في ذكرى رحيل العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله: كلمة وجب أن تُقال / موسى عباس

  السيد ممد حسين فضل الله 

نتيجة بحث الصور عن فضل الله ونصر الله




منذ بداية انطلاقته الدينية والفكرية عملياً على أرض الواقع من حسينية أسرة التآخي في أحد أفقر الأحياء الشعبية في ضاحية بيروت الشرقية  آمن سماحة السيّد محمدحسين فضل الله بأنّ على رجل الدين الداعية والعالم أن ينطلق من موقع الفعل المباشر والمؤثّر  على أرض الواقع  وليس من موقع ردّة الفعل ، لذا عليه أن يطرح الإسلام  من جميع النواحي والمجالات التي تهم الإنسان المعاصر وباللغة التي يفهمها من دون التنازل بأيّ شكلٍ عن المبادىء والتفاصيل مهما كانت الظروف ، فهو قد اعتبر أن مشكلة رجال  الدين الإسلاميين مع الجيل المُعاصر ليس في المضمون الذي يقدًمونه لهم وإنّما في الأسلوب الذي يتبعونه  لإيصال أفكارهم وفي نوعية المفردات التي يصوغون فيها تلك الأفكار ، بحيث يتحدثون مع من يخاطبونهم بغير لغتهم الثقافية التي يجيدون فهمها، لذا يرى ذلك الجيل بأنّ الإسلام ينتمي إلى ذهنية وعقلية قرون غابرة بعيدة  لا تستطيع مواكبة ومعالجة همومه التي يعيشها على أرض الواقع.

-الانطلاقة العملية :

كانت الإنطلاقة من ذلك الحي الشعبي الفقير والمتاخم لأحياء مختلفة دينياً وثقافياً  كما في نمط الحياة، الحي الذي كانت تتقاذف جيل الشباب فيه وتتجاذبه الأحزاب والتنظيمات بأفكارها الماركسية والقومية والبعيدة كل البعد عن المنطلقات الدينية الإسلامية ، تلك الأفكار التي كانت تغزو العقول وتشيع أن: ” الدِّين أفيون الشعوب ” وأنّه أي الدين هو سبب  التخلّف الذي يعاني منه العرب والمسلمون .

في ذلك الجوّ  ودون خوفٍ من تهويلات العقائد الحزبية الماركسية والقومية ذات السطوة في ذلك الوقت، باشر  سماحته عمله التوعوي الديني والفكري وسرعان ما لفتت  أفكاره التي كان يطرحها في محاضراته التي ركّز فيها على تصويب اعتقادات الناس الدينية وعلى تمتين ثقتهم بتلك العقائد ، هذا الأسلوب سرعان ما لفت نظر الشباب المسلم  ، فبدأت تلك المحاضرات تلقى استحساناً وقبولاً ووجدوا  فيها تغذيةً لأرواحهم المتعطّشة إلى شيء جديد يلبي طموحاتهم ويعيد ثقتهم إلى أنفسهم ،كان لدى سماحته برنامج متكامل  من المحاضرات في شتى صنوف المعرفة الإسلامية وعمل على إعداد  جيل جديد من رجال الدين من الشباب الذين اهتدوا لإسلامٍ يُبعِد عنه الإنعزال والتقوقع وإنّما يدفعه إلى لُجّة الحياة مُتّبعاً المنهج الحوزوي الذي كان سائداً في الحوزات الكبرى وإنّما بأسلوب مُكثّف ومتطوّر  بعيداً عن الشكليات والنمطية التي كانت تسيطر على تلك الحوزات، كان أسلوب سماحته في التثقيف والتدريس مُغرياً وهذا ما دفع أولئك الشباب إلى التعمّق وسرعان ما انطلقوا بين عامّة الناس  كفريقٍ واحدٍ متماسك يجاهر بالتزامه بالإسلام الحركي  منتهجاً أسلوب الدعوة إلى الله واستطاع أولئك الشباب المتدينين في حينه وبرفقة سماحته مواجهة دعوات التشريق والتغريب ، وأن ينطلقوا إلى المحيط الأقرب إلى بيروت وأحيائها والأبعد إلى البقاع والجنوب حيث انطلق صوت سماحته  عبر محاضراته المباشرة أو عبر أشرطة التسجيل داعياً إسلامياً متنوّراً يطرح الإسلام على حقيقته فشكّل حالةً جديدة ومُجدّدة تستلهم الإسلام وحركته من أسلوب النبيّ الأكرم (ص) ومن حركيّة وأسلوب أئمّة أهل البيت(ع) الذين  عملوا على سدّ الفراغ في كلّ ما كان يحتاجه الإنسان في حياته السياسية والثقافية والجهادية والروحية ولم يقتصروا في عملهم على جانبٍ واحدٍ من جوانب الحياة مهملين باقي الجوانب.

