بين كامب ديفيد وصفقة العُهر والقهر في البحرين / موسى عباس

موسى عباس ( لبنان ) الثلاثاء 25/6/2019 م …




الكاتب موسى عباس

لم يمر التاريخ العربي في يومٍ من الأيام منذ قيام الدولة العربية والإسلامية في صدر الإسلام بأخطر مما حدث ويحدث  منذ تاريخ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق”رفيق الحريري” في 14 شباطالعام 2005 والذي سعى من ورائه المخطّطون إلى إشعال نار الفتنة بين المسلمين وحتى اليوم .

فعلى الرغم من جميع الإبتلاءات الخطيرة التي وقعت منذ قيام الدولة الأمويّة ولا سيّما تلك التي أدّت الى تعدُد الدويلات ونشوب الصراعات والحروب فيما بينها والتي تكرّست  في الدولة العبّاسية بعد وفاة هارون الرشيد حين  تصارع ولداه الأمين والمأمون على السلطة ومن ثَمّ في أوقاتٍ لاحقة انفصال العديد من الأقاليم ونشوء الدويلات المتعددة القوميات والمذاهب والتي أضعفت الدولة المركزيّة إلى حدّ الإنهيار والذي أدّى بدوره إلى طمع الغرب في الإستيلاء على مُخلّفاتها في الشرق والغرب ، وبعد أن كانت الدولة العربية والإسلامية سيّدةً موحّدة يسعى الغرب والشرق إلى كَسْبِ وُدّ حكامها، تحوّلت إلى لُقمةٍ سائغة في أفواه الطامعين فيها من كُلّ حدبٍ وصوْب.

وإن كنّا نرفض أو ننتقد أو حتى نُعادي غالبية من توالوا على حكم تلك الدول ولاسيما أولئك الذين استولوا على الحكم بالغش والخداع والظلم أو بعد سفك الدماء وهم الغالبية،على الرغم من ذلك إلاّ أنّنا لا بُدّ أن نُسجّل لبعضهم مواقفَ مُشرّفة إتّخذوها وخلّدهُم التاريخ من خلالها وحتى لا يدّعي احدٌ ما أنّنا نُطْلِق الكلام في الهواء أو أنّنا نُمالئ ، سنكتفي بأبرز مثلين في تاريخ الدولتين الأمويّة والعباسيّة :

-الأوّل: “عُمَر بن عبد العزيز” الذي حكم الدولة الأمويّة  لفترة وجيزة لم تستمر لأكثرمن سنتين(99-101هجري)

والذي لُقِّب بالعادل لأنّه اشتهر برفع الظُلمْ عن أهل بيت النبوة وبمعاقبة الوُلاة الفاسدين والظالمين وبإعادة العمل بالشورى، الأمر الذي لم يَتوافق مع الفاسدين من أقربائه من بني أُميّة فدَسّوا له السُّم وقتلوه غيلةً ليعيدوا سيرة الطغيان.

-الثاني: “المعتصِم العباسي” الذي تولّى الحُكم في الدولة العباسية لحوالي عشر سنوات(218-227 للهجرة) والذي اكتسب شُهرته بسبب قيادته بنفسه للجيش وخوضه المعركة الشهيرة ضد إمبراطور البيزنطيين في مدينة “عَمّورية” التي غزاها واحتلّها عام(838م)وسُمِّيّت المعركة باسمها وذلك ردّاً على غزو الإمبراطور البيزنطي”تيوفيل”مدينة “زِبَطْرَة” المدينة التي تنتمي إليها والدة المعتصم وتخريبها وإحراقها وأسر العديد من أبنائها من بينهم إمرأة يُقال أنّها من الهاشميين صرخت عند أسرِها مُستنجدةً (وامعتصماه).

نموذجان من الحكّام الذين حكموا بلاد العرب والمسلمين في القرون الغابرة، والمُلفِت أنّه في تلك الحقبة من التاريخ العربي والإسلامي حدث أن إستعان قلّة من الحكاّم والولاة العرب والمسلمين بالأجانب  ضد جيرانهم وأهلهم من الولاة العرب والمسلمين  كما حدث في بلاد “الأندلس” في الزمن الذي عُرِف بزمن “ملوك الطوائف” ، والمثلُ الأشهر في ذلك :

– حاكم “أشبيلية” المشهور “المعتمد ابن عباد” الذي سار على نهج والده وأجداده ولم يجد في نفسه غضاضةً من أن يدفع الجزية صاغراً لملك أسبانيا

(ألفونسوا السادس) ويعقد معه معاهدة مُخزية يتعهّد فيها الملك الإسباني  بمساعدة”المعتمد ابن عبّاد”ضد جيرانه المسلمين  بمقابل جِزية سنوية يدفعها المعتمد للملك الأسباني إضافةً إلى عدم تدخله في الصراع بين الملك وباقي الحكام المسلمين، وهكذا سقطت تلك الإمارات بيد “ألفونسوا”.

إلا أن نهاية ” المعتمد بن عباد” كانت أن وقع  أسيراً بعد سقوط إمارته العام (1091)م بيد جيش “المرابطين” الذي انتصر على “ألفونسوا” ملك اسبانيا وعلى ملوك الطوائف.

