فلسطين معروضة للبيع مقابل 39 يوم من انتاج نفط الخليج / د. عبد الحيّ زلوم

د. عبد الحيّ زلوم ( الأردن ) الخميس 27/6/2019 م …




د. عبد الحي زلوم

من المغالطات الكبرى أن ورشة البحرين هي اقتصادية الطابع وأن الجزء السياسي من مشروع نتنياهو – ترامب لتصفية القضية الفلسطينية سيأتي لاحقاً . ومع أن في ذلك القول ازدراء ما بعده ازدراء الى وكلاء الولايات المتحدة لانها تعني أن عليكم أن تكتبوا الشيكات لنا لمشروع لا داعي لكم لمعرفة تفاصيله الان . ذلك يسمى عندما يتم اعطاء رجل المخابرات الى عميله ليعطيه المعلومة بالتجزئة كما يقولون (Need to know basis) لكن الصحيح هو أن خطة نتنياهو – ترامب هي بالغة الوضوح فالقدس وقضية اللاجئين وحق العودة والدولة الفلسطينية خارج المعادلة وخروجها قد اصبح امراً واقعاً . وكذلك كل قوانين الشرعية الدولية والامم المتحدة ومعادلات الارض مقابل السلام قد تم شطبها واستبدالها بالتوسع لرقعة الكيان الصهيوني مقابل 39 يوماً من انتاج النفط في الخليج . ويتم توزيع المبلغ المقرر على عشر سنوات وعلى اربع دول . وبعد الفساد المعهود قد يصل الى الشعب الفلسطيني بضع دولارات . وكذلك فقد شرعنت الخطة حق احتلال الاراضي بالقوة، فالجولان اصبحت بعرف نتنياهو – ترامب ارضاً اسرائيلية . والضفة الغربية سيتم ضمها لتصبح اراضي اسرائيلية . هذا ما قاله نتنياهو بنفسه وبوضوح لا يقبل أي تأويل اثناء حملته الانتخابية . اذا كان المشاركون في ورشة البحرين لا يعرفون هذه الحقائق المعلنة بل والتي تنفيذها فتلك مصيبة ولكن لو كانوا يعملونها فالمصيبة اعظم . والسؤال ماذا بقي لاعطاء الفلسطينيين حتى ولو جزء يسيرٍ من حقوقهم ؟

لم اعتقد يوماً ان الغباء في الصهيوامريكية والاستخفاف بوكلائهم في المنطقة قد يصل الى هذا الحد من التمادي. لكن يمكن فهم ذلك بأنهم قدروا أنهم ومع وكلائهم قد اوصلوا دول المنطقة لتكون دولاً فاشلة و لأن شعوب تلك الدول المقهورة والتي اوصلوها الى مرحلة من فقدان الوعي والجري وراء قوت اليوم. لم يُبقي اصحاب مشروع نتنياهو ترامب حتى ورقة توت ليغطي المشاركون في مؤامرة نتنياهو – ترامب عورتهم .

تعامل اصحاب مشروع نتنياهو – ترامب مع دول منطقتنا وكأنهم في عصر العبودية. كتب ابن خلدون ان اقسى انواع العبودية هي عبودية العقل. يبدو ان بعضنا قد عشق عبوديته .

لكي اصدق أن محمود عباس وشركاه قد شربوا حليب السباع وارادوا أن ينهوا سيرتهم بالتوبة فعليهم أن يوقفوا التنسيق الامني (حراسة الاحتلال) فوراً وأن ينهوا السلطة اللاوطنية الفلسطينية فوراً فهكذا ترجع الاراضي الفلسطينية اراضٍ محتلة دون مواربة .

والملخص أن فلسطين ليست للبيع وحبذا لو احتفظت دول النفط العربية الخليجية بملياراتها لشعوبها. ففلسطين غنية بغازها المسروق و مياهها المسروقة واراضيها المسروقة. والثروات المسروقة تزيد عن كل مخزون نفطهم لا عن 39 يوماً من انتاجهم.

