية بإعلام الحكومة الأمريكية بأن مصنع النسيج الذي تم إنشاؤه في ” ديمونا ” لم يكن في الواقع إلا مرفقا نوويا محروساً حراسة مشددة.
وبتاريخ 21/12/1960 اعترف “بن غوريون” أمام الكنيست الإسرائيلي بأن مفاعلا ذريا طاقته 24000 كيلو واط ” حراري يجري إنشاؤه في النقب بمساعدة فرنسية . وأنه سيخصص للإستعمالات السلمية وأضاف أن هذا المفاعل الذي حددت السنة 1964 موعداً لإكماله سيدار باليورانيوم الطبيعي وسيتم تعديله وتبريده بالماء الثقيل.
وبالفعل فلقد بدأ تنشيط مفاعل ديمونا في أواخر 1964 وحسب رأي ” ليونارد بيشون” في كتابه ” أيجب أن تنتشر القنبلة ” بأن هذا المفاعل لا يخضع لأي رقابة فرنسية.
ولكن وبناء على إصرار إدارة الرئيس الأمريكي الراحل ” جون كنيدي ” فلقد تم إعداد برنامج زيارة مرة في كل عام من قبل علماء أمريكيين في الحقل النووي . ولقد قدم الفريق الأمريكي عام 1969 شكوى خطية قال فيها إنه” لا يضمن ألا يكون في ديمونا عمل متعلق بالأسلحة النووية نظراً الى القيود التي فرضها الإسرائيليون على إجراءات التفتيش ” ولقد جاء تعليق شمعون بيريز في ذلك الوقت ” بأن التفتيش الأمريكي لا يعتبر تدخلا بغيضاً في شؤون إسرائيل الداخلية في مجال أمن إسرائيل الحيوي فحسب. بل هو تهديد مباشر لسياسة ” جعل العرب في ريبة ” واستراتيجية الردع التي تفرض السرية التامة على جميع نشاطات اسرائيل النووية”.
بالرغم من قيام اسرائيل بعملية استخدام خام اليورانيوم المنخفض الدرجة وعملية تخصيب الماء الثقيل بالتقطير التفاصلي . والى استخلاص اليورانيوم من خامات الفوسفات في النقب. وقيام كل من الولايات المتحدة وفرنسا بتزويد اسرائيل باليورانيوم المخصب . إلا أن اسرائيل قد وجهت كل اهتماماتها الى جنوب افريقيا من أجل الحصول على اليورانيوم واعتمادا على تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن مخزون جنوب أفريقيا من اليورانيوم يقدر بنحو 300 ألف طن وهو أكبر مخزون عالمي . وكما ورد في كتاب الدكتور سلمان رشيد سلمان ” السلاح النووي والصراع العربي الإسرائيلي ” فإن جنوب افريقيا كانت تسوق اليورانيوم على شكل مادة أولية وهي التي تسمى “بالكيك الأصفر ” ولقد أعلن هذا النظام بأنه سيعمل على بناء وحدات لتخصيب اليورانيوم وبيعه في الأسواق بالتعاون مع مؤسسة الطاقة النووية في ألمانيا الإتحادية في ذلك الوقت. وتجدر الإشارة هنا أن هناك تعاونا وثيقا بين ألمانيا الإتحادية واسرائيل في المجال النووي فقد تسلمت اسرائيل بموجب اتفاق بينها وبين الحكومة الألمانية مبلغ 520 مليون مارك للأبحاث والدراسات في مجال تطوير الأسلحة النووية.
إن ما يهمنا هنا أنه ونتيجة للتعاون الوثيق بين جنوب أفريقيا واسرائيل فقد تم إيقاظ الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر ” من نومه وتم إبلاغه بأن اسرائيل وجنوب افريقيا قد تمكنتا من إجراء اختبار نووي في جنوب المحيط الأطلسي في شهر أيلول عام 1979 بكل نجاح.
ويجب أن نوضح هنا أن اسرائيل لم تكتف بعلاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا وجنوب افريقيا والمانيا . وانما اتجهت إلى إقامة علاقات مماثلة مع مع أمريكا الجنوبية حيث قام المدير العام للطاقة النووية الإسرائيلية دستروفسكي بتاريخ 10/12/1967 بزيارة رسمية للأرجنتين من أجل بحث التعاون الإسرائيلي الأرجنتيني في المجال النووي كما قام بزيارة البرازيل لنفس الغاية وصدر بيان عن وزارة الخارجية البرازيلية حول التووصل الى اتفاقية من أجل تبادل الخبرات والعلماء في المجال النووي بوجود اليورانيوم بكثرة في البرازيل.
