بوابة جهنم / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الثلاثاء 1/9/2015 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد
استقبل العالم القرن الجديد على حين غرة من تسارع وتيرة الاحداث العالمية والتي كان السبب الرئيس فيها ثورة المعلومات والاتصالات فلم تستطع أغلب دول العالم اللحاق بالركب الحضاري المتسارع في بادئ الأمر، لكنها استطاعت تدارك فجواته عبر الأيام والسنوات القليلة التي تبعته، فوجدت نفسها نتيجة التأخر في مواكبة المسار الزمني لثورة التكنولوجيا والاتصالات أمام بوابة جهنم القسرية التي وضعتها العولمة أمامها، ولا خيار لهذه الدول وهي الأغلبية إلا المرور من هذه البوابة أو البقاء عندها وفي كلتا الحالتين اكتواء بلهيبها تام أو جزئي.
وقد استطاعت العديد من الدول الإلتفاف حول هذه البوابة التي فرضتها عليهم العولمة في حين اكتوت باقي الدول بلهيبها، فكانت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين سنوات الحروب المدمرة التي أزالت حكومات ودمرت بلداناً ومدناً وشردت شعوباً وأسدلت الستار عن تاريخ حضاري للعديد من المعالم الحضارية في المناطق التي اكتسحتها ولعل أبرزها آثار بغداد.
إلا أن الدول التي ظنت أنها نجت بنفسها من لهيب العولمة وبوابتها إلى جهنم بالالتفاف حول هذه البوابة لم تستطع أن تحافظ على بريقها ولم تستطع أن تبتعد كفاية عن هذه البوابة والحد الذي يصل إليه لهيبها، فشبت الحرائق مجدداً في العديد من دول العالم بنهاية العقد الأول من القرن الجديد تحت مسميات مختلفة كان لمنطقة شرق المتوسط عموماً ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص نصيباً كبيراً تحت مسمى الربيع العربي (ربيع الدجال)، وبأدوات جذب مغايرة لماكانت عليه في العقد الأول من مسميات الحرية والحداثة والتطور وإخلاء السلاح الكيميائي والنووي.
وعبر السنوات الماضية لم تسجل الأحداث العالمية قدرة لأي من الدول على مواجهة العولمة وطريقها إلى جهنم، أو مقدرتها على الابتعاد عنها بعد أن اكتوت بلهيبها، أو مقدرتها على العودة للوراء بعد عبورها إلا بأشياء نسبية، فروسيا وجزيرة القرم كانت لها الحصة الكبرى التي لم تنتهِ آثارها بعد لارتباطاتها بمناطق ودول عدة، وإيران التي استطاعت الوقوف على عتبات جهنم لفترة ليست بالقصيرة وظنت أنها بمأمنٍ عن لهيبها لا تزال في دائرة النار وإن اختلف مكان تمركزها وأدوات جذبها إليها والتي أصبحت هذه الأدوات بعدما وصل إليه حال الملف النووي الإيراني أكثر خطورة من ذي قبل.
أما مصر فلا تزال كسابقتها من الدول تبحث عن مخرج من هذه البوابة بعد أن عبرت بخطواتها الأولى بداخلها، وبعد أن تخلت عن العديد من أدوات الجذب التي شكلت المصيدة بالنسبة إليها. لتبقى سورية النموذج الأكثر تأثراً وتأثيراً في الدخول إلى هذه البوابة والسعي الحثيث للخروج منها ويزيد على ذلك رغبة سورية في إغلاق هذه البوابة أياً كان لهيب النار فيها وقدرته على التدمير. الأمر الذي نجحت فيه سورية نسبياً خلال السنوات الماضية من عمرربيعها المزعوم، وهو الأمر نفسه الذي دفع المستفيدين من عولمة اللا ضمير والمتنفعين من تدمير الدول وإفناء الشعوب واستعبادهم لتغيير أداوت الجذب المقدمة لسورية وشعبها، لتبرز الآن الأداة الأكثر خطورة في تاريخ الصراع على تسيد البشرية كما وصلنا عبرالكتب والوثائق وهي الأداة الديموغرافية.
لقد أدركت دول العالم المعتدية على سورية أن محاولاتها لم يكتب لها النجاح التام وأن الهدف الرئيس لكل ما تم التخطيط له لم يكتب له الاكتمال، وحتى يمكننا القول لم يكتب له النجاح كما كان يرتجى، وأن إمكانية خروج سورية خارج هذه البوابة وخروج الكثير من الدول غيرها وافتضاح أمر الأكذوبة الكبرى في تاريخ البشرية أمام الملأ الذي لا يزال ينبهر بضوئها ولهيبها مسألة وقت فقط , فكانت أدوات جذبهم الجديدة ليست موجهة إلى سورية فقط , بل إلى الدول الأوروبية أيضاً التي تحتاج إلى الأداة الديموغرافية لاستمرار وجودها ونهضتها.
فهل تستطيع سورية مقاومة هذه الأداة الجديدة والمتمثلة في تهجير أبنائها إلى مختلف دول العالم؟
وهل تستطيع الدول التي احتضنت السوريين تحت مسميات مختلفة من تفادي بوابة جهنم التي سعت إليها جاهدة لانبهارها ببريقها؟
التعليقات مغلقة.