سيناريوهات الأزمة مع إيران على ضوء الإرباك الأميركي

دام برس : دام برس | سيناريوهات الأزمة مع إيران على ضوء الإرباك الأميركي



الأردن العربي – الثلاثاء 25/6/2019 م …

لم ينته التخبط في السياسة الأميركية مع تراجع دونالد ترامب عن القيام بعمل عسكري ضد إيران. الهدوء النسبي الذي أعقب عاصفة من التهديدات المتبادلة بين أميركا وإيران كشف عن تضارب في المواقف الأميركية وتناقض في التصريحات، في مقابل صلابة أبداها الجانب الإيراني على المستويين الرسمي والشعبي.
التضارب الأميركي تجلّى على أكثر من صعيد وفي كلام ترامب نفسه. فبينما كان سيّد البيت الأبيض يعلن عن نيته فرض المزيد من العقوبات على طهران مبقياً على كل الخيارات، بما فيها العسكرية، على الطاولة، أثنى على موقف إيران بعدم استهداف الطائرة العسكرية المأهولة واصفاً إياه بالقرار الحكيم الذي يستحق التقدير.
وفيما صرّح بأنه ليس على عجلة من أمره تجاه إيران، أعقب ذلك بدعوتها إلى التفاوض مشيراً إلى عزمه على تحديد سقف زمني للرد.
حال التناقض في الآراء داخل الإدارة الأميركية طرحت أسئلة حول مدى ثقة ترامب بأعضاء إدارته، لا سيما المتحمّسين بينهم للحرب، جون بوليون ومايك بومبيو. أبرز الإشارات على ذلك حديث ترامب عن أطراف لم يسمها داخل الإدارة تحاول دفعه إلى عمل عسكري ومقاومته لهذا الخيار.

عنق الزجاجة

حول ذلك يعلّق المحلل والمستشار السابق في البنتاغون مايكل معلوف بالقول “أعتقد أننا حالياً في طريق مسدود، الولايات المتحدة ليس لديها سياسة واضحة وهذا أحد أسباب ما شاهدناه خلال اليومين الفائتين”.
ويضيف “ترامب عقد اجتماعاً في كامب ديفيد على مستوى المستشارين في الأمن القومي من أجل إعداد استراتيجية وأيضاً رسم سياسة موحدة، وكان الرئيس محقاً في عدم الرد وكان موقفه صائباً بسبب الأثمان في الأرواح المحتملة على الجانب الأميركي”.
لا يعني ذلك بحسب معلوف أن الرئيس الأميركي لن يقدم على فعل عسكري في المستقبل بموازاة أي تطور محتمل. ويرى من جهة أخرى أن الإيرانيين أظهروا ضبط النفس  “وهناك نقاش مستمر حول مسار الطائرة ومدى انتهاكها للأجواء الإيرانية على رغم أن إيران قدمت بعض الأدلة”.
المسألة بحسب معلوف باتت معقدة الآن، فالمنطقة تشهد توتراً كبيراً، والفترة المسيطرة حالياً هي مرحلة تأمل ومحاولة التوصل إلى فتح محادثات بين الجانبين. هذه المرحلة برأيه ستفسح المجال أمام حلفاء وأصدقاء كلا الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق.
من ناحيته يرى مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن باولو فان شيراك أن السياسة الأميركية تجاه إيران واضحة ولم تتغير. خلاصتها أن واشنطن تريد تدمير الاقتصاد الإيراني من خلال خنقه.
تعتقد الإدارة الأميركية أنها من خلال العقوبات ستحقق النجاح وتضطر إيران إلى الرضوخ، ومن الواضح أنها تريد القيام بذلك من دون اللجوء إلى القوة العسكرية.
لكن برأيه فإن الحادثة التي وقعت عقّدت السيناريو من دون أن يبعد الأنظار عن هذه السياسة الواضحة. بحسب فان شيراك ما من مؤشر واضح على أن هذه الإدارة، في هذا الوقت تحديدا، تعتزم رفع العقوبات والسماح لإيران بالحصول على استثمارات وبيع نفطها. “أميركا تعتقد أنه يمكن إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات من خلال الضغوط الاقتصادية، وسنرى لاحقاً مدى صحة هذه الفرضية”.
في حال زادت الأمور تعقيداً بسبب حوادث عسكرية كالتي حصلت فإن هذا من شأنه أن يعقّد السيناريو كما يقول، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة تفتقد الإدارة الأميرية إلى الوضوح في ما يتعلق بالخطوة المقبلة.

