أمريكا وحاجتها الى النفط العربي / د.عبد الحيّ زلوم
د.عبد الحيّ زلّوم ( الأردن ) الإثنين 7/9/2015 م …
ما زالت امريكا تستورد 40 بالمئة من استهلاكها من البترول ومشتقاته أو ما يزيد عن إنتاج الكويت والامارات العربية المتحدة مجتمعتين ونصف عجزها التجاري ناتج عن ذلك .
اصبح من الاخطاء الشائعة جداً بين الاعلاميين العرب ، أن الولايات المتحدة قد أصبحت ذات اكتفاء ذاتي في مجال النفط ومشتقاته بعد ثورة الزيت الصخري. سيفاجئ هؤلاء بقولي أن الولايات المتحدة ما زالت تستورد حوالي 40 بالمئة من احتياجاتها النفطية وأن حوالي 50 بالمئة من العجز التجاري الامريكي سببه هو إستيراد البترول ومشتقاته لتغطية ذلك العجز بين الانتاج والاستهلاك. كذلك فإن ظاهرة الزيت الصخري في الولايات المتحدة وما صاحبها من تهويل فلن تؤثر من قليل أو كثير على مستقبل البترول العربي وأن لهذه الفرقعة الاعلامية التي صاحبت الزيت الصخري ما وراءها وهي محاولة لتبخيس اهمية النفط العربي الاستراتيجية لغرض في نفس يعقوب . ولكي اشرح الموضوع ببساطة، تستورد الولايات المتحدة اليوم من النفط ومشتقاته ما يزيد عن إنتاج الكويت والامارات العربية المتحدة مجتمعتين.
ولا أجد بداً من أن ابين للاخوة القراء لمن عرفوني فقط عبر كتاباتي في رأي اليوم أني مستشار لشؤون النفط ساهمتُ في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات النفط العربية عبر ما يزيد عن 50 سنة في هذا المجال ، بالاضافة الى أعمال استشارية في الغرب و في الهند والصين. لذلك وجدت من الاهمية أن اتطرق لهذا الموضوع الذي استطاع الاعلام الغربي الفاجرالخادم لاصحابه أن يوهم أهل النفط أن بضاعتهم قد فقدت أهميتها ليزدادوا تفريطاً في مصالحهم .
كان معدل انتاج النفط في الولايات المتحدة يعادل 9.36 مليون برميل باليوم سنة 2015 مقابل 10.14 مليون برميل / اليوم للسعودية وحدها . وتتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية أن يهبط الانتاج الامريكي في سنة 2016 الى 8.90 مليون برميل / اليوم.
أن الخطأ الشائع وربما مقصود في ارقام الانتاج سببها أن البترول الخام هو أحد المنتوجات الهايدروكربونية والتي تتكون من البترول الخام زائد سوائل الغاز (NGL) وهو غيرLNG)) + مادة الايثانول + البيوفيول وهي بمجموعها كانت بالنسبة للانتاج الأمريكي لسنة 2014 تساوي 12.60 مليون برميل وتتم مقارنتها مع انتاج البترول الخام السعودي فقط لسنة 2014 البالغ 0.301 مليون برميل /اليوم – والاصل مقارنة هذا الرقم مع رقم 8.71 مليون برميل لانتاج النفط الامريكي فقط . اي أن المقارنة يجب أن تتم بين انتاج النفط السعودي مع انتاج النفط الامريكي لا مع مجموع المنتوجات الهايدروكربونية الامريكية. لكن تنتج السعودية أيضاً من المواد الهايدروكربونية الاخرى مثل سوائل الغاز والايثانول وكذلك الزيادة الناتجة عن التفاعل الهيدروجيني في معامل التكرير. إذن يبقى إنتاج السعودية أعلى من إنتاج الولايات المتحدة من البترول . ناهيك عن بقية الانتاج العربي.
استهلكت الولايات المتحدة سنة 2014 ما مجموعه 19.03 مليون برميل من المواد الهايدوركربونية وحيث ان مجموع انتاجها من النفط مع كل المواد الهايدروكربونية السائلة كان 12.6 مليون برميل ، لذلك استوردت الولايات المتحدة ما معدله 7 مليون برميل من النفط من الخارج وسبّب ذلك حوالي 50% من العجز التجاري الامريكي . وهذه الحقيقة مغيبة تماماً عن الاعلام العربي غير المتخصص.
