عيد بأية حال عدت يا عيد … مزاد السلام / د. منصور محمد الهزايمة
د. منصور محمد الهزايمة ( الأردن ) الإثنين 24/6/2019 م …
منذ زيارة الرئيس الراحل السادات إلى القدس أواخر عام (77) التي أطاحت بكل لاءاتنا العربية، بدا أن مشاريع السلام بين العرب وإسرائيل لا تنتهي، وتقبع في رأس الأجندة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، فقد سلّم السادات حينها أن (99%) من أوراق اللعبة بيد أمريكا، ورُوّج وقتها أن المنطقة مقبلة على قمر وربيع ، وأن الحروب ولّت إلى غير رجعة، وأن التغيير قادم لا محالة، فانتعشت أمال النماء والرفاه الاقتصادي للشعب المصري خاصة، لكنّ المصريين تفاجأوا بسياسات الانفتاح بل الانفلات الاقتصادي، مما زاد الفقير فقراً والثريَّ ثراءً، ما نتج عنه انتشار الفساد بشتّى صوره، مما ولّد الاحتقان الذي قاد بدوره إلى ثورة “الحرامية”، وصولاً إلى اغتيال الرئيس نفسه بين جنده عام (81).
بعد ذلك توالت العروض، بل الضغوط، أو قل الاندفاع نحو السلام أو الاستسلام، وبكل الأحوال لم يكن لنا يدٌ فيها، على الرغم من تقديم مشروع السلام العربي في قمة بيروت (2002)، الذي لم يحظى بتقدير، على الرغم من قوة العرض المقدم وقتذاك بالتطبيع مع المسلمين كافة، في حال انسحاب اسرائيل إلى حدود (67)، بل وأتاح الفرصة أمام حلول “واقعية” للملفات المعقدة ذات العلاقة ومن أخطرها ملفي القدس واللاجئين، لكنّ إسرائيل وحليفتها الموثوقة -أبدا- كانت تحاول-دائما- أن تقايض حقوقنا ببعضها البعض، فبقي أمن إسرائيل يتقدم على أمننا، وباقي حقوقنا، وصولا إلى مؤتمر السلام عام (91)، الذي نشأ عنه اتفاقيات جديدة اقترنت بوعود الرفاه والتنمية، غير أن المشاكل تعقّدت، ولم نصل حتى اللحظة إلى الرخاء الموعود والسلام المنشود .
عام (2014) كان هناك هجوما كاسحا لتصفية نزاع بات مختزلا في طرفيه الفلسطيني -الإسرائيلي، وقد قام وزير خارجية أوباما في عهدته الثانية جون كيري بجولات مكوكية، بحيث زار المنطقة أكثر من عشر مرات، وبدا أن قضايا الشرق الأوسط تعشش في رأس الرجل وإدارته، وقد حُدد وقتها (9) شهور أي ما يوازي مدة الحمل الطبيعي للإنجاب، وحيث أن الحديث قياس، فقد كانت الآمال تتوقع أن يصل الأمر في حده الأدنى إلى إطار اتفاق، لكنّ إسرائيل أفشلت الجهود باعتراف كيري نفسه، ليتضح أن الحمل كان كاذبا، وذهبت الوعود أدراج الرياح.
اليوم تزداد نبرة الحديث عن سلام السوق أو المقايضة، لكن بمعادلة مختلفة هذه المرة، فتبدلت اللافتة من “الأرض مقابل السلام” إلى “الخبز مقابل السلام”، ومن سخرية القدر أن العروض تنهال علينا بأسلوب الرشى، وبإغراء المال، وتصورنا بأننا أمة أفواه جائعة، أمّا حقوقنا الوطنية أو القومية فلا تخطر في بال رسل السلام الجدد، وهمهم الترويج لاقتصاد السلام القادم، متجاوزين ما خبرناه منهم، الذي كان لدينا أشبه بأحلام اليقظة عند العاجزين، وبالتالي فإن مؤتمر البحرين الذي سيعقد بحضور اجباري، أو بمن حضر، سيسوق علينا الوهم إياه، مستخفين بما مر على شعوب المنطقة من وعود زائفة.
ما يثير الاهتمام أن وسطاء السلام الحاليين لم يلتفتوا إلى تجارب من سبقهم، ولو من باب الفائدة أو العبرة، بل أخذوا الأمر على عاتقهم، من باب الاعتقاد بالتفكير خارج الصندوق حدّ تحطيمه، مثلما أن بعض العرب ما زال يتشبث بأوهام اقتصاد السلام المحمّل بوعود الرفاهية، كما أنهم يتنافسون في اختيار حلفاءهم، ويتخاصمون على ترتيب أعداءهم، ولن تكون خلافات الخصوم والأصدقاء -على حد سواء -إلّا على حسابهم، أمّا ما تعجب له أكثر! كيف يصّر طرف على فرض نفسه كوسيط سلام بهذا الصلف، وهو يبدي انحيازا كاملا لطرفٍ على حساب أخر، ممّا قلب طاولة المفاوضات، لكن الأشد عجبا أن تمارس الضغوط على الطرف الضعيف ليقدم مزيدا من التنازلات فالضعف دائما يبرر ما لا يبرر.
التعليقات مغلقة.