هل يزداد الوضع سوءاً؟

تعقيباً على المواقف الإيرانية أنها في حال تصفير نفطها فإنها ستمنع أي نفط من المرور في الخليج يقول فان شيراك: “لو كنت مكان إيران لكنت شددت على هذه النقطة. عندما تكون الدولة مهددة بسبب هذه الضغوط الاقتصادية أعتقد أنه من المنطق للحكومة الإيرانية أن تلجأ إلى أساليب أخرى من أجل حماية مصالحها ومن ضمنها مضيق هرمز”.
وبالتالي منع الدول الخليجية من تصدير نفطها سيعقد الأمور كثيراً ويطرح سؤالاً عن كيفية التعامل مع هذا الوضع، يقول فان شيراك، ويتابع “لا ننسى وجود الأسطول الأميركي الخامس في البحرين والقواعد الجوية الكبيرة في قطر. ما الذي سيحصل؟ لا نعرف حقيقة ولست متأكداً من أن الولايات المتحدة لديها حالياً خطط الطوارئ المناسبة للتعامل مع مثل هذا السيناريو. بحسب فهمي، وسنرى ما إذا كانت هذه المقاربة ستنجح، تعتقد واشنطن أن الضغوط الاقتصادية على إيران كافية من أجل إجبارها على التفاوض في مختلف القضايا المطروحة. هل ستنجح استراتيجية ترامب أم أن إيران تشعر أن مصالحها الحيوية تحت التهديد؟ وبالتالي هل سيدفعها ذلك إلى أساليب أخرى وتزيد الوضع تعقيداً؟ لا أعرف كيف ستنتهي الأمور لكن واشنطن شددت على الأساليب السلمية من دون الذهاب إلى العنف”.

انقسام داخل الإدارة
هل العقوبات ممكنة من دون أن يكون هناك مضاعفات عسكرية وأمنية في المنطقة؟
يجيب مايكل معلوف: “اقتربنا من هذه المرحلة والسؤال الذي يطرح نفسه على هذا الصعيد: ما هي العقوبات المتبقية التي ستجعل إيران غير قادرة على التحمل؟ حتى الآن نجحت العقوبات في توحيد الصفوف داخل إيران وساعد ذلك حرس الثورة على الأعمال التجارية. المشكلة التي أراها أن هناك انقساماً داخل الإدارة الأميركية. لدينا على سبيل المثال جون بولتون الموجود حالياً في زيارة لإسرائيل ورؤيته للسياسة الخارجية تتفق مع مايك بومبيو ولكن كلاهما يختلفان عن رؤية الرئيس، ويبدو أن هناك تمايزاً في بعض الأمور حتى بين بولتون وبومبيو. تحدث الأخير مؤخراً عن مفاوضات من دون شروط مع إيران وقبل أشهر أدرج 12 شرطاً للتفاوض مع إيران، ويبدو أنها اختفت حالياً رغم أن الهدف النهائي هو استجابة إيران لكل هذه الشروط.

هناك انقسام واضح داخل الإدارة حالياً، شاهدنا في عهود سابقة انقسامات مماثلة خلال الأزمات مثل أزمة الصواريخ في كوبا والحرب على العراق عام 2003. ما أتخوف منه أن يقوم بولتون بالتصعيد وجعل ترامب محشوراً في الزاوية من دون أي إمكانية للمناورة. أعتقد أن ترامب يحاول تجنب هذا السيناريو وهو أعلن أنه لا يريد الحرب، الأمر الذي سيرتد عليه بشكل سلبي إذا ما دفع إلى الحرب لا سيما على صعيد الانتخابات الرئاسية المقبلة كون حملته ركزت على الخروج من الشرق الأوسط والانسحاب من الحروب. بولتون يسعى إلى عكس ذلك ويرغب في تغيير الأنظمة وفي ألبانيا العام الماضي تحدث خلال مؤتمر للمعارضة الإيرانية عن لقاء الجميع في طهران العام المقبل.

هل يصل هذا الانقسام إلى الإطاحة بجون بولتون؟

ممكن أن يحدث ذلك. نتنياهو نفسه تبنى الصمت بعد هذه الحادثة، لكنه دعم حتى الآن كل الخطوات التصعيدية ضد إيران وهو إضافة إلى ولي العهد السعودي يريد من أميركا أن تتدخل عسكريا ضد إيران والقتال نيابة عنهما. ترامب يحب الأموال السعودية ولكني لست متأكداً من أنه يحب السعوديين إلى هذه الدرجة كي يحارب عنها.

