الإخوان المسلمون والصراع الطائفي الدامي / د. عادل عامر

Image result for ‫عادل عامر‬‎

د. عادل عامر ( مصر ) السبت 17/8/2019 م …




لولا أن المسلمين وعلى مر العصور كانوا قد خاضوا أروع التجارب البحثية ليجتهدوا وينتجوا في كل عصر ما هو مناسب لحياتهم وحسن معاشهم. ونحن بدورنا غير معنيين بتاريخ التوتر الذي نشأ بين الكنيسة وفلاسفة التنوير الأوربيين،

 فهذا أمر صار وراء ظهر أوربا نفسها، فكل ما علينا هو أن نستمر في أن نكون جزءً من الأسرة الإنسانية، فنبني دولنا ونظمنا وحياتنا على خير ما تنتج الإنسانية، فيكون لنا سهم في تطوير المسيرة البشرية برمتها، بدلاً من أن نظل واقفين على أبواب العصر ناظرين وراءنا للماضي البعيد مجترين تراث الفقهاء.

تم إطلاق حملات التكفير المبطن بوصم المثقفين من قبل الجماعات الإسلامية بأنهم علمانيون، كتمييز لهم عن المتفيهقين والمتنطعين الذين أطلقوا لحاهم، وخضعوا لدوراتٍ شرعية وتمكن المال الإسلامي من شرائهم. أنزلوا الدين على السياسة فأساؤوا للدين ولم يكسبوا السياسة

أما الشعب المصري المظلوم بكل فئاته فقد أصبح مهمشاً، ولم يعد معنياً بالصراع القائم، فما هذه إلا حرب طائفية بين متطرفين سنة ومتطرفين اخوان. أوغل الإخوان بالحماقة السياسية والرؤى العصابية وأرادوا أن يُدخلوا المصريين جميعاً في دهاليز أزماتهم وتصوراتهم القاصرة عن إدراك المجتمع المصري وطبيعة التغيير الذي تطلع إليه من خلال الثورة.

سيكون اعتراف جماعة الإخوان بسجّلها المزرى في الحكم، والذي نفَّر الكثيرين في البلاد، نقطة الانطلاق المثالية في عملية التغيير هذه. ومن ثم يمكنها أن تسلّم بالحاجة إلى، والسعي من أجل، الفصل بين السياسة وبين العمل الدعوي، وإعادة الهيكلة التنظيمية والمالية للجماعة، والالتزام الفكري والأيديولوجي بالإجماع الوطني، إن كان هناك إجماع أصلاً، على قيم المواطنة والتعدّدية والمساواة والحريات وحقوق الإنسان.

كما يستبعد الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان اعتماد نهج معتدل. فالجماعة ليست حزباً سياسياً ولا جمعية اجتماعية. وعلى مدى وجودها الذي بلغ ثمانين عاماً، تطورت الجماعة لتتحول إلى مجتمع هرمي مغلق ونفعي منظّم على غرار الطراز البلشفي للقيادة والسيطرة.

 وتعتبر جماعة الإخوان نفسها مجتمعاً مضاداً مؤهّلاً لتمثيل الشعب وقيادته إلى عالم جديد، بحيث تستبدل الدولة الحديثة القائمة بأخرى جديدة تخضع إلى سيطرة الإخوان. ووفقاً للفكرة القطبية “التنظيم أولاً”، فإن كل شيء جائز إذا كان ضرورياً لجماعة الإخوان ومجتمعها.

أنّ الطائفية ظاهرة حديثة بمعناها الذي يتميز من العصبية والطوائف التي عرفها الاجتماع العربي ما قبل الحديث. “يُثبت تاريخ المشرق العربي أنّ التدين السياسي، بغضّ النظر عن نشوئه، إذا وقع في مجتمعات متعددة الطوائف وتعاني أصلًا عدم استقرار في هويتها الوطنية أو القومية، فإنه يؤول بالضرورة إلى طائفية سياسية، حاملًا معه فكره السياسي الديني، أكان سلفيًا أم أصوليًا أم إصلاحيًا ويستخدم الطائفية في التحشيد خلفه”، أنّ الطائفية لا تتعلق بالدين، بل بالجماعة، وفيها المؤمن وغير المؤمن والملتزم دينيًا وغير الملتزم. وليست الطائفية حالةً تبشيريةً ودعويةً، بل هي تعصبٌ لحدود الطائفة، “وحين تجري الدعوة إلى اعتناق المذهب في حالة الطائفية،

ورغم أن سحابة المعيشة كانت السحابة الأكثر ضغطاً على المصريين خلال فترة السبعينات، فقد كان الإخوان ينأون عن هذه القضايا ويتجنبون الخوض فيها، ويرفعون في مواجهتها شعار: «الزمن جزء من العلاج»، ويرددون أنه عندما تقوم دولة الإسلام سوف تحل كل هذه المشكلات، وكأن دولة الإسلام تمتلك العصا السحرية التي مست «سندريلا» فحوّلتها من حال إلى حال.