 

ما أشبه ذلك الزمن الغابر بزمننا الحاضر :

– فلسطين تصرخ منذ قرن من الزمن

” ألا من ناصرٍ ينصرنا “ومرّت العقود تتتالى ولم  تجد ناصراً ينصرُها ،وعندما  اندلعت حرب تشرين الأول 1973   اعتقدنا أن الأُمّة قد استفاقت من سُباتِها ولكن الآمال خابت قبل أن تنتهي تلك الحرب التي أرادها بعض القادة العرب لتحريك مياه المفاوضات الراكدة لتكون سبيلاً لهم للتغطية على ما خطّطوا له، حيث سارع زعيم أكبر وأقوى دولة عربية حينها “أنوار السادات” إلى التخلي عن حلفائه في منتصف الطريق طاعناً إياهم في الظهر وبعد بضع سنوات زحفَ مُستسلِماً إلى عُقر الدار التي اغتصبها الصهاينة رافعاً شعار “السلام” مُعلناً أن حرب تشرين هي آخر الحروب بين مصر والكيان الصهيوني وألحق تلك الزيارة بتوقيع إتّفاقية الإستسلام في”كامب ديڤيد” وبعد بضع سنوات تبِعهُ آخرون  لتوقيع الإتفاقيات المُذِلّة مع الأعداء -الذين تحوّلو ا بين ليلةٍ وضُحاها إلى أصدقاء- ورفع المستسلمون شعاراً  مُخادعاً كاذباً “قدّمنا الكثير ، كفانا حروباً”وتخلّوا عن أبسط حقوق الشعب الفلسطيني ولم يكتفوا بذلك بل تحوّلوا إلى حلفاء ضد الثورة الفلسطينية فذبحوها من الوريد إلى الوريد ودفعوها هي الأخرى لتوقيع معاهدة استسلام مُذلّة لا زال الصهاينة يرفضون تطبيق غالبية بنودها الأساسية حتى اليوم .

وبعد هزيمة الصهاينة على يد المقاومة في لبنان في أيّار من العام 2000  بسنتين سارع العرب إلى تقديم عرض  مُغرٍ للكيان الصهيوني  لأنهاء  القضية الفلسطينية ولكن الصهاينة رفضوا ذلك العرض ، ولمّا لم يستجب بعض الأنظمة في بعض البلاد العربية والإسلامية لمخطّطاتهم حاكوا ضدّها المؤمرات وساعدوا بكلّ إمكانياتهم الغرب على تخريبها وتدميرها  وما حدث في العراق ولاحقاً في سوريا  خير دليلٍ على ذلك.

 

-وبعد ذلك ومن بين رماد المذلّة لاح في الأفُق قوسُ قزحٍ  بدأ يشق طريقه رويداً رويدا في الأفق وما مرّ عقدان من السنين إلا واستطاع إيقاف سيل الهزائم و هزم جبروت الصهاينة معلناً أنّ “زمن الهزائم قد ولّى وأن زمن الإنتصارات قد أتى” ، فقامت دنيا المنبطحين والمستسلمين والحاقدين والمتآمرين ولم تقعد، ووامتشقوا سيوف الغدر والخيانة ، فكشّروا عن أنيابهم وشمّروا عن سواعدهم وجنّدوا شُذّاذ الآفاق من عُتاة المجرمين ومن المخدوعين وسلّحوهم بأحدث الأسلحة وأغدقوا عليهم الأموال الطائلة وسخّروا لهم الجواسيس والإعلاميين ووسائل الإعلام المحلية والعالمية والكذبة والمنافقين من مُدّعي الدّين والدين منهم براء، ومن أقلام المتسوّلين ممّن يُسمون أنفسهم خبراء و”محللين استراتيجيين”ومن المذهبيين والطائفيين واستعانوا بأساطيل الصهاينة الجوية والبحرية والبرّية ولم يكتفوا بذلك بل ارتضوا على أنفسهم المهانة والتذلُل والإستعباد والإستصغار لمن يحتقرهم أمام العالم أجمع ومن على الشاشات في كلّ آن وأباحوا لهم ثروات شعبهم الذي يُهيمنون عليه وعلى مُقدّراته عُنوةً ودفعو الجزية تلوَ الجزية ولا زالوا يدفعون والهدف كسْرَ تلك الشوكة المُقاوِمة التي نهضت من بين رماد الهزيمة وفقأت أعينَ حلفاءهم الصهاينة ساعيةً إلى إقتلاع شرّهم نهائياً من الأرض العربية المغتصبة.

 

وها هم غالبية حُكام العرب يعقدون المؤتمرات والمؤمرات المتتالية والهدف من عقدها واحد :

الحفاظ على دولة الكيان الصهيوني بأيّ ثمن معتقدين أن في “صفقة العُهر والقهر ” “صفقة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وكوشنير ونتن ياهو” التي يسعون إلى تسويقهاً سبيلاً إلى إنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد،

ولكن هيهات ان يحققوا ذلك فمهما تعاظمت خيانتهم وتآمرهم فإن سيف الحق قد تمّ سلُّه ويجري شحذُه والقادم من الأيّام سيُردِّد مع الشاعر

” أبي تمّام”:

“السيف أصدقُ إنباءً من الكُتِبِ

في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللّعبِ

 

بيضُ الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ

في مُتونِهنّ جلاء الشّكِّ والرِّيَبِ”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.