وصلنا الى ما نحن فيه خلال قرنيين بدأ أولهما بدراسات معمقة علمية من علماء المستشرقين بالتآلف مع الحركات التبشيرية . توصلوا ان هيمنة الغرب على العالم العربي بل والاسلامي تتم عن طريق طمس الهوية الجامعة التي وحدت الاعراب وجعلتهم أمة واحدة سادت وهيمنت على العالم من الصين حتى الاطلسي وقدمت للعالم انجازات علمية وثقافية لا ينكرها أحد. وبفقدان تلك الهوية الجامعة التي فجرت الطاقات سيتم ارجاعهم الى اعراب كما كانوا . فتم تفتيت والغاء الهوية الجامعة بهويات جزئية اثنية وطائفية ومذهبية وقومية وبذلك اشعلوا اخطر خطرٍ تتعرض له اي أمة وهو اقتتال الهويات الجزئية داخل الامة مما اشعل عملية التدمير الذاتي التي نراها اليوم. عملية تفتيت الهوية كانت في القرن التاسع عشر أما بداية صراع الهويات الجزئية فبدأ منذ سايكس بيكو حيث تم تنصيب القبائل والعوائل بثقافاتها وتقاليدها لتكون هي الهوية.

انا وبوضوح اتكلم عن الحضارة العربية الاسلامية التي تؤمن بأننا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا وبذلك فهي تعترف بالهويات الجزئية والتي تؤمن بالاديان السماوية بمبدئ لكم دينكم ولي دين . لو كنا نؤمن بتلك الحضارة فاسترجاع الاراضي المحتلة هي فرض عين على كل مواطن والتاريخ يشهد أن المسيحية العربية حارب مع المسلم ضد الصليبيين .

لكي نوضح الفرق ما بين امتنا اليوم وامتنا بالامس دعني اوجز لمحة من التاريخ في العلاقة بين الولايات المتحدة وبعض دول عالمنا العربي والاسلامي .

كانت الدولة الاسلامية العثمانية حتى في عصر انحطاطها تسيطر على 80% من شواطئ البحر الابيض المتوسط من البانيا حتى شواطئ الاطلسي . كان دافع الغزوات الثقافية وخصوصا البروتستنية الامريكية مزيجا من الدوافع الاقتصادية تم مزجها بالدين لتحقيقها. وهنا لمحة تاريخية لا تجدها في كتب تاريخ مناهج تعليم دول سايكس بيكو.

