مخيم جنينجراد… وسؤال التحدي! / د.فايز رشيد
د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 3/9/2015 م …
عبّرت العديد من الفصائل الفلسطينية عن فخرها وتقديرها الشديدين بإفشال رجال المقاومة بمختلف انتماءاتهم في جنين لمخططات الاحتلال,باستهداف قيادات المقاومة، حيث شهدت جنين مساء الاثنين الـ31 من أغسطس الماضي, وصباح الثلاثاء الأول من سبتمبر, معركة تصدي المقاومة للقوات الإسرائيلية التي حاولت الدخولإلى المخيم.
قالت الجبهة الشعبية في بيان لها اليوم:”إن جنين التضحية والفداء كانت وستبقى نموذجًا نضاليًّا عصيًّا على الكسر، ولا يمكن هزيمة روح المقاومة المنبعثة من أزقة وشوارع المخيم، حيث أعادت المقاومة خلال تصديها للعدوان الأذهان إلى معركة جنين البطولية، والتي هُزم فيها الاحتلال شر هزيمة”.وشددت على ضرورة تعزيز وحدة المقاومة من مختلف الفصائل, والاستعداد لتصعيد صهيوني يستهدف المقاومة بالضفة، فالاحتلال لا يستهدف فصيلًا بعينه بل كل الشعب الفلسطيني,وأكدت:أن الأوضاع السياسية الراهنة وفشل الرهان على أوسلو واعتراف القيادة الفلسطينية المتنفذة بذلك، يملي عليها التوقف عن المراوغة والمراوحة في نفس المكان، واتخاذ قرار جريء بدعم صمود شعبنا، وإطلاق العنان للمقاومة، فما فائدة الموازنات الضخمة على الأمن، في ظل آلاف رجال الأمن,طالما لم تكرسهم للدفاع عن الوطن والشعب؟من جهتها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين “أن مدينة جنين قدمت من جديد درسًا آخر للاحتلال تحت عنوان الوحدة ورص الصفوف في مواجهة المحتل، ودللت على حيوية شعبنا الذي يرفض الاستسلام والإذلال, مشددةً على أن الإرادة أقوى سلاح تتكامل فيه الأدوار الوطنية لحماية كل أبناء الشعب الفلسطيني.
صمود أسطوري جديد لمخيم جنين: حاولت قوات الاحتلال اقتحام المخيم ليلا لقتل قادة المقاومة..استخدم الكيان فرقة خاصة من “قوة النخبة”, المعززة بالآليات والمروحيات ..تصدت له فصائل المقاومة .. استمرت المعركة ست عشرة ساعة.. وأمام الصمود والمقاومة, اضطرت القوات الغازية للتراجع خاسئة. مخيم جنين … المخيم الذي ارتبط اسمه بمدينة ستالينجراد السوفييتية في الحرب العالمية الثانية، اقترن اسمه بالصمود في عام 2002 في وجه جحافل القوات الصهيونية، صمد مدة أسبوعين من الأول من نيسان/إبريل إلى الـ15 منه إلى أن نفدت الذخيرة البسيطة بين أيدي مقاتليه، الذين يعدون بمئتين.حوصر عام 2002 بقوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، شارون تابع معركته، ورئيس الأركان أشرف على القوات التي حاصرته. وفقًا للمصادر العسكرية ومنها الإسرائيلية فإن عدد الجنود الإسرائيليين الذين حاصروه 5000 جندي و400 دبابة و125 جرافة و50 طائرة كانت تقصفه ليلًا ونهارًا. باختصار مخيم جنين تُضرب الأمثال في صموده وشجاعة مقاتليه.
للعلم ..المخيم تعرض لاقتحام قوات السلطة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر عام 2014، جيّشت له السلطة 200 دورية من الأمن الوطني والقوة 101، المعروفة بأنها الأعلى تدريبًا في الجهاز، إضافة إلى دوريات أمنية من أجهزة المخابرات والاستخبارات والأمن الوقائي وحرس الرئيس. اقتحموا المخيم عند الساعة الواحدة ليلًا وأغلقوا جميع مداخله.السلطة مارست تضليلًا كبيرًا في تبرير الاقتحام، بأنه جرى لمحاسبة الفاسدين والخارجين عن القانون! كانالاقتحام من أجل اعتقال المقاومين، وكي لا تنطلق عملية مقاومة واحدة ضد الإسرائيليين منه. ليس معقولًا ولم يكن متوقعًا، ولا يمكن التصور، أن إسرائيل والسلطة تشتركان في قاسم مشترك أعظم وهو اقتحام المخيم. كان المخيم عصيًّا على جيش الاحتلال الإسرائيلي وظلّ عصيًّا على اقتحام القوات الأمنية التابعة للسلطة، التي لم تستطع التجول إلا في أطرافه وليس في عمقه. أجهزة السلطة اعتقلت حينها أكثر من 70 مواطنًا، ادّعت أنهم من المطلوبين لديها، على قضايا جنائية وأعمال مخالفة للقانون، كإطلاق النار على مقر المقاطعة في جنين، وإلقاء زجاجات حارقة عليها، وإحداث انفلات أمني بالمدينة.المخيم اشتهر بالصمود في وجه كل الاقتحامات الإسرائيلية.
