كيف كانت العروبة فى ذكرى استقلال الجزائر / فادي عيد

نتيجة بحث الصور عن عبد الناصر وبومدين

 فادي عيد ( مصر ) الخميس 4/7/2019 م …




يوم الخامس من جويليلة (5 يوليو/تموز) ليس كيوم مثل باقى الايام، فهو يوم الاحتلال ووافق أيضا يوم الاستقلال، كان الصفحة الاولى من كتاب نضال الشعب الجزائرى، وأيضا أخر صفحاته التى توجت بالاستقلال بعد 132عام، وللكتاب مليون ونصف مليون صفحة كتبت كلا منها بدماء أبناء الجزائر الابرار، بدأ كتابتها الامير عبد القادر بن محيي الدين، وختمها قادة جبهة التحرير الوطنى مسك الختام.

 

فمنذ أشتعال ثورة التحرير الجزائرية فى 1 نوفمبر 1954م ضد المستعمر الفرنسي الذى أحتلت الجزائر عام 1830م، ظهر للجميع بما فيهم جنرالات فرنسا أن الثورة فى تلك المرة لن تكون مثل ما سبقها من أنتفاضات أشتعلت لفترة ثم أنطفئت، بل أنها نيران ستلتهم كل من يقف ضدها، ثورة شعبية جارفة كشرت عن أنيابها بكل السبل بالعمل السياسى وبالكفاح المسلح، حتى صارت نيران الثورة تسير فى كل ربوع الجزائر.

 

ومع كل قطرة دم تسقط فى الجزائر كانت ترافقها دموع فى مصر، ومع كل رصاصة تخرج من أفواه بنادق مناضلى ثورة التحرير، كانت الاخرى تلاحقها من القاهرة، فكان بالقاهرة مقر الحكومة الجزائرية المؤقتة التى تأسست فى 19 سبتمبر 1958م، كما كانت القاهرة نافذة لجميع الانشطة السياسية والدبلوماسية للجزائر، بجانب وجود لجان تحرير ليبيا وتونس والمغرب أيضا، كما مثلت مصر الجزائر فى مؤتمر باندونج عام 1955م، وتمكين الجزائر من التأثير السياسى والدبلوماسى فى منظمة تضامن الشعوب الافرو أسيوسية، فكان هذا على الصعيد السياسى والدبلوماسى، أما على صعيد الكفاح المسلح فكانت أول شحنة عسكرية تصل للجزائر خرجت من مصر، كما أحتضنت مصر التدريبات العسكرية لجيش التحرير ومناضلى الجزائر.

 

كما مولت مصر أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية للجزائر بقيمة مليون دولار، وتقديم 75% من المساعدات التي كانت تقدمها جامعة الدول العربية للثورة الجزائرية والمقدرة بـ 12 مليون جنيه سنويًا، وبعد تأميم قناة السويس خصص زعيم الامة جمال عبد الناصر أول ثلاث مليارات فرنك لمناضلى الجزائر، وهو الامر الذى جعل كيل جنرالات فرنسا يطفح حتى خرج رئيس وزراء فرنسا جي موليه ليقول: “أننا أذا ضربنا جمال عبد الناصر فأنما نصيب الجزائر، ولو سقط ناصر فسوف تنتهي الحرب الجزائرية في 24 ساعة، لانه اذا ضربنا الدينامو توقف المحرك كله، ولولا ناصر لما اضطررنا الى منح الاستقلال لمراكش وتونس، ولما اصبنا بهزيمة في كل مكان، ان نظامنا مهدد داخل فرنسا نفسها بسبب جمال عبد الناصر، انهم يقولون ان جيوشنا تستعمر دول عربية، وانا اقول لكم ان فلسفة جمال عبد الناصر تستعمر افكار شبابنا وضباطنا، ونحن هنا لا ندافع عن شركة قناة السويس، ولكننا ندافع عن برلمان فرنسا”.
وهو الامر الذى أستغله رئيس وزراء أسرائيل بن جوريون بعد ترقبه لحالة الغضب التى أصابت قادة فرنسا ليخاطب باريس قائلا: “الى أصدقائنا المخلصين في باريس عليكم أن تدركوا
أن جمال عبد الناصر الذي يهددنا في النقب، وفي عمق إسرائيل، هو نفسه العدو الذي يهددكم في الجزائر”، لتشن بعدها كلا من فرنسا وأسرائيل وبريطانيا العدوان الثلاثى على مصر.

