دحَلان ووطنية الفكرة وشموليّتها /سميح خلف
سميح خلف ( فلسطين ) الأحد 4/8/2019 م …
إن ما أكتبه ليس مقدمة مديح أو تفخيم بمحمد دحلان بل هو ما يجب أن نكتبه عندما ننتناول محطّة من محطات شعبنا وآلامه وجراحه ومصائبه وانتكاساته، والرّجال الذين وقفوا في تلك المحطّة بكل عطائهم الوطني ومواقفهم الإنسانية، هكذا الأمور تقاس، ولكننّا لسنا بصَدد صِناعة طغاة وأصنام ودكتاتوريات عهدناها في سنوات الظلام ومازلنا نعاني منها، وأعتقد أن محمد دحلان ليس مسؤلا عن المستويات المختلفة من ردود الافعال التي يمارسها البعض إعجابًا او انتماءً أو غيره ممّن تثقفوا على ثقافة “الأبَوَات” التاريخية في الساحة الفلسطينية، فتغيير الثقافات يحتاج وقتًا وبرامج وإعداد، ويحتَاج إلى مناخات توجد فيها نُخب تمرّدت على واقع السّلبيات في التجربة الفلسطينية، ولكن إنسانية دحلان ووطنيّته تجاوزت حَد المربّع المُغلق الذي يُريد البَعض أن لا يتجاوزه، فهو انتقل من حالة الفصِيل وثقافتها وخُصوصيتها إلى الفضَاء الرّحب للوطنيّة الفلسطينية، مُتعاملًا طرحًا سياسيًا واجتماعيًا ووطنيًا بل غاص إلى أعماق المُشكل الرّاهن وتداعياته على البنية الإجتماعية الفلسطينية بكل أوصافها وتوصيفاتها الحالية، وأنا على قناعة بأن عقلية محمد دحلان وبساطته وما تتميّز به شخصيّته وسيكُولوجيته بالسّهل المُمتنع لا تستهويها الشعارات الخالية من الفعل ولا أطنان المديح الذي يمارسها البعض في مستويات حدّدتها المناخات الفلسطينية الحالية ودوافعها.. ولا مستويات من الأفعال والمانشتات التي وصفها الدكتور أحمد يوسف الشخصية المعتدلة في حماس “صناعة الاصنام ” وتكرارًا لأصنام الزمان سابقًا وحاضرًا.
دحلان الفتحاوي الذي يعتبر فتح هي المدخل للوطنية الفلسطينية بأدبياتها وليس بحاضرها، ولكن دحلان لم ينسى يوما أنه إبن المخيم وهو القلب المرتجف حنينًا وواقعًا وتفهمًا لمعنى المُخيم ومعنى اللجوء ومضافًا لذلك مستجدات على واقع المُخيمات من فقر وحاجة وبطالة وتفريغ ثقافي كما هي تعاني كُل مستويات الأيقونة الوطنية الفلسطينية ولذلك حدد مواقفه وكما هي الآن من عطاء في كُل المجالات وأينما ذهبت في غزة والضفة ولبنان والشتات، مع إيمانه بأن صناعة الجيل تحتاج نسيان الذات ومصالحها وذلك من قاعدة تفهّمه من رئاسته للشبيبة الفتحاوية وتدرجه النّضالي داخل فتح، هي تلك أيقونات البناء لدى دحلان في تفاعل بينه وبين الشباب وإحتياجاتهم وبينه وبين الفقراء والمستضعفين من شعبه الذين طالتهم يد الإنتقام والغل من قيادة مريضة نرجسية لا تعرف إلا ما هو مقدار تحقيق مصالحها وتلبية لأهوائها بعيدًا عن الوطنية ومفاهيمها ومستوجباتها.
