السياسة النفطية “السعودية”…. حمقاء / د.احمد فاخر
د.احمد فاخر ( الأردن ) الأربعاء 14/1/2015 م …
تقود “السعودية” ودول الخليج المنتجة للنفط معركة تحطيم أسعار النفط تتوهم فيها إمكانية السيطرة العالمية على أسواق النفط وتكون فيها العامل الرئيسي والمحدد لهذه الأسعار، متسلحة بتجربة تاريخية منذ السبعينات وهي تجربة التأمر على أسعار النفط خدمة للمصالح الجيوسياسية للإمبريالية الغربية، دون أن تدرك تغير الجغرافيا السياسية للعالم وتغير موازين القوى لصالح قوى عالمية صاعدة أو تكتلات دولية اقتصادية وسياسية تفرض واقعاً جديداً في التبادلات الاقتصادية الدولية، وتهيئ الأرضية الواقعية لأشكال جديدة في التعاون الاقتصادي الدولي القائم على تبادل المصالح بعيداً عن التباينات السياسية فيما بينها، ولكنها في جوهرها تبحث في الحد من هيمنة الإمبريالية على المقدرات الاقتصادية العالمية والحد كذلك من احتكار الموارد الاستراتيجية وتسخيرها في تنفيذ المؤامرات الاقتصادية على الدول الصاعدة، والتصدي لخلق المصاعب أمام هذه الدول والتكتلات الجديدة ابتداءاً من توريد المواد الأساسية لتطوير الاقتصاد الوطني وعلى رأسها موارد الطاقة .
يبدو أن “السعودية” وتسحب ورائها الدول الخليجية الأخرى المنتجة للنفط، تخوض معركتها الرئيسية في الحفاظ على حصتها من توريدات الطاقة إلى الأسواق العالمية، وذلك نتيجة للصعوبات التي أصبحت جدية وخاصة بعد تزايد حجم الاعتماد على الغاز الطبيعي وإحلاله بديلاً للنفط العضوي، وتطور تكنولوجيا استخراج النفط الصخري وبكميات ضخمة الأمر الذي أدى إلى خروج المستهلك الأكبر للطاقة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي في طريقها إلى التحول من مستهلك للطاقة إلى مصدر لها، فقد هبطت حصة الولايات المتحدة الأمريكية من النفط “السعودي” والخليجي من 8% إلى 2% خلال الأشهر الأخيرة وهي كمية ضخمة بالنسبة لأسواق النفط عدا عن استعدادها لتصدير كميات كبيرة من النفط الصخري والغاز.
ولدت سياسة إغراق الأسواق التي تمارسها “السعودية” ودول الخليج مأزقاً للدول الأخرى المنتجة للنفط وخلقت أمامها صعوبات اقتصادية تهدد بتعطيل برامجها الاجتماعية والاقتصادية تجاه شعوبها، مما قد يدفعها إلى الرد على “السعودية” ودول الخليج بما يهدد بالفوضى في أسواق النفط العالمية ويصعد السيطرة عليها، ويضع الدول المنتجة للنفط فريسة سهلة أمام القوى الإمبريالية وخصوصاً أن معظم هذه الدول المنتجة للنفط تقود سياسات اجتماعية واقتصادية مناهضة للإمبريالية وفي صدام معها، وعندها لن تتمكن “السعودية” من الحفاظ على أسواقها هي الأخرى ولن يكون في إمكانها زيادة كميات النفط المنتجة، حيث أنها تنتج حالياً بأقصى طاقتها وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لزيادة الإنتاج، لكن المشكلة هنا في أن الشركات الكبرى المنتجة للنفط لن تكون في وارد ضخ الاستثمارات المالية لزيادة الإنتاج في أسواق غارقة بالنفط وعديمة الجدوى اقتصادياً في التوسع، وهذا يشكل فارقاً جوهرياً عن معارك أسعار النفط السابقة في سبعينيات القرن الماضي عندما كانت لدى “السعودية” إمكانية رفع سقف انتاجها بعيداً عن تفاهمات “أوبك” بحيث كانت تصل حتى الحدود الحالية مما كان يخلق فائضاً نفطياً هائلاً في الأسواق ويمَكّن “السعودية” من فرض سياسات تسعيرية مجحفة بحق الدول الأخرى المنتجة للنفط ويخضع هذه الدول لشروط الاحتكارات النفطية الدولية .
ويبدو أن الدول المتضررة بدأت تخطط للرد على هذه السياسات السعودية فقد بدأت روسيا الاتحادية بزيادة قدرتها إلى 200 ألف برميل يومياً وأعلنت عن نيتها زيادة الإنتاج 200 ألف برميل أخرى في الربع الأول من عام 2015 بزيادة على إنتاجها الحالي تقدر بـ 400 ألف برميل يومياً، كما أعلنت الحكومة العراقية بأنها ستصل بإنتاجها إلى 4 ملايين برميل يومياً ابتداءاً من بداية العام 2015 بدلاً من 2.5 مليون برميل يومياً، ومن جهتها تحذر إيران بإن الدول الأخرى وتقصد بها الحلف المعادي للإمبريالية الغربية لديها من الإمكانيات والحنكة في التعامل مع سياسات الإغراق التي تمارسها “السعودية” ودول الخليج.