إقالة بولتون

في ما يتعلق بالاختلافات داخل الإدارة هل هي عميقة وهل ستسفر عن إقالات وتغيير وجوه داخلها؟
يجب باولو فان شيراك: هذا ممكن. إذا عدنا إلى العام 2016 فإن حملة ترامب استندت إلى الخروج من الحروب في الشرق الأوسط وعدم الدخول في حروب جديدة. هذه الحروب بدأتها إدارة جورج بوش الابن ومن الواضح أن الشعب الأميركي غير مسرور بعدما رأى الخسائر البشرية والإنفاقات الهائلة التي تكبدتها أميركا. هذه الحروب لم تحظ بشعبية وترامب انتخب على أساس ذلك وبالتالي أتفق مع معلوف بأن الدخول في مواجهة مع دولة قوية مثل إيران قبل الانتخابات لن تكون فكرة جيدة بالنسبة لترامب والنتيجة لن تكون مضمونة وأميركا ليست في موقع يسمح لها حالياً بإشعال حرب.
لماذا عيّن ترمب طاقماً حربياً في إدارته إذاً من وزن بولتون وهو المعروف بمواقفه المتشددة والحربية؟ هل كان القصد استخدامه كفزاعة من أجل ردع إيران؟
يقول فان شيراك: أعتقد أن ترامب عين هؤلاء خلافا لرغبته الشخصية. جون بولتون وبدرجة أقل بومبيو من الصقور وهو يخالف رؤية ترامب. لست أكيداً إذا كان ترامب سيستغني عنه ولكن بسبب أداء الإدارة باتت سمعتها مرافقة للفوضى في عملية صنع السياسة الخارجية والداخلية أيضاً. نرى دائما تغييرا في الوجوه داخل الإدارة وإبدال شخصية بأخرى، لا نعرف بالضبط من لديه الكلمة الفصل وإلى من يصغي الرئيس.
بكل الأحوال هذا التردد في الرد على إيرن ينم عن إرباك. الرئيس تراجع أخيراً بعد أن سأل حول إمكان سقوط قتلى في الجانب الأميركي وعندما جاءت الإجابة سلبية تراجع. كان يفترض أن يعلم هذا مسبقاً وأن تقدم له مثل هذه المعلومات وأن توضح له كافة التداعيات، وأنا لا أستبعد إقالة شخصيات مثل بولتون.

العودة إلى المفاوضات
ما هي الشروط الكفيلة بالعودة إلى طاولة المفاوضات بين أميركا وإيران؟

يجيب مايكل معلوف: سيكون هذا الأمر صعباً. ترامب هو الذي انسحب من الاتفاق مع إيران التي كانت تلتزم بكامل شروط خطة العمل المشتركة، لذا أبلغ المرشد الإيراني ضيفه رئيس الوزراء الياباني أنه لا يثق بترامب. من وجهة نظري يحق لإيران أن تطور صواريخها وأن تعمل على تطوير نشاطها النووي ضمن الاتفاقات والقوانين الدولية، وبالتالي طرح أميركا لهذه المسائل على طاولة التفاوض هو تعبير مرة أخرى عن إرباك.
يجب ترتيب الكثير من الأمور قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض وتحديد الشروط، ولكن قبل ذلك ينبغي التوصل إلى اتفاق حول اللقاء بحد ذاته من ثم التفكير بالشروط ، ونحن الآن على مسافة بعيدة من ذلك.
نحن الآن في فترة استراحة وطالما لم تتطور الأمور إلى خسارة في الأرواح لدى الطرفين أعتقد أننا لن نصل إلى مرحلة التصعيد الخطير، ولكن عندما يتغير ذلك ونرى قتلى فإن الأمور ستتغير عندها وهذا قد يعطي فرصة إذا استمر الهدوء، ربما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستطيع أن يتدخل ويلعب دور الوسيط ويحدد الشروط من أجل المفاوضات وقد يتمكن من ذلك خلال قمة العشرين المقبلة. إذا ما استطعنا إدخال مساعي دولية وأطراف وسيطة إضافة إلى دور فاعل للأمم المتحدة فإن هذا الأمر قد يساعد، ويجب استغلال فترة التهدئة للدخول في تسوية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.