عمود النصر التذكاري في برلين … دروس لرؤساء الحكومات (Die Siegessäule) / مهند إبراهيم أبو لطيفة

????????????????????????????????????

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) الجمعة 5/7/2019 م …




في وسط العاصمة الألمانية برلين ، وعلى إرتفاع يبلغ(63) مترا، ينتصب عمود النصر التذكاري ، الذي يُعد من أبرز المعالم في المدينة ، وينتصف طريقا مؤديا إلى بوابة براندنبورغ الشهيرة.

بُني العمود في الأعوام 1864-1873 كشاهد تاريخي على أهم حدث شكل معالم المستقبل لألمانيا، وهو توحيد الإمارات ألالمانية التي كان يبلغ عددها ثلاثين يجمعها إتحاد كونفدرالي.

قام بتصميم هذا الشاهد على وحدة الشعب الجرماني ، هاينرش ستراك(Heinrich Strack).

على كل من يشاهد هذا النصب القومي أن يتذكر،  ما سُمي بحروب التوحيد التي أدت لقيام الدولة القومية الألمانية.

بعد سلسلة من الحروب: الحرب الدانماركية (1864) ، حرب الألمان(1866) والتي سميت أيضا بالحرب الألمانية- النمساوية، والحروب الألمانية- الفرنسية (1870-1971) ، والتي وصل فيها الألمان إلى باريس، نشأت الإمبراطورية القيصرية البروسيه الألمانية كقوة عُظمى.

خلف هذه النهضة القومية الألمانية ، يقف رئيس الوزراء الألماني ، المستشار الأول، وسليل الأسرة الإرستقراطية أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck)، الذي يُعد عراب هذه النهضة وقائدها الحقيقي .والذي تمكن من تحييد النمسا  ونفوذها على بعض الولايات الجنوبية الألمانية ، بعد هزيمتها عسكريا وبقوة السلاح، تمكن من فرض الوحدة الألمانية.

كان بسمارك رجل دولة من طراز رفيع ، تمكن بفضل سياساته ورؤيته الواضحة من تحقيق أهم الإنجازات التاريخية لألمانيا ، ووضع لبنة الأساس الحقيقية لدولة قومية ألمانية ، لا تقل قوة وأهمية عن باقي الدول والإمبراطوريات، وفي زمن قياسي أصبح الرايخ الألماني قوة عالمية لا يُستهان بها في أوروبا.

 فما هي أهم ملامج سياسات بسمارك وأسلوبه في إدارة الدولة، حتى أصبح نموذجا لرؤساء الوزراء،  واستفادت من تجربته دول أخرى  منها اليابان:

      1. الإعتماد على قوة الدولة الذاتية  وأجهزتها ، في تنفيذ المشاريع التنموية والسياسية والعسكرية.
      2. التنمية البشرية للمواطن الألماني عبر التعليم والتربية المدنية، وإيجاد قاعدة للعلم والمعرفة ، التعليم المجاني ، واستخدام العلوم الطبيعية، والفلسفة، ودعم البحث العلمي، والرياضة البدنية في المدارس والجامعات.
      3. تعميق روح الإنتماء القومي والمواطنة كطاقة مُحركة في التنمية.
      4. تقدير السياسة العسكرية ومساعدة الجيش،  وعدم المبالغة بالاعتماد على البرلمان وكسب دعم الأغلبية.
      5. إتباع سياسة خارجية متوازنة ، تراعي مصالح الدول المجاورة ، وعندما تتعارض المصالح ، فرض مصالح ألمانيا بالقوة.
      6. الإعتماد  على الجزء الأقوى في ألمانيا، وهو بروسيا،  للبدء في فرض التوحيد على باقي الولايات.
      7. لم يكن بسمارك مؤيدا للإستعمار الخارجي،  أو البحث عن مستعمرات ومستوطنات مثل فرنسا وبريطانيا، بل كان من أنصار  أن تفرض ألمانيا نفسها في محيطها الأوروبي بالدرجة الأولى. كان يُعارض التوسع الإستعماري كما فعل نابوليون ويعتبره هدرا لطاقات الدولة.
      8. كان وهو يحارب ، يفكر بكيفية عقد معاهدات السلام .
      9. التنمية الصناعية الشاملة في مختلف الولايات التي تعتمد على الإنتاج المحلي، الإبتكارات والإختراعات. وتطوير وسائل الإنتاج.
      10. دعم القوى العاملة وتأهيلها في شتى المجالات، وللحد من شعبية الإشتراكيين الديمرقراطين، وضع بسمارك أساسا للضمان الإجتماعي للعمال، التأمين الصحي، التأمين ضد الحوادث وتحسين ظروف العمل والعمال.
      11. كان منهجه يقوم على البراغماتية في العلاقات الدولية ، وتبدل المصالح حسب المرحلة التاريخية.
      12. راعى في سياسته الداخلية  ، أن يؤسس لدولة الرفاهية ، والحد من نفوذ رجال الدين ، أو الكنيسة الكاثوليكية لتقليل تدخلات الفاتيكان، وأسس للدولة المدنية ، مثلا في الأحول الشخصية والزواج المدني.
      13. نهج فصل الدين على الدولة،  والإعتماد على القوى العلمانية مع أنه كان يتحالف أحبيانا مع حزب الوسط الكاثوليكي كمحاولة للوقوف في وجه المد الإشتراكي الديمرقراطي، ولم يكن ينجح دائما.
      14. كانت مركزية الدولة بالنسبة لبسمارك ضرورة بيروقرطية تتناسب والمرحلة التاريخية في تطور الدولة الألمانية، ولم يكن مؤمنا بالديمرقراطية ، بل كان وبكل قوته يدعم الحكم القيصري ، ويعتمد على الأرستقراطية الألمانية والعسكريين في مفاصل الدولة.
      15. سعى لإستثمار التراكمات التي حققتها الدولة الألمانية ،  لتكون أساسا لمزيد من التمية والتطوير وتحقيق الإنجازات ، تقديرا للطاقة الذاتية الكامنة في المجتمع والتي تكمل بعضها البعض. وكما قال مره أنه “بالدم والحديد ” ستقوم الدولة البروسية الألمانية.
      16. الإيمان بالشعب وقواه الحية وإعتبارها أساس التنمية وعدم تصديرها للخارج.
      17. رغم محاولة إغتياله  ، حيث أُطلفت عليه خمس رصاصات قبل الحرب مع النمسا على يد ( Ferdinand Cohen-Blind) ، أصيب باثنتين منها، ورغم كثرة خصومه ، أصبح بسمارك بطلا قوميا لإتقانه لُعبة توازن القوى ، وفن تحقيق الُممكن.

        توفي بسمارك بعد أن أجبره القيصر الألماني فيلهلم الثاني على الإستقاله في 30 يوليو 1898 ، وبعد  تسرب الوهم للقيصر ، أن ألمانيا بلغت درجة من القوة يمكنها أن تحكم العالم ، وسعى على عكس سياسة بسمارك للتوسع الإستعماري.

        تقديرا لإنجازاته وخدمته لشعبه، وبأموال جمعها المواطنون الألمان، تم بناء ضريح  لبسمارك عند وفاته ،بالقرب من مدينة هامبورغ، وتُقش على الرخام:

        الخادم المخلص للقيصر فيلهلم الأول

يستذكره الألمان كأحد أهم مؤسسي الدولة ، وتجد في كل مكان شواهد لتخليده من أماكن ، شوارع، ونُصب تذكارية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.