كان رحمه الله مؤمناً إيماناً راسخاً قطعياً بأن الإسلام قادر على تغذية النفوس وعلى إحياء الأرواح المجدبة ، ومن خلال هذا الإيمان انطلق في مسيرته الجهادية مُتحمّلاً  شتّى صنوف الحقد والتحريض حيث سعى تجّار الدين والسياسة ولازالوا حتى بعد انتقاله الى رحمة الله تعالى بسنوات وللأسف لتشويه صورته البيضاء الناصعة الطاهرة ،ووصلت دعوته  وانتشرت أفكاره في أرجاء المعمورة  .

أراد سماحته الإسلام  موحِداً وموَحَّداً جامعاً  لبني البشر بمُختلف مذاهبهم وعقائدهم على أساس إنسانيّة الإنسان ومواكباً لكلّ الأزمنة لديه الحلّ لجميع المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعيشها المجتمعات وأرادوه إسلاماً متقوقعاً مُنفّراً يهرب منه الناس .

أراده إسلاماً متجدّدا محرّضاً ضد الظلم والطغيان والشخصانية وأرادوه إسلاماً  صنميّاً يُعبَد فيه الفرد وكأنّه الإله .

عندما انطلقت الثورة الإسلامية في إيران رأى فيها سماحته البشارة والشرارة التي يمكن أن تتشكل على أساسها الجمهورية الإسلامية الحقيقية التي يطمح  المسلمون إلى قيامها، ولذلك دعا إلى التفاعل مع قيادتها المتمثلة آنذاك بالإمام الخميني رحمه الله ولم يكتف بذلك بل أخذ على عاتقه التنظير للإستراتيجيات الإسلامية للثورة، الأمر الذي أكسبه إحتراماً وتقديراً كبيراً لدى قيادات الجمهورية الإسلامية في إيران.

قال عنه مرشد الجمهورية السيّد علي الخامنئي حفظه الله:

” كان السيّد محمد حسين فضل الله المخلص والمُقرّب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفياً لنهجها والداعم لها  منذ انطلقت الثورة إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى”.

زرع سماحته بذرة المقاومة في لبنان في عقول الأجيال الشابّة وغذّاها من روحه ورعاها حتى نمت واشتد ساعدها وواكبها في جميع انتصاراتها ولأنّه دعمها بجميع ما كان لديه من طاقات مادية ومعنويّة  لأجل ذلك سعى الأمريكيون والصهاينة لإغتياله كما كان بعض الحاقدين من الأحزاب اليسارية قد حاولوا سابقاً إسكات صوته إغتيالاً عدّة مرات.

هذا نزرّ يسير وغيضٌ قليل من فيضٍ  إلهيٍ كبير من تاريخ سماحة السيّد محمد حسين فضل الله  الذي قال فيه “آية الله السيّد محمد باقر الصدر”  عندما غادر  النجف عائداً إلى لبنان :

” كلّ من غادر النجف خسر النجف أمّا السيّد محمد حسين فضل الله فقد خسرته النجف ولم يخسرها”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.