 

ولهذا أصدرت جبهة التحرير الوطني الجزائرية بيانًا قالت فيه: لا ينسى أي جزائري أن مصر الشقيقة تعرّضت لعدوان شنيع كانت فيه ضحية تأييدها للشعب الجزائري المناضل، ولا ينسى أي جزائري أن انتصار الشعب المصري في معركة بورسعيد التاريخية ليس إلا انتصار لواجهة من واجهات القتال العديدة التي تجري في الجزائر منذ ثمانية وثلاثين شهرًا، وأن الشعب الجزائري المنهمك في معركته التحريرية الكبرى ليبعث إلى الشعب المصري الشقيق وبطله الخالد جمال عبد الناصر بأصدق عواطف الأخوة والتضامن، وعاشت العروبة حرة خالدة، وعاش العرب تحت راية الاستقلال والعزة والمجد.

 

وبعد نكسة 5 يونيو 1967م أتصل هاتفيا الزعيم جمال عبد الناصر بشقيقه هواري بومدين وقال له لم يبقَ عندي طائرة واحدة سليمة أرجو أن تُرسل لى بعض الطائرات، فأجابة بومدين  كل ما تملكه الجزائر 47 طائرة حربية أرسل لنا طيارين مصريين لاستلامهم لان الطيارين الجزائريين مازالوا تحت التدريب، وعلى أثر ذلك طلب السفير الامريكى بالجزائر مقابلة الرئيس بومدين لتبليغه رسالة من الرئيس الامريكى، وبالفعل أستقبله الرئيس الجزائرى ونقل له السفير رسالة رئيس الولايات المتحدة قائلا: “أن حكومة الولايات المتحدة لا تنظر بعين الارتياح الى ارسال طائرات حربية لجمال عبد الناصر”.

فأجابه هواري بومدين دون تردد قائلا: “أولا انتهى ذاك الزمن الذى كانت فيه امريكا تأمر والبلدان الصغيرة تطيع، ثانيا انتهى وقت المقابلة”.

 

و فى حرب أكتوبر 1973م المجيدة اتصل بومدين بالسادات مع بداية حرب أكتوبر وقال له إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية، وطلب أن يخبره باحتياجات مصر من الجنود والسلاح، فقال السادات للرئيس الجزائري إن الجيش المصري في حاجة الى المزيد من الدبابات، ولكن السوفيت يرفضون تزويدنا بها، فلم يتردد بومدين للحظة واحدة فى السفر إلى الاتحاد السوفيتي، والتفاوض معهم لكن السوفيت طلبوا مبالغ ضخمة، فقدم لهم الرئيس الجزائرى شيك دون تحديد قيمة المبلغ (شيك على بياض كما يقال بالعامية)، وقال لهم أكتبوا المبلغ الذي تريدونه، وأكتمل المشهد روعة بأضراب العمال الجزائريين بأوروبا للضغط على الغرب ليكف عن دعمه لاسرائيل ضد مصر.

 

بالفعل الثورة الجزائرية عزفت أروع نشيد عندما كتب شاعر الثورة مفدي زكريا نشيد “قسما بالنازلات الماحقات” ثم لحنها الموسيقار المصرى محمد فوزى، بالفعل الخامس من جويلية لخص كل معانى الاستقلال والعزة والانتماء للعروبة، نعم الخامس جويلية مجد صنعه جيل وعاشت به أجيال، فرحم الله ابطال الجزائر الذين كتبوا تاريخ ذلك اليوم بحروف من نور، وحفظ الله جزائرنا من كل مكروه.

 

حقا كان زمن الرجال، ورحم الله خيرة الرجال الذين نترحم عليهم كل يوم وساعة، فى ظل ما  نعيشه فى زمن باتت فيه الاقلام المأجورة والالسنة المسمومة تطعن كل يوم فى القومية والعروبة، فمن منا كان يتخيل يوما أن نرى بأحد القنوات التلفزيونية العربية مشهد فى مسلسل يتم فيه حرق صورة الزعيم جمال عبد الناصر، أو نرى بقنوات التلفزيون العبري ضيوف من دول عربية لسب دول عربية أخرى، أو مسئولين عرب يبرروا ما تقوم به اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فما الذى وصلنا له اليوم.

نعم أصبحنا اليوم نترحم على هولاء الرجال الذين ضحوا بأرواحهم من اجل استقلال شعوبنا، ورفعة أوطاننا، وعلى العروبة نفسها، ولا عزاء لانصاف الرجال كما اسماهم الرئيس السوري بشار الاسد من قبل.

 

فادى عيد وهيب

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.