مفترق الطرق:
الوضع الفلسطيني برمّته على مفترق طرق، وهذا يحتّم دراسة الظواهر دراسة دقيقة ومراجعات شجاعة كي نخرج على الاقل وباقل الخسائر والحفاظ على اللبنات الأساسية للوطنية الفلسطينية، فحالة الفصائل ومستوجبات حُضورها أو تواجدها وإن كان هذا واقع بفعل تراكمات التجربة وإن كانت الأحداث والمتغيرات قد تجاوزت هذا الواقع للبحث الجدي في طرق تحقيق الوطنية الفلسطينية وتوحيد موقفها بعيدًا عن مسمّيات أصبحت لا تستطيع معالجة أزمات الواقع، فقصّة الإنقسام ومشاوير المُصالحة وغيرها أصبحت ثوبًا رثًا غير ساتر ولا واقي من كل التحدّيات وآخرها صفقة القرن. إذًا مستوجبات القضية الفلسطينية بحاضرها تدعو لنفس وطرح غير عادي او كلاسيكي، فما يُهدد المصير الفلسطيني الآن أقوى من كل أشكال الصراعات أو التفاهمات البينة بين هذا الفصيل أو ذاك. مناخات تدعو للقفز للوُصول للمفهوم الشمولي لثقافة وبرنامج وطني فلسطيني موحد.
في عام 2012 كتبت مقالا بعنوان: “هل يقود دحلان تيارًا ثالثًا؟” وكنت أستقريء بأنه يجب أن يكون هناك فعل يلملم الحالة الفلسطينية وانقساماتها، وثقتي بأن دحلان قادر أن يكون هو الرّبان الذي يستطيع توجيه السفينة في الظروف الصعبة والقاسية، وعندما قلت تيارًا ثالثًا فهو تيار وسطي يأخذ من أدبيات فتح والميثاق الوطني منهجًا وتطبيقًا وسلوكًا وهي أقصر الطّرق للملمة حاضنة وطنية مشتته، ولكن فتح أيضًا كما هي الحالة الفلسطينية والإندماج العضوي معها في مفترق طرق، وتحتاج للمراجعات وأي فتح نريد هل هي فتح النظام والأدبيات والكفاح المسلح، أم فتح الحل المرحلي والنقاط العشر، أم فتح الواقعية التي أاتت بأوسلو، أو أي ترجمات ومفارقات بين برنامج منظمة التحرير وميثاقها وبين مترجمات منظمة التحرير وبرنامجها بحل الدولتين والأرض مقابل السلام والاعتراف، علمًا بأن الإعتراف سبق بكثير فرضية الدولة الفلسطينية على جزء من الأرض.
هذه اسئلة مشروعة كي نستطيع ان نبدأ، ماذا نريد من فتح وأي فتح؟
إجمالًا نحن في محنة البرنامج والفكر الذي يمكن أن يتعامل مع كل تلك المتغيرات الإقليمية والدولية التي تكاد تختلف عن عام 1965، أو السبيعينات أو الثمانينات أو عام 1993م أو واقع الإستيطان الحالي والإنقسام أو ما بعد الإنتفاضة الثانية أو 2005 وما بعدها أو الواقع الحالي بعرض صفقة القرن.
وعودة لِما أردت إيصاله في هذا المقال، عندما كُنت أرى المتشدّدين فتحاويًا ويغلقوا ملف دحلان وسمير المشهراوي كقائدين فتحاويين، كُنت أمتعظ وأقول لهم يجب أن نركز على أن دحلان قائد وطني وكذلك سمير المشهراوي لما أدركه في تلك الشخصيتين ومنذ عام 2012 م ولكن البعض كان يحب ويرغب تبقى المسمّيات ضيقة المفاهيم والإنجرار للخلف وللماضي ونرى هؤلاء في وسائط إعلامية ومجالس، ولذلك أرى أن كل المناخات والحاجة الفلسطينية الآن وإن كانت تثقل بها الجبال وقد نكون أثقلنا على محمد دحلان وسمير المشهراوي بحمل تئن منه مؤسسات ودول وليس أفراد بما هو مطلوب من معالجات ثقافية وحياتية وظواهر التراجع السياسي والأمني والمعيشي والبطالة والفقر، وكوارث متعددة، أرى أن الوقت قد حضر لأن ينطلق محمد دحلان قائد وطني يمتلك كل المواصفات والحضور والطرح وهنا ليس صناعة لات وعُزة أو أصنام بل صناعة معادلة وطنية تحدث عنها دحلان وسمير المشهراوي في أكثر من لقاء وطرح إلى شراكة وطنية كاملة تدير سفينة الخلاص الوطني من الإحتلال ومن كل الظواهرالتي كرّست الإحتلال وهادنته وتماشت مع مناخاته.
سميح خلف
التعليقات مغلقة.