إن إسرائيل لم تعمد في حصولها على اليورانيوم على الطرق المتعارف عليها دوليا ومن خلال علاقاتها المباشرة مع الدول الآنفة الذكر . وإنما عمدت الى تحدي المجتمع الدولي فقامت بعمليات قرصنة من خطف وسرقة اليورانيوم المخصب . وحسب تقرير السيد “جورج كرستر” (الأسلحة النووية واسرائيل) . فقد سرقت اسرائيل شحنات كبيرة من اليورانيوم من أبولو في ولاية بنسلفانيا . بالإضافة الى خطف طائرة محملة بشحنات اليورانيوم عام 1968 وخطف بعض الشحنات من فرنسا ومن إحدى الطائرات الأرجنتينية .
أما بالنسبة الى شرط إجراء الإختبارات النووية فلقد سمح الجنرال ديغول للعملاء الإسرائيليين بالإطلاع على معلومات متصلة بنتائج تجارب التفجيرات النووية في شمال افريقيا بين عامي 1960/1964.
وفي عام 1963 صرح ديفيد بن غوريون في مقابلة مع صحيفة ” نيويورك تايمز ” أن من الممكن أن تقوم إسرائيل بإجراء تجارب في مضمار التطبيقات العسكرية للطاقة النووية.
وفي تقرير أعدته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1968 بأن طائرات نفاثة من نوع ” سكاي هوك ” من سلاح الجو الإسرائيلي . كانت تقوم بمناورة قذف قنابل لا تستخدم عادة إلا لإسقاط أسلحة نووية . ووفقا للتقرير السري الذي أعده ” كارل دكيت ” نائب مدير المخابرات المركزية الأمريكية لشؤون العلم والتكنولوجيا فقد قام مدير الوكالة في ذلك الوقت ” ريتشارد هيلمز ” بإبلاغ الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عام 1968 بأن إسرائيل تملك القنبلة النووية.
وبتاريخ 19 آذار 1976 تحدث ” كارل دكيت ” عن تقدير الوكالة بأن لدى إسرائيل ما يتراوح بين عشرة وعشرين رأسا نوويا جاهزاً ومتوفراً في متناول اليد للإستعمال.
أجهزة القذف:
أما فيما يتعلق بأجهزة القذف فإن سلاح الجو الإسرائيلي يعتبر من أقوى الأسلحة في المنطقة وتتمتع طائراته لا سيما إف 15 وإف 16 بخاصيات ومميزات تجعلها في مصاف أحدث الطائرات وأفضلها . كما أنها تمكنت من شراء طائرات إف 22 رابتور وأتبعتها في عام 2018 بتوقيع عقد مع الولايات المتحدة لشراء 50 طائرة شبح من طراز إف 35 من الجيل الخامس تباع على مدى خمس سنوات حيث حصلت عام 2918 على ثلاث طائرات وقد حصلت حتى الآن على تسع طائرات وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك هذه الطائرة وهي أحدث طائرة في سلاح الجو الأمريكي . ولكننا في هذا المجال سوف نقصر اهتمامنا في هذه الدراسة على الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية.
في أوائل الستينات تمكنت اسرائيل من إنتاج صاروخها الأول ” جابرييل ” سطح –سطح ودخل الخدمة عام 1969 وتم استخدامه في حرب 1973 وقد تم حتى الآن إنتاج ثلاثة أجيال من صاروخ ” جابرييل ” كان آخرها ” جابرييل ماك 3 ” وهو مجهز بأجهزة خاصة مقاومة لعمليات ضد الإلكترونيات . بالإضافة الى أجهزة توجيه وتثبيت رأس راداري للبحث والتصويب الذاتي. أما عملية إطلاق هذا الصاروخ فتتم عن طريق استعمال صاروخي يعمل على الوقود الصلب. رغم أن إمكانياته في استعمال أجهزة دفع مختلفة . ومن جهة أخرى فإن صاروخ ” جابرييل ماك 3″ من نوع جو/ أرض كان موجوداً لدى شركة إسرائيل لصناعة الطائرات وتم تجريبه وتركيبه في أواخر السبعينات على طائرات كفير وطائرات فانتوم 4 وسكاي هوك آي-4.
وهناك أنواع متعددة من الصواريخ من بينها صاروخ شافرير إلا أن نوع الصاروخ الذي يهمنا في هذا المجال هو صاروخ ” أريحا مد-620 ” ذو المرحلتين أرض/أرض وتفيد التقارير المختلفة في المراكز الإستراتيجية بأنه اعتبارا من عام 1971 فقد قامت اسرائيل بتصنيع وانتاج 3-6 صوارخ شهريا. ومع أن الولايات المتحدة قد زودت إسرائيل بأنواع مختلفة من الصواريخ وعلى رأسها صواريخ “لانس” المهيأة لحمل الرؤوس النووية . إلا أن إسرائيل استمرت في عملية تطوير صاروخ ” اريحا” وفي منتصف عام 1987 تمت تجربة صاروخ “أريحا 3″ في البحر الأبيض المتوسط على مسافة 850 كلم بكل نجاح ويبلغ المدى الأقصى لصاروخ أريحا 3 الذي أعدته إسرائيل لحمل الرؤوس النووية قبل خمسة وعشرين عاما 1250 كلم . ولكن صاروخ أريحا اليوم يتميز بمدى يتراوح ما بين 4800 كيلو متر إلى 6500 كيلو متر . كما تمكنت إسرائيل من تصنيع صواريخ ( بوباي ) تيربو وهي صواريخ جو/أرض تتميز بالدقة التناهية وتم تطويرها في الآونة الأخيرة ليتم إطلاقها من الغواصات .
كما أن إسرائيل ركزت إهتمامها على تصنيع الصواريخ المضادة والمعترضة للصواريخ والتي تميزت إسرائيل ببلوغ أعلى نسبة من الدقة وهي صواريخ السهم ( أرو ) رغم توفر أعداد كبيرة من الصواريخ الأمريكية من طراز هوك وشاباريل وسبايدر في ترسانتها العسكرية وسلسلة من بطاريات صواريخ الباتريوت الأمريكية .
الخلاصة:
من كل ما تقدم لا بد وأنه قد تولدت لدينا القناعة الأدبية بطريقة أو بأخرى أن إسرائيل تملك فعلاً السلاح النووي وقبل أن أختتم هذا الموضوع أضع بين يديكم تقرير كل من ” ثيودور تايلور ” أحد تلامذة ” روبرت أوبنهاير ” أب القنبلة النووية وأحد الخبراء الذين عملوا في صنع أول قنبلة نووية أمريكية. قبل أن يصبح رئيس برنامج الأسلحة النووية في وزارة الدفاع الأمريكية. بالإضافة الى رأي ” فرانك برنابي ” أحد الفيزيائيين النوويين الذين عملوا في مركز الأسلحة النووية البريطاني في بيركشاير قبل أن يتقاعد . وشغل منصب مدير المعهد السويدي لأبحاث للسلام. حيث تجمع آراؤهم عام 1986 على أن إسرائيل قد طورت تقنيات عالية التطور سمحت لها ببناء ترسانة نووية . وأنها أصبحت في تقديرهم سادس قوة نووية عظمى في العالم بعد الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي ” سابقاً” وبريطانيا وفرنسا والصين . ووفقا لثيودور تايلور فإنه لم يعد هناك أدنى شك في أن إسرائيل قد أصبحت دولة نووية وأن برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي هو أعظم تقدما بكثير من الوثائق والصور التي حملها فعنونو وإن المعلومات التي قدمها التقني الإسرائيلي فعنونو تشير إلى أن إسرائيل تستطيع أن تنتج عشر قنابل سنويا من حجم أصغر ولكن أكثر فاعلية وأشد تدميراً من القنابل التي أنتجها الأمريكيون والسوفيات والبريطانيون والفرنسيون والصينيون.
كما يؤكد ” فرانك برنابي ” أن المعلومات التي قدمها مردخاي فعنونو والذي استجوبه العالم البريطاني طيلة يومين . هي معلومات صحيحة علمياً وأنه يعرف تفاصيل التقنيات المستخدمة في ديمونا . وهناك علماء بريطانيون آخرون يعملون في الصناعة النووية العسكرية البريطانية أكدوا ذات الإستنتاجات لكنهم رفضوا أن تنشر أسماؤهم بسبب حساسية مراكزهم وأعمالهم.
التعليقات مغلقة.