صفحة من رواية ” رائحة اللوز المرّ ” للروائيّ المبدع قاسم توفيق

Image result for ‫" رائحة اللوز المرّ "‬‎

الأردن العربي  – الأحد 28/7/2019 م …




الجاهز للتوبة جاهز دوماً للخطيئة من جديد، قد لا يبوح بهذا السر لأحد، وقد يكون غائباً عن وعيه الحاضر، فالمؤمن يعرف أننا نحن البشر خطاءون.
السر بالمغفرة، وبما صنعته مفاهيم الحضارة في تفكير البشر وفلسفتهم في تفسير معنى الشر والخطيئة، ومعنى أن يبرأ منهما الإنسان.
منذ الطفولة يتعلم الصغير أن إعلانه التوبة عن إثم يفعله يكفي لتبرئته. طلب التوبة من الولد المذنب لا يكون إلا لتنفيس غضب الأهل الذي يتلبسهم إن أساء الأولاد أو خربوا أو فشلوا في امتحان، أو في تنفيذ ما يطلب منهم، حتى يأتيهم الخلاص ويلبون الأمر الذي سوف ينجيهم من العقاب:
– بوس التوبة.
هذه هي كفارته، الخلاص الذي يأتي مع الطلب المتوعد المليئة حروفه بالتهديد، يلبي الأمر صاغراً دون أن يفكر إن كان قد أخطأ بالفعل أو حتى إن كان يستحق العقاب؟ ودون ان يُعطى الفرصة أمام حفاية الأم المشهرة فوق رأسه، أو تحت حزام الجلد العريض الذي يستله الأب من بنطلونه، لعرض دفاعه عن نفسه أو تبرير الأسباب التي دفعته للخطأ، من المحتمل أن ما اقترفه لم يكن بالأساس خطأ.
يرضخ و يرفع ذاك الأصبع الناعم النحيل، يلصق السبابة بشفتيه الغضتين يبوسها، ثم يصعد بها نحو جبينه، يكرر ذلك ثلاث مرات، فتنزل عليه المغفرة من أبويه ويُمحى الإثم.
دفاع الأولاد عن كونهم حميراً في مادة الإنجليزي أو الرياضيات أمام المعلم القابض بيمينه على مطرق زيتون أخضر و بيسراه يد الولد الصغير المرتعب خوفاً مما سيلحق به ينسى هذا الولد كل شيء ويغيب من أمام وجهه الطلاب واللوح الأسود والجدران والمعلم، ولا يبقى غير العصا التي تتلوى متحفزة مثل الأفعى للدغه، يتفتق ذهن الصغير عن اختلاق كذبات يتفنن في صنعها حتى ينجو من الفلقة أو الحبس في بيت الفئران:
– أصابتني الحمى ليلة أمس.
أو:
– طلب مني أبي أن أساعده في الدكان.
أو:
– أمي كانت مريضة.
أما إن كان ذنبه عظيماً فيقسم:
– والله، إن أخي الصغير ضربته سيارة……
كذبات لا أحد يعرف كيف تقدر هذه الرؤوس الصغيرة على خلقها أو من أين يأتون بها؟ لكنهم يفعلون وينجون من العقاب بالحال كلما كانت الكذبة متقنة أكثر.
تظل الخطايا الصغيرة وتظل معها المغفرة والفرار من العقاب، إلى أن يكبروا وتكبر خطاياهم، تصير أكثر وحشية وقسوة، لم تعد كسر وعاء تحبه الأم، أو التبول دون إرادة في السرير، أو الفشل في تحقيق علامات أعلى في الامتحان، يصير للخطيئة صور أخرى، الغش، الخيانة، السرقة، الانحراف، الحلف الكاذب أمام القاضي حتى يلقي بإنسان بريء في السجن مقابل بضعة دنانير، أكل حق الناس، أو أكلهم هم أنفسهم واضطهادهم وتعذيبهم و طردهم من بيوتهم أو استعبادهم.
لكل خطيئة سعرها في المغفرة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.