إنه الوهم الذي أفلحت الجماعة في ترسيخه في أفئدة ووجدان المصريين طيلة العقود السابقة حتى وصلت إلى الحكم عام 2012، ولحظتها اكتشف المصريون أن الإخوان باعوا لهم الوهم وأنهم بلا حول ولا حيلة أمام المشكلات المعيشية التي يعاني منها المواطن.

وعلاوة على الدور الذي تؤديه أيديولوجيا الكتلة الثورية، تسهم لامركزية هيكليتها القيادية في تسهيل إقامة هذه الروابط، إذ لم يعد الأعضاء بحاجة إلى الحصول على إذن مسبق من القيادة للتحرك على الأرض طالما أن أعمالهم تتماشى مع الرؤية العامة للكتلة.

والواقع أن هذه النظرة تؤثر على الكثير من “الإخوان” في ظل القمع الراهن الذي حرمهم من فرص عديدة في مجال العمل الاجتماعي والمعترك السياسي. ومن الممكن لهذا التأثير أن يطال مع الوقت تنظيمات أخرى وأفرادا آخرين بما أن مسؤولي الجماعة يحرصون على تفادي المفاهيم الجهادية والتماس القبول الأيديولوجي من مصادر عامة أخرى.

 ولذلك يجدر بصانعي السياسات الدوليين أن يتنبهوا جيدا إلى كيفية تبلور هذا الانقسام وإلى الطرف الذي يتعاطف معه الرأي العام المصري.

لقد شعرت قوى المجتمع المدني بخطورة سياسة “الأخونة” خصوصاً وأنها بدأت تتسارع بشكل علني يقترب إلى حدود الفجور السياسي. واستنزف الإخوان المسلمون منصب الرئاسة وصلاحياته إلى الحدود القصوى في السنة الأولى من أجل التعجيل بعملية “الأخونة” التي امتدت لتشمل معظم أجهزة الدولة من القضاء إلى السلطة التشريعية بعد أن تم اختطاف الدستور والبدء في سياسة تعيينات إقصائية في المراكز الحساسة.

 وشعرت القوات المسلحة المصرية بالخطر القادم عليها خصوصاً وأن عملية “أخونة” وزارة الداخلية والأجهزة المدنية قد ابتدأت بالفعل. وأخذت الأمور تتضح أمام المواطن المصري العادي بأن العملية لا تهدف إلى “أسلمة” الدولة المصرية من ناحية دينية، بل “أخونة” الدولة المصرية من ناحية سياسية.

 وقد أدى التسارع الملحوظ “لمكتب الإرشاد” ومحمد مرسي في تطبيق برنامج “أخونة” الدولة إلى تفاقم شعور المصريين بالخوف والإحباط والغضب على مصير وطنهم. وابتدأ الشباب المصري في التحرك ومعهم باقي قوى المجتمع المدني في مصر. وكان واضحاً أن الجميع في سباق مع الزمن. الإخوان المسلمون يريدون “أخونة” الدولة المصرية وابتلاعها قبل حلول موعد الانتخابات، والقوى الأخرى في المجتمع المصري تريد منع حصول ذلك قبل فوات الأوان. الذي حصل فعلاً أن المعارضة وقوى المجتمع المدني المصري كانت تهدف إلى وقف انقلاب كانت تعده حركة الإخوان المسلمين للاستيلاء على الدولة المصرية باستعمال “الشرعية” التي توفرها الديمقراطية للرئيس المنتخب.

 فبرنامج “أخونة” الدولة هو انقلاب على الديمقراطية كونه يهدف إلى تحويل النظام السياسي التعددي في الدولة المصرية، وهو أساس الديمقراطية، إلى نظام أحادي الهوية والمذهب يقترب في أصوله وغاياته من نظام المٌلا في دولة مثل إيران تؤمن “بولاية الفقيه” والذي يعادل بمفهوم “الأخونة” ولاية “المرشد العام”.

كما أن الشباب تطلعاتهم أصبحت أكبر لذلك يرتبط معظمهم من خارج الجماعة كما أنهم يعرفون أن الطاعة هي جزء من 10 أجزاء من مبادئ الجماعة للنقاش وإبداء الاعتراض أكثر من قبل كما أن الوصول للمناصب القيادية داخل الجماعة لا يرتبط أبداً بعلاقات النسب وأن قيادات التنظيم لم تصل الى ماهي عليه الان لمجرد علاقات النسب وