مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي / د. عادل عامر
د. عادل عامر( مصر ) السبت 22/6/2019 م …
فالفساد في المشاريع الحكومية الكبرى يعد عقبة كأداء في طريق التنمية المستدامة، حيث يسبب خسائر فادحة في المال العام ويسهم في تدنى كفاءة الاستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها او تزيد من تكلفتها، بالإضافة الى انتشار الوساطات والغش مما يؤدى إلى تدنى المشروعات العامة.
ولا شك ان الارتفاع في التكاليف لا يقلل فقط من حجم الاستثمارات الجديدة والقائمة وفعاليتها بل يؤثر أيضا على الاستثمارات الأجنبية مما ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي بالبلاد. ولهذا يجب الا ننسى ان ثمة علاقة قوية وواضحة بين الفساد والفقر فوفقا لنتائج مؤشر مدركات الفساد لوحظ ان ثلاثة أرباع الدول التي حصلت على اقل من خمس نقاط تقع ضمن الدول الفقيرة منخفضة الدخل.
1-الرشوة.
فما يحوزه رجال الجمارك من جيوب المواطنين هو أكثر بكثير مما يدخل في خزينة الدولة. وما يتقاضاه رجال الشرطة على نواصي الطرق من أيدي سائقي السيارات هو أكثر بكثير مما يدخل خزينة الدولة من رسوم وغرامات المخالفات المرورية.
بل إن دولة مثل نيجيريا أكثر بيوتها لا يوجد فيه عداد كهرباء حيث يقع تقدير استهلاك الكهرباء بالعين المجردة من قبل جابي رسوم استهلاك الكهرباء، وفي الكثير والغالب ما تكون قيمة الفاتورة متناسبة عكسياً مع قيمة الرشوة. فإن زادت الرشوة قلت قيمة الفاتورة، وإن قلت الرشوة زادت الفاتورة.
ومثال آخر أن معظم هذه الدول يوجد فيها نظام الطرق مدفوعة الأجر ـ أي عند المرور من مدينة لأخرى لابد من دفع رسوم الطريق ـ وفي الكثير والغالب لا يقدم للشخص الصك الذي يفيد أنه دفع هذه الرسوم. وهذا يعني ببساطة أن ما تم تحصيله سيتقاسمه رجال (الجندرم) الحرس الوطني.
في مجال الاستيراد يحتكر عدد قليل من التجار استيراد أهم السلع التموينية كالأرز والسكر والزيت وغيرها من السلع الأساسية ويبدأون في توزيعها على صغار التجار، وهم وحدهم الذي يقرر قيمة مثل هذه السلع والتي يتحكم بها قانون العرض والطلب فيقع المستهلك ضحية جشع التجار وغياب رقابة الدولة.
وكذلك الحال في مجال الخدمات التي تقدمها الدولة، كإصدار التراخيص المختلفة والبطاقات، والجوازات، فإن الرشوة ضرورية، وإلا سيكون مصير المعاملة التسويف والعرقلة المؤدية إلى اليأس، والاضطـرار إلى اللجـوء إلى الرشـوة من جديد لسرعة انجاز المطلوب. بل إن الأمر وصل إلى حد المساعدات التي تقدمها الدول الأجنبية، حتى أن كثيراً من هذه الدول تشترط لتقديم المساعدات إلى بعض الدول في هذه المجموعة بضرورة إشراف الدولة المقدمة للمساعدة على أوجه صرف وإنفاق هذه المساعدات.
2-اتساع التعامل بالربا.
تكاد أن تكون معظم المعاملات المالية والمصرفية في دول غرب افريقيا قائمة على أساس الفوائد الربوية، فمعظم البنوك العاملة هي بنوك دولية أو إقليمية وقلما تجد بنك وطني فعلى سبيل المثال جمهورية النيجر فيها ثمانية بنوك عاملة وهي بنك (SONIBANKسوني) وهو بنك تونسي، وبنك التجارة الخارجية (وهو بنك ليبي) (BCN) والبنك الاسلامي للتجارة (وهو ماليزي) (BINCI) وبنك (BANK OF AFRICAأف أفريكا) وهوبنك أمريكي، وبنك (ب، إي، آ) (BIA) وهو بنك فرنسي، و(إي، كو، بنك) (ECOBANK) وهو بنك اقليمي. ولا يوجد أي بنك وطني. وتقصر المناشط المصرفية الوطنية على البنوك الشعبية وهي عبارة عن صناديق للتوفير، تقرض أصحاب المشاريـــــع الصغيرة (ما دون 2000 $)، بنسبة ربوية تصل إلى 18 %.
3-الغش.
ويتخذ الغش عدة مظاهر أهمها:
أولاً ـ الغش في البضائع. بتغيير تواريخ الاستهلاك.
ويقع الغش في هذا المجال من خلال تبديل تواريخ الصلاحية، حتى أن أحد المتابعين لمثل هذه القضايا اعتبر أفريقيا عموما أهم مكان للتخلص من السلع التي على وشك انتهاء صلاحيتها وخاصة الأطعمة المحفوظة. وأهم أماكن تصديرها هي بريطانيا واستراليا وفرنسا وأسبانيا. وأهم الدول التي ترسل إليها هذه الأطعمة هي النيجر وتشاد ومالي والسنغال ونيجيريا وبوركينا فاسو.
ثانياً: الغش في الصناعة وذلك بتقليد المصنوعات الأصلية، وتغيير أماكن المنشأ.
وتعتبر جمهورية نيجيريا الفيدرالية الزائدة في هذا المجال، حتى أن صناعاتها المقلدة والمحاكية لماركات عالمية مشهورة في الأدوات الكهربائية وقطع غيار السيارات، والعطور والأقراص المرنة تجاوزت حدود القارة الافريقية. وقلما تجد في أسواق غرب إفريقيا مصداقية لما تحمله الأغلفة من ماركات وعناوين منشأ.
4-الاحتكار.
وهي ظاهرة مرتبطة بنشاط السوق ومدى الحرية الاقتصادية المتوفرة وغياب الرقابة الفعالة، وتكاد تنحصر مظاهر الاحتكار في دول غرب افريقيا على المواد الغذائية بشكل خاص كالأرز والدخن والذرة والفول السوداني واللوبياء وهي المحاصيل التي تستخدم كقوت للسكان في تلك المنطقة. ويعود السبب في ذلك لغياب الجهات الرسمية ممثلة في الدولة لشراء محاصيل المواطنين والمزارعين وقت حصادها لعدم توفرهم على أماكن وإمكانيات لتخزينها فتتدهور أسعار الغلات إلى أبخس الأثمان فمثلا (كيس الدخن وهو القوت الرئيس للسكان يصل سعره إلى أربع دولارات وقت الحصاد، ويرتفع بعد ذلك ليصل إلى خمس وعشرين دولار وقت شحة في السوق) وأدى هذا إلى ظهور مجموعة من التجار الذين لديهم إمكانيات جيدة لشراء وتخزين هذه المحاصيل، ثم يتحكمون في ضخ كميات محددة إلى السوق طوال العام ويحافظون بذلك على الأسعار التي يريدونها، وخاصة أن القانون السائد في تلك الدول لا يمنع ذلك. بل يعتبر ذلك جزءا من اللعبة الاقتصادية في ظل نظام السوق المفتوح.
والمظهر الثاني لأشكال الاحتكار هو احتكار الاستيراد أو ما يسمى (ترخيص حصرية الاستيراد) ويلاحظ انتشار ذلك في عموم دول غرب افريقيا حيث تخصص تاجر واحد في استيراد احتجاجات دولة كاملة من الأرز من تايلند أو الصين أو الباكستان، وتاجر آخر يحتكر استيراد الزيوت، وثالث يحتكر استيراد الذرة وهلم جرا. ومن الملاحظ هنا أن القانون لا يمنع أي تاجر من المشاركة في استيراد مثل هذه الأشياء من مصدر المنشأ، ولكن كون الأمور ترسخت لدى الشعب وأجهزة الدولة على هذا الأساس فإن أي من التجار الصغار أو الجدد لا يستطيع مزاحمة هذا الصنف من التجار، لأنه في الكثير والغالب ما يكون وزير سابق أو من حاشية رأس الدولة.
5-اختلاس الأموال العامة من قبل الموظفين في الحكومة.
إن نسبة لا بأس بها من الموظفين في دوائر الدولة، وفي غياب يكاد يكون كامل وشامل للرقابة الفعالة ” يصبح همهم الأول ملئ جيوبهم بالمال العام، دون اعتبار للحالة الاقتصادية للدولة أو الوضع المالي العام للميزانية “. ومن صور هذا الاختلاس أن بعض المشاريع المفترض لها أن تنتهي في زمن معين لا تنتهي أبداً. وأن مشاريع أخرى قيمتها محدودة ومعروفة توضع لها ميزانية هائلة.
6-انتشار الميسر. (B) 9P.M.U LONA
نظرا لتأثير الثقافة الاستعمارية الشديد في مجال القانون والاقتصاد والسياسة وهي من أهم مجالات الحياة اليومية تنتشر كثير من مظاهر المناشط التي يزعم أنها جزء من حملات التنشيط الاقتصادي كألعاب الميسر بأنواعها وأشكالها منها المحلية ومنها عابرة الحدود ومنها الدولية فمن الألعاب المحلية أوراق اليناصيب، واللوتو الوطني، وصالات القمار، ومن الألعاب الدولية تلك الألعاب التي تعقد في فرنسا وتبث مباشرة عبر تليفزيونات الدول الفرانكفونية، كسباق الخيول الفرنسي اليومي، واليناصيب الفرانكفوني.
7-استغلال الدول الكبرى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه الدول من أجل الاستمرار في نهب ثرواتها. فالنيجر لا تستفيد من اليورانيوم المصدر من أراضيها إلا نسبة 34 % بينما نسبة 66 % تعود للشركات الفرنسية المحتكرة لاستخراج وتسويق خام اليورانيوم. لا شك إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تفعيل دور المجتمع المدني والأحزاب المصرية وتطويريهما بغية جعلهما قادرين على المشاركة الفعالة في صنع القرار والرقابة عليه والمساءلة الشعبية وكلها أمور تقلل من الفساد كثيرا.
التعليقات مغلقة.