مصر أولى بسوريا / أيمن الجندي

 

أيمن الجندي ( مصر ) الإثنين 7/9/2015 م …

تحزننا وتدمى قلوبنا المحنة التى يتعرض لها الشعب السورى الحبيب. لو كنتَ عزيزى القارئ- قد زرتَ سوريا مثلى لعلمت أنه لا يستحق هذه المحنة! لعلمتَ كم هو شعب أبى راقٍ كريم العنصر طيب الأعراق. شعب متذوق للفنون عاشق للحياة. شعب جميل المظهر والمخبر!

ولعلمت أيضا كم يحبوننا – نحن المصريين- برغم أنهم لم يجنوا منا غير خيبة الأمل مرة بعد مرة! برغم أنهم كانوا دائما يتطلعون إلينا! برغم إيمانهم العقائدى بالعروبة! برغم شغفهم بالفن المصرى! كنت أسير فى شوارع دمشق لا أصدق أننى فى بلد آخر. الشوارع قطعة من شوارع القاهرة عندما كانت أجمل وأهدأ. وكان صوت أم كلثوم يتسرب من المقاهى، ووجوههم ترق حين يسمعون لهجتى المصرية. كأنهم يسمعون صوتا حبيبا طال انتظاره!

اعتدت منذ زمن بعيد أن أرصد العلاقات المصرية السورية وأعتبرها مؤشراً على نصيب الحالة المصرية من التدهور أو الحضارة. يخبرنا التاريخ أن المصريين فى عهود التقدم يوجهون أنظارهم صوب سوريا، ويهملونها فى حالات الضعف والانهيار. منذ حملات رمسيس الثانى وسوريا فى القلب. سوريا الكبرى بمعناها الشامل الذى يحتوى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. هذه هى سوريا التاريخية التى يمّم صوبها محمد على، وتمنى بكل ما لديه من طموح أن يوحدها. سوريا التى اخترعت القومية العربية وحملوا سيارة جمال عبدالناصر على الأعناق. الشعب الوحيد فى العالم الذى تنازل عن اسم بلاده وعن حكمها، لتصير ولاية فى حلم الدولة العربية الموحدة! هل عرف التاريخ شيئا كهذا؟

هذا الشعب الجميل الكريم الصبور على نوائب الدهر صار مشردا فى مشارق الأرض ومغاربها. لا أظن أن صورة الطفل السورى ووجهه فى البحر ستغادر ذاكرتنا حتى نموت. وكلما شاهدت التقارير القادمة من المجر تساءلت فى حسرة: ألم تكن مصر أولى بهم؟ أليسوا لحمنا وعرضنا وحاضرنا وتاريخنا؟ البعض يظن أنهم سيكونون عبئا علينا والحقيقة أنهم سيكونون إضافة لنا، مثلما تتلاقى الأعراق فيتولد من تلاقيها شرارة الحضارة.

السوريون لم يكونوا فى تاريخهم عبئا على أحد. هم شعب منتج ماهر ذوّاق يحترم قيم العمل ويجيد التجارة. السورى بمجرد أن يصل تجده يخرج فى اليوم التالى مباشرة ليعمل بكل همة وجدية. وما هو الاقتصاد إلا هذه القيمة المضافة؟ أليست هذه الثروة البشرية هى عماد الأمم؟ وهل تقدمت أمريكا إلا بذلك؟ وهل تملك اليابان إلا هذه الثروة البشرية؟

سأحكى لكم عن إحدى قارئاتى من «حلب». أعرفها منذ عشرة أعوام وأكثر. ترعرعت فى عائلة ثرية، تمتلك أسرتها مصانع ومتاجر! وفى العطلات الصيفية تسافر إلى الخارج للنزهة. هذه السيدة المرفهة التى تقلبت فى النعمة، فقدت أسرتها كل شىء فى الحرب الدائرة. كل شىء بمعنى كل شىء. راحت المصانع والبيوت والثروة! فماذا فعلت حين نزحت إلى مصر مع زوجها؟ افتتحت كافيتريا وشرعت فى إنشاء مصنع للخيوط لولا أنه قد تم النصب عليها للأسف، لتُضاف محنة إلى محنتها.

لن أقول لكم: «ارحموا عزيز قوم ذل». إن شاء الله لن يُذل السوريون أبدا. إن شاء الله تتوقف الحرب وتنتهى المحنة ويأتى وقت الحساب النهائى: من وقف معهم؟ ومن لم يبال بهم؟

سوريا تستحق منا أكثر من ذلك. سوريا تستحق أن نكون لهم كالأنصار، نؤثرهم على أنفسنا ولو كانت بنا خصاصة.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.