المقارنة بين انتاج السعودية والولايات المتحدة
لا يوجد اساساً مقارنة بين الانتاج الامريكي الجديد واعتباره تهديداً الى النفط العربي او السعودي لاعتبارات عديدة هذا بعضها :
فأولاً: فإن الابار المنتجة عن طريق الحفر الافقي لأبار الزيت الصخري عمرها قصير . ومع أن عمر التكنولوجيا المستعملة هو أيضاً قصير الا أنه بدى واضحاً كما جاء في مجلة بزنس ويك (10اكتوبر2013) فإنه مثلاً بدأ الأنتاج في البئر 1-3H Serenity برقم محترم نسبياً وهو 1200 برميل / اليوم سنة 2009 . اما في منتصف 2013 فلقد هبط الانتاج الى 100 برميل/ اليوم فقط. كان هذا في ولاية أوكلاهوما . وكمثال أخر فالبئر المعروف Robert Heuer 1-17B بدء انتاجه في ولاية داكوتا الشمالية بقدرة 2358 برميل / اليوم سنة 2004 ولكن انتاجه انخفض 69 بالمئة في السنة الاولى فقط.
لكي يحافظ المستثمرون على كمية انتاجهم من الحقل الواحد يضطروا الى حفر مزيد من الابار للتعويض عن النقص السريع للانتاج . هذه الظاهرة أطلق عليها رجال النفط بظاهرة الملكة الحمراء (Red queen )وذلك نسبة الى الملكة الحمراء التي تقول الى اليس (Alice) في احد الافلام الاميركية :” عليك الركض بكل قواك لتستطيعي البقاء في المكان نفسه”
وثانياً : ان هذا الانتاج مرتفع الكلفة أكثر بكثير من انتاج السعودية أو أي من الدول العربية الاخرى : تقدّر شركة غلوبال سستينبلتيGlobal Sustainability الاستشارية أن الولايات المتحدة بحاجة الى حفر 6000 بئر جديد كل سنة بكلفة 35 مليار دولار للمحافظة على المستوى الحالي من الانتاج فقط . واستطردت الدراسة أن الابار الجديدة المكتشفة طاقاتها الانتاجية بداية ضعيفة مما يعني ان الاماكن الاكثر انتاجية قد تم الانتاج منها. وتتوقع. الدراسة ان يصل الانتاج من هذا النوع من الابار لذروته بحلول سنة 2017 لكن هذا الانتاج سيهبط خلال سنتين أي سنة 2019 الى مستويات سنة 2012 . في حين أن بعض الابار العربية تعمل بطاقتها الكامنة كما في حقول كركوك منذ اكثر من 80 سنة .
ثالثاً : يحتاج حفر البئر ملايين الغالونات من الماء مما يسبب العديد من المشاكل لتوفير هذا المصدر في ولاية تكساس ونيفادا. بالرغم من هذه المشاكل غير المتواجدة في انتاج النفط العربي الا ان هذا الانتاج هو فعلاً ثورة تكنولوجية ، وأيضاً اقتصادية حسنت من ميزان المدفوعات التجاري الامريكي لكنها لم تنقذه . علماً بأن الاثار البيئية للحفر والانتاج لهذا النوع من الابارغير صديقة للبيئة مما جعل هيئة البيئة الامريكية تتردد في الموافقة عليها . كما أن العديد من الدول الاوروبية ما زالت متمنعةً عن قبولها.
رابعاً: الولايات المتحدة بحاجة الى استيراد
ومن المناسب أن نذكر هنا أن الولايات المتحدة تستهلك حالياً أكثر من 19 مليون برميل يوميا فهي بحاجة الى استيراد حوالي 7 مليون برميل يومياً بعد كل هذه الثورة وتلك الانجازات وهو رقم يساوي تقريباً مجموع انتاج الكويت والامارات العربية المتحدة أو نصف الانتاج السعودي .
خامساً: الاحتياط العالمي المثبت للنفط
إن احتياطي النفط الامريكي براً وبحراً هو 30 مليار برميل بينما احتياط المملكة العربية السعودية هو 268 مليار برميل ، أي ان احتياطي العربية السعودية أكبر من الاحتياط الامريكي بـ حوالي 9 مرات . وبينما الاحتياط السعودي هو في المرتبة الثانية عالمياً بعد احتياط فنزويلا فإن الاحتياط الامريكي مرتبته الرابع عشر وهو يأتي بعد ايران العراق ، الكويت، الامارات العربية المتحدة ، ليبيا وحتى قطر.
