هذا ما جناه أردوغان في حربه على سورية !! / د. خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي * ( سورية ) الخميس 3/9/2015 م …

*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

إنهارت الإستراتيجية وتراجعت الثقة في الأدوار والسياسات الإقليمية التركية مع تدهورعلاقاتها مع سورية، إذ تخلت أنقرة عن كل روابطها مع دمشق من أجل سياستها الإقليمية العثمانية الجديدة، والتي عملت بكل نشاط من أجل تغيير نظام الحكم في سورية، وإنتهكت السيادة السورية، وقدمت الدعم اللوجستيكي للقوى المتطرفة والمسلحين داخل سورية، وبذلك بدأ تأثير تركيا فى المنطقة يتراجع وبدأت تفقد حلفائها الإقليميين والدوليين رويداً رويداً.

أنقرة اليوم على رأس قائمة الحكومات المتّهمة بدعم الجماعات المتطرفة المتواجدة على الأراضي السورية، وبذلك أصبحت تتدخل بعمق في مفردات الصراع  في سورية، وعلى الرغم من كل الخطابات الوطنية التي تلقيها الحكومة للشعب التركي ضد سورية إلا إنه منقسم في آراءه  مع أردوغان بشأن العداء مع دمشق، وهناك أيضاً إستياء متزايد في أوساط المواطنين حول تعاون أردوغان مع أمريكا وحلف شمال الأطلسي، وإسرائيل، وبعض الأنظمة العربية ضد السوريين، لذلك يعيش الأتراك  تبعات الأزمة السورية على أرضهم في عنوانين رئيسيين، الأول أمني حيث تصاعدت عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي، والثاني يتعلق بالقضية الكردية التي أنكر أردوغان وجودها من الأصل، ناهيك عن التبعات السلبية لمسألة اللاجئين على الإقتصاد التركي .

في سياق متصل  يقود الرئيس أردوغان وحكومته تركيا لكارثة كبيرة، فتركيا التي كانت تنهض بسرعة كبيرة في الداخل والخارج تبدو اليوم أمام أزمات داخلية وعلاقات سلبية مع دول الجوار الجغرافي، وفي العمق فإن تركيا تشعر بخيبة أمل لما آلت إليها سياستها الخارجية ولاسيما تجاه قضايا الشرق الأوسط، إذ فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار وأصبحت تعاني عزلة إقليمية التي أفضت إلى خلافات عميقة بين أنقرة ومحيطها، توترات وخلافات مع العراق ومصر وليبيا وروسيا وإيران، وبذلك نجحت حكومة أردوغان في إبعاد تركيا عن جيرانها الأكثر أهمية، وإلحاق الضرر بالإقتصاد التركي، وزعزعة استقرار حدود البلاد، التي أدت إلى إرتفاع مستوى البطالة وتزايد حدة التضخم، كل ذلك ساهم في تراجع شعبية حزب العدالة، واليوم يقف أردوغان عاجزاً أمام إنخفاض نسبة النمو الإقتصادي، فضلاً عن إنهيار الشراكة السورية التركية، التي أدت إلى إنهيار سياسة تركيا العربية، كما تلقت تجارة تركيا الواسعة مع دول الخليج العربي ضربة قاسية جرّاء توقّف حركة النقل عبر سورية.

في ذات السياق نجد اليوم أردوغان يعيش حالة من القلق والإرتباك في مواقفه لفشل مشروعه في سورية بعد أكثر من خمس سنوات من التدخل في الأزمة السورية، وإتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل، ولخسارته الأغلبية المطلقة في الإنتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، لذلك تجد تركيا نفسها أمام مأزق حقيقي، فالمنطقة العازلة في شمال سورية أصبحت فِكرة غير قابلة للتحقق في ظل معارضة كل من  روسيا وإيران وسورية والأكراد وعدم حماسة الغرب لهذه المنطقة، كذلك حدوث أزمات أمنية فيها، من تفجيرات وإغتيالات، وإعلان الحرب على داعش وحزب العمال الكردستاني،  كل هذه الأحداث هي دلالة واضحة وشاهد فعلي على تأزم الأوضاع في أنقرة، وإحتمال حدوث حرب أهلية في تركيا هو إحتمال حقيقي متزايد، لذلك إذا تعرضت سورية للخطر، ستحرق تركيا والمنطقة بأكملها، ولهذا السبب حذر عدد من القادة الأتراك  بلادهم وشعبهم من العواقب الوخيمة التي تترتب على التدخل التركي في الشؤون الداخلية لسورية .

السؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو: هل ينبغي على تركيا أن تراجع سياستها تجاه سورية؟ بدلاً من تأييدها للحرب التي تشنها واشنطن وحلفاؤها ضد دمشق؟، وهل بدأت أيضاً تركيا بدفع الثمن كونها طرفاً  أساسياً في الأزمة السورية؟، أعتقد بأنه يجدر على أنقرة أن تتراجع تدريجياً عن موقفها وأن تعتمد موقفاً أكثر حيادية، فاليوم يحتاج مبعوث الأمم المتحدة للسلام إلى مساعدة تركيا في مهمته الصعبة الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة السورية المعقدة، قد تكون هذه الطريقة الوحيدة كي تستعيد تركيا سياستها ودورها وأهميتها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك  ينبغي على تركيا إعادة النظر في علاقاتها مع الدول المجاورة لها وخاصة دمشق، فالدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم، وأن طريق تركيا نحو الإزدهار الإقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الإقتصاد التركي بشكل كبير، وبذلك يخرج أردوغان من الباب الضيق للسلطة، وبإختصار شديد إن تركيا بدلاً من إعتماد سياسة صفر مشاكل مع الدول المجاورة، فإنها تتخبّط اليوم بمشاكل خطيرة على الجبهات كافة، لذلك يجب الحذر من تدعيم لهيب النار الإقليمي في سورية لأنه سوف يحرق تركيا أيضاً في نهاية الأمر.

[email protected]

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.