التوازن السياسي بعيدا عن التوهمية والطوباوية / د. محمد كامل القرعان
تحتاج التجارب الديمقراطية والسياسية ، فسحة من الزمن تطول أو تقصر حسب طبيعة المجتمع ونظامه، فبريطانيا التي تمثّل أعرق الديمقراطيات الحديثة احتاجت إلى أكثر من ستة قرون حتى تنضج العملية الديمقراطية فيها، ويتعمق الوعي السياسي لدى أبناء المجتمع البريطاني، وتخللها إرهاصات وأحداث عنيفة أدت في النهاية إلى استقرار المجتمع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
إن الدولة الديمقراطية، وهي دولة المؤسسات والقانون تتطلب قبل كل شيء الاستقرار السياسي، وهذا يتحقق عبر تعميق الوعي السياسي لدى المواطنين وشعورهم بأن مؤسسات الدولة هي المعبّرة عن إراداتهم ورغباتهم ، وتستوعب نشاطاتهم السياسي المؤيد والمعارض.
وكلما كان الوعي السياسي حاضراً ومتأصلاً، أو متجذراً بالمجتمع، نرى أن القوة السياسية الفاعلة تجد نفسها مضطرة لإتباع مناهج عقلانية في مشاريعها السياسية ، في محاولة لإقناع الأفراد بتلك المشاريع، وبالتالي يكون من الصعب بمكان استغفال الجماهير والعزف على المشاعر البدائية.
و التوازن بين الواقع الذي عليه الناس ، وبين ما نصبوا إليه كدولة او حكومات بعيداً عن التوهمية والطوباوية ضرورة ، إذ أن التحول السياسي الذي ينقل المجتمع من حالة الانغلاق والجمود الفكري والسياسي إلى حالة النظام الديمقراطي السياسي الحزبي المفتوح دون المرور بحالة الاستعداد النفسي والفكري والتهيئة المطلوبة لاستقبال الجديد ، قد يُحدث حالة من فقدان التوازن الاجتماعي والسياسي ، وهذا ما لاحظناه مع بداية كل تغيير لبناء مشروع حكومي سياسي ونهضوي.
اذا كانت الحكومات تريد بحق توازن مجتمعي ، فجب اولا اطلاق الحرية الصحافية ، وتعزيز حريات الراي والراي الاخر ، وتعزيز منظومة التعليم الاساسي والعالي والتربية وفرض سيادة القانون، من ثم البدء بعملية تعميق الوعي السياسي من خلال انبثاق الأطر السياسية الفاعلة (القوانين ، التشريعات ) التي تشكّل هذا النظام السياسي انطلاقا من أطر فكرية وأيديولوجية وطنية اردنية بحتة، لبناء نظام مؤسسي سياسي سليم بعيداً عن المصالح والأهداف الآنية والشخصية وصولا الى برلمان يعبر عن ارداة الشعب الحقيقية وحكومات حزبية برامجية.
ولا تقل اهمية عمليات التدرج في توعية أفراد المجتمع، وتعريفهم بحقوقهم، وواجباتهم وترسيخ مفهوم المواطنة الصالحة بشكلها الحقيقي بعيداً عن التعصب القبلي أو القومي او العشائري الملحوظ بالاردن ، وبعيداً عن ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب وجعلها وفق المفهوم الحقيقي المتمثل بالالتصاق بالوطن تاريخاً وأرضاً وشعباً وقيماً. وتنظيم علاقة المواطن بالدولة ومؤسساتها من خلال إيجاد قوانين عادلة تحقق المصلحة المشتركة للدولة والمواطن.
فتجسيد مبدأ العدالة الاقتصادية والتنموية والخدمات التعليمية والصحية والبلدية وحل المشكلات المعيشية ؛ كالبطالة والفقر ، إذ أن تلك المشكلات هي من أبرز معوقات الوعي بشكل عام، والسياسي بشكل خاص.
التعليقات مغلقة.