ونلاحظ هنا أن ترتيب الاحتياطي للدول قد تغير في السنوات العشر الاخيرة، فأصبحت صاحبة الاحتياطي الاول هي فنزويلا ….نتيجة اضافة احتياطي الزيت الثقيل جداً الى مجموع احتياطها بعد ان بدء العمل في استغلاله وأصبح مصنفاً بأنه مجد اقتصادياً . كذلك كندا والتي كانت تملك فقط 5 مليارات برميل من الاحتياطي أصبحت ثالث مالك للاحتياط الكبير بالعالم بعد أن بدأ الانتاج الاقتصادي من بترول الرمل (sand Oil) وتصديره بالملايين من البراميل .
لا شك ان زيادة الانتاج في الولايات المتحدة قد ساهمت الى حد كبير بزيادة الاحتياط النفطي من 16 مليار برميل سنة 2008 ، الى 17 مليار سنة 2009 الى 19 مليار برميل سنة 2010 الى 21 مليار سنة 2011 والى 23 مليار برميل سنة 2012، الى30 مليار / برميل لسنة 2015 ومع ان هذه الزيادة في تلك السنوات الاربع تعني زيادة حوالي 85% الا أنها كميّاً تعتبر زيادة متواضعة.
ماذا لو انخفض انتاج النفط العربي؟
جاء في دراسة مادة الحالة 096-383-9 في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة هارفارد والتي تقول “السيطرة على سعر النفط وكمية انتاجه هما من ركائز الامن القومي الامريكي”. وبدون مواربة ولغة مطاطة فاختصار هذا القول هو أن الولايات المتحدة هي التي تحدد كميات الانتاج من النفط خصوصاً للدول المنتجة الكبرى لهذه المادة وكذلك تتحكم بأكثر من طريقة في السعر . وما نشر القواعد العسكرية فوق مكامن النفط وطرق امداداته الا لتحقيق هذه الغاية .
لذلك ليس سراً ان اكثر الدول في منطقتنا تنتج أكثر بكثير من حاجاتها للتنمية الاقتصادية مما يحول أثمان الفائض عن تلك الحاجة الى خزائن الولايات المتحدة لسد عجوزات ميزانياتها أو في احسن الاحوال الى اسهم في شركاتها لتدعيم اقتصادها . أو الى اسلحةٍ من الجيل الثالث والعاشر يتمّ دفع اثمانها من دول النفط بعد أن تصبح خارج الخدمة في القوات المسلحة الامريكية!
إذن لو تمّ خفض الانتاج الى قرابة احتياجات الدول لاقتصاداتها لكان ذلك نعمة من السماء عليها. إن الانتاج الكافي فقط للتنمية دون فوائض تبادل مادةً ثمينة كالنفط مقابل أوراق تعاد الى اصحابها بطريقة أو بأخرى هو ما يجب أن تتطلّع اليها الدول المنتجة لو كانت هي صاحبة القرار . وأقول صراحة أن ذلك من باب التمنيات وليس بمقدورها أن تفعل ذلك دون تصادم في المصالح مع القوى العالمية المهيمنة وذلك يحتاج الى مقومات هي غير متوفرة في الوقت الحالي .
من المؤسف حقاً أن القوى العظمى المهيمنة على العالم هذه الايام تعتقد ان وجود أكثر احتياطيات النفط تحت اراض عربية أو اسلامية هي صدفة جيولوجية لا أكثر. فهم يرون أنهم هم من قام بإكتشاف واستخراج ونقل وتكرير النفط وهم من يستعملونه في صناعاتهم ومزارعهم واساطيلهم التجارية والحربية ولا يرون بئساً أن يكون لهم نصيب الاسد من هذه الثروة . أفلا يكفي اصحاب ” الصدفة ” هذه أن يشتروا ما ارادوا من سيارات يصنعونها لهم ومن طيبات المأكولات ما ارادوا ، ومن أمراض السكر كما يشاؤون؟
(المصدر : الفصل الحادي عشر من كتاب مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة لمؤلفه د. عبد الحي زلوم)
مستشار ومؤلف وباحث
التعليقات مغلقة.