كانت اول حروب دولة الولايات المتحدة الوليدة مع بلدان شمال افريقيا الاسلامية . طلبت هذه البلدان من الولايات المتحدة أن تدفع جزية مقابل دخولها مياه البحر الابيض المتوسط ذلك لان السفن الامريكية كانت لا تدفعها حينما كانت مستعمرات بريطانية فكانت بريطانيا هي من تدفع الجزية. أما فقد استقلت المستعمرات الامريكية واصبحت دولة فعليها دفع الجزية. رفضت الولايات المتحدة دفع الجزية فجمع أولي الامر سفناً عديدة وقاموا بمهاجمة اساطيل دول شمال افريقيا ولكن تم تدمير سفنهم بالكامل . قرر الكونغرس التفاوض . وقع الاختيار على جون آدامز، السفير الأمريكي لدى لندن والرئيس لاحقاً، للشروع في مفاوضات دبلوماسية مع دول شمال افريقيا. وفي هذا الصدد اجتمع آدامز عام 1785 بالممثل السياسي لباشا طرابلس عبد الرحمن العجار، الذي شرح له جوانب السياسة التي تنتهجها دول شمال إفريقيا حيال السفن التي تدخل المتوسط أو البحر الإسلامي طبقاً لتعبير العجار وقتها، مضيفاً بأنه ما من بلد يستطيع استخدام البحر بدون الدخول في معاهدة سلام مع المسلمين. وختم العجار مناقشته مع المبعوث الأمريكي بالتأكيد على أنه ينبغي على الولايات المتحدة دفع جزية قدرها مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ ضخم في مقاييس ذلك الوقت خاصة إذا ما علمنا بأن ميزانية الولايات المتحدة لم تكن تتجاوز الملايين العشرة. وفي وقت لاحق انضم وليام جيفرسون، الذي أصبح رئيساً بدوره، إلى المفاوضات وعقد محادثات مع المبعوث التونسي، غير أن حظه لم يكن بأفضل من زميله آدمز. انتهت المفاوضات وعاد آدمز إلى مقر عمله في لندن ليرفع توصية إلى واشنطن بضرورة دفع الجزية المطلوبة على ضخامتها وإن أطلق عليها صفة: الرشوة، قائلاً بأن البديل سيكون الحرب التي لم تكن الولايات المتحدة في وضع تستطيع معه احتمالها أو الفوز بها في ذلك الوقت. إلا أن آدمز أعرب عن شعوره الحاقد تجاه المسلمين، فكتب في مذكراته يقول:” العالم المسيحي جعل من بحارته مجموعة من الجبناء أمام رايات محمد”. وفي يونيو 1786 طلب الكونغرس من آدمز وجيفرسون وفرانكلين التوصل إلى السلام مع المغرب، وهو ما حصل بالفعل حيث تم توقيع معاهدة سلام مع حاكم المغرب تم بموجبها إطلاق سراح السفينة بيتسي مقابل جزية قدرها 20 ألف دولار، كما أرسل الأمريكيون بعثة دبلوماسية إلى طنجة.

صراع الامبراطوريات على مدى التاريخ وبداية سقوطها او نشوئها كان في منطقتنا . قال أزبغنيو بريجينسكي عام 1989 عبارة مفصلية شهيرة، لنه بعد عصر المال، وعصر المدفعية، أصبحت وسائل الاتصال وسيلتنا الأولى للهيمنة على العالم. أما نحن فقد تم ايصالنا الى عصر الجاهلية .

ليس وضعنا الحالي ولا مشاريع الولايات المتحدة قضاءً وقدراً . نحن امة عريقة لها جذورها في التاريخ وكبقية الدول و الامبراطوريات تمرُ في مراحل صعود وهبوط . ولقد مررنا في مراحل تشبه يومنا هذا ايام الغزو الاوروبي الصليبي وخرجنا منه . وتم غزونا من التتار فغلبتهم ثقافتنا واصبحوا جزءاً منها . ورجوعاً الى التاريخ مرة اخرى فالصين اليوم التي تحتل ثاني اكبر اقتصاد في العالم وستصبح اكبر اقتصاد عما قريب كانت مستعمرةً من اليابان ومن قبلهم من الانجليز. قد يستغرب البعض انه ومنذ اقل من قرنيين قامت بريطانيا بشن حربين على الصين اسمهما حروب الافيون لسبب لا يصدق . بعد أن اصبح هناك اكثر من 12 مليون مدمن صيني ، وتقلص الاقتصاد الصيني من كونه اكبر اقتصاد في العالم الى نصف حجمه الغى امبراطور الصين تجارة الافيون التي كانت تديرها شركة الهند الشرقية البريطانية. طلبت بريطانيا منه الغاء ذلك القرار ولما رفض تم شن حرب الافيون عليه ثم حرب الافيون الثانية .

كان الجد الاعظم للرئيس الامريكي روزفيلت والجد الاعظم لوزير الخارجية الامريكي الاسبق جون كيري من تجار الافيون في الصين آنذاك. تخلص الصينيون من ذلك الاستعمار عن طريق المقاومة وطريقنا اليوم هو المقاومة التي يسعى مشروع نتنياهو – ترامب لوئدها ويسير معهما تنابل السلاطين . ولامة عريقة النصر باذن الله بالرغم من سواد الصورة هذه الايام.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.