منذ قدوم محمود عباس إلى السلطة كان همه الوحيد التخلص من المقاومة والمقاومين (المقاومة أصبحت في نظره إرهابًا!) فأصدر الفرمانات السلطانية باعتبار الأجهزة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، تنظيمات غير مشروعة. قامت أجهزته بملاحقة المقاومين واعتقالهم، ولا يزال الكثيرون منهم والناشطون من كافة التنظيمات الفلسطينية معتقلين من قبل السلطة. دعا عباس أيضًا المقاومين إلى تسليم أسلحتهم مقابل عدم اعتقالهم وضمان عدم ملاحقتهم من قبل الإسرائيليين. الذي حصل أن البعض ممن سلّم أسلحته، تم اعتقاله من قبل السلطة، وآخرين لاحقتهم إسرائيل وقامت بتصفيتهم. المقاومة بالنسبة لعباس والسلطة أصبحت أيضًا (عنفًا غير مبرر) والأسلوب الوحيد للمقاومة الذي يُشّرعه عباس هو “المقاومة الشعبية” التي هي الأخرى مفروض عليها أنها لا تستعمل الأسلحة ولا حتى الأحجار، وإلا كانت انتفاضة، وهو ما صرّح به عباس مرارًا بأنه لن يسمح مطلقًا بقيام انتفاضة جديدة. هذا كان جزءًا أساسيًّا من الأهداف (التي كانت في مخيلة أبي مازن عندما أعطى الأمر باقتحام مخيم جنين، ولربما الذي أعطى الأمر هو خليفة دايتون) لاقتحام المخيم.
ليس مصادفة أن يجري استهداف المخيمات في الوطن والشتات في ذات الوقت، فقبل بضعة أشهر وتحديدًا في السادس والعشرين من آب/أغسطس 2014 أي قبل عام تقريبا, اقتحمت قوات الاحتلال الصهيونية مخيم قلنديا وقتلت ثلاثة من أبنائه، استشهدوا وهم يقاومون، ومن ثم جرت اقتحامات لمخيم جنين كما ذكرنا، وفي الفترة نفسها يجري استهداف المخيمات الفلسطينية في سوريا على أيدي الأصوليين، بهدف دفع شباب المخيمات الفلسطينية إلى الهجرة، وبالفعل هاجر عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الدول الأوروبية، مع العلم أن كثيرين منهم ماتوا غرقا في البحر.
المخيم هو دلالة واضحة على المعاناة الفلسطينية، وهي أيضًا دليل راسخ على العذابات والظلم التاريخي الذي تعرّض له الفلسطينيون على مدى قرن زمني ولا يزالون، السلطة تقترف خطيئة كبرى في تبنيها لنهج المفاوضات مع العدو الصهيوني، الذي يسعى جاهدًا إلى زرع 85% من أراضي الضفة الغربية بالمستوطنات، والتي في أي حل تسووي سيتم ضمها إلى إسرائيل، التي تنتهج سياسة فرض الأمر الواقع!يجري الالتزام بنهج المفاوضات في ظل تهويد القدس وتدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وفي ظل المخططات الإسرائيلية لإقامة كنيس يهودي على الجزء الجنوبي منه، يتبنون المفاوضات في ظل إصرار إسرائيل على الوجود الأمني في منطقة غور الأردن، وفي ظل الإصرار على أن تكون الدويلة الفلسطينية العتيدة(الحكم الذاتي في الحقيقة) منزوعة السيادة حتى على معابرها وسمائها وبحرها وما تحت أرضها! فهذه كلها ستبقى بأيدي الإسرائيليين.
ومع كل ذلك يظل الرئيس عباس على وجهة نظره، بأن المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي للسلطة الفلسطينية، ناسيًا أو متناسيًا القانون الأزلي لحركات التحرر الوطني على مستوى القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وهي أن المقاومة بكافة أشكالها وأساليبها، بما فيها الكفاح المسلح، هي القادرة على تحرير الأرض وطرد المحتلين منها. القضية الفلسطينية ليست استثناء من هذا القانون. المقاومة مشروعة بقرارات من الأمم المتحدة: القرار رقم (3034) الصادر بتاريخ الـ18 من كانون الأول/ديسمبر 1972 حول النضال العادل للشعوب، ومما جاء في القرار المذكور، “أن الجمعية العامة تؤكد من جديد على الحق الراسخ لجميع الشعوب التي لا تزال رازحة تحت نير الأنظمة الاستعمارية أو العنصرية والأشكال الأخرى للسيطرة الأجنبية، في تقرير المصير وفي الاستقلال، وتؤيد الطابع الشرعي لنضالها، وعلى الأخص النضال العادل الذي تخوضه حركات التحرر الوطني وفق منظومة وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات هيئاتها بهذا الشأن”. لقد شرّعت الأمم المتحدة كذلك استخدام الكفاح المسلح من قبل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في قرارها رقم (3314) الصادر في الـ14 من شباط/فبراير1974، أجازت هذا الاستخدام من أجل الحرية والاستقلال والحق في تقرير المصير. رغم كل ذلك فإن السلطة وقيادتها وبخاصة محمود عباس يصرون على التفاوض.
تحدٍّ نتوجه به إلى السيد عباس: أن تجرأ قوات الاحتلال على اقتحام مخيم (جنينجراد)! ونسأله: لماذا لا يجرؤون؟.. نتحداه أن يجيب!
التعليقات مغلقة.