من الواضح أن”السعودية” لا تدرك المتغيرات الدولية الجارية في عالم اليوم وهي بذلك تغامر حتماً بقدرتها في الحفاظ حتى على أسواقها الحالية نتيجة لهذه السياسات الانتقامية، هذه السياسات التي تضعها في مواجهة الدول المنتجة للنفط مع عدم حسابها لقدرات وإمكانيات هذه الدول في رفع طاقتها الإنتاجية حتى مستويات قياسية؛ وإمكانية دخول دول جديدة منتجة للنفط مثل سورية ولبنان، فإيران مثلاً تخطط لرفع انتاجها إلى 6 ملايين برميل يومياً بانتهاء الحصار وكذلك العراق التي يخطط لإنتاج 10 ملايين برميل يومياً بنهاية 2017 مما يعني قدرة البلدين على حجم إنتاجٍ يوازي حجم إنتاج “السعودية” ودول خليجية أخرى تقريباً، وكذلك تطور التكنولوجيا والإمكانيات العلمية مما يساعد في تخفيض كلف الإنتاج بشكل كبير لدى روسيا، عدا عن تطور تكنولوجيا إنتاج الصخر الزيتي الذي يخفض تكاليف الإنتاج إلى مستويات قياسية .
إن المغامرة “السعودية” في خلق فوضى الأسعار في أسواق النفط خلقت المشاكل والصعاب أمام الشركات الناشئة في مجال استخراج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة وكندا الإمبرياليتين، وجعلتها لقمة سائغة أمام الشركات النفطية الضخمة (الأخوات السبع) والتي بدأت بتهيئة الأجواء للاستيلاء على هذه الشركات الناشئة مما يعزز احتكارية هذه الشركات الكبرى على أسواق النفط.
لا يبدو أن “السعودية” معنية بتفهم الواقع الجديد للمنطقة والمَعْلم الأساسي فيه، وهو حقيقة الإنكفاء الأمريكي عن المنطقة، والذي يعني أولاً وأخيراً عدم حاجتها للنفط “السعودي” بل وحتى على العكس أصبحت في تنافس معها في إنتاج وتسويق النفط.
عملياً أصبحت “السعودية” بدون حلفاء تقريباً ومسألة الحفاظ على أسواقها مسألة مشكوك فيها وذلك لأسباب سياسية واقتصادية، يمكن إجمال هذه الأسباب بإن المستهلكين الكبار للنفط بعد الولايات المتحدة في آسيا والتي تدرك موقع “السعودية”بالنسبة لأمريكا وتبعيتها التاريخية للقرار الأمريكي وعدم قدرتها على دخول السوق السعودي أمام المنافس الأمريكي.
عدا أن دولاً مثل إيران والعراق وسورية ستكون مناطق التنمية القادمة والأسواق الهائلة للتكنولوجيا وما تنتجه هذه الدول الآسيوية الكبرى والتي تستطيع دخول هذه الأسواق التنموية بسهولة إما بسبب التحالف السياسي أو نتيجة لعداء دول النمو المنتظر للولايات المتحدة وأوروبا؛ فهذه الدول الآسيوية الكبرى ستكون ملزمة بأخذ حاجاتها النفطية كمادة أساسية للتبادل التجاري والاقتصادي من دول الحلف المناهض للإمبريالية الأمريكية والأوروبية، فبالإضافة لاحتياجاتها النفطية ستكون بحاجة أسواق لمنتجاتها، فتصبح هذه الدول الآسيوية سوقاً نفطياً لدول النمو مقابل دخولها إلى أسواقها الناشئة بالبُنى التحتية والتكنولوجيا دون منافسة تذكر من قبل أمريكا والأوروبيين، مما يصعب على “السعودية” ودول الخليج الحفاظ حتى على حصتها الحالية في أسواق هذه الدول الآسيوية التي تعد من كبرى الدول المستهلكة للطاقة في العالم، وبالتالي ستبدأ “السعودية” بمحاولة الحصول على هذه الأسواق في تنافس مع حلفائها الحاليين من دول الخليج الأخرى لاقتناص الأسواق لبيع وتسويق نفطهم .
ويصعب كذلك على “السعودية” ودول الخليج منافسة روسيا في أوروبا بسبب تشابك وتعقيد المصالح الاقتصادية الهائلة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.
على “السعودية” أن تدرك أن مرحلة البترودولار قد انقضت، مما يفقد النفط دوره السياسي الضاغط ويتحول إلى سلعة استراتيجية كأية سلعة أخرى، ولن يعود النفط عامل ضغط سياسي على الدول المصدرة أو المستوردة، ويصبح التعامل بالعملات المحلية والذي تخطط له مجموعة البريكس وإيران ومجموعة دول أمريكا اللاتينية، كل هذا يضع أمام “السعودية” واجب التفكير ملياً في هذه السياسات الحمقاء التي تقوم بإغراق الأسواق وتحطيم الأسعار حيث سيتم التغلب على هذه الفوضى خلال عامين ولن تجد بعدها “السعودية” حليفاً لها في هذا العالم وسيذكر لها التأمر والحماقة السياسية والنزعة الانتقامية المتخلفة في التعامل مع العالم وتصبح عبئاً حتى على حلفائها الذين رعوها طوال 90عاماً .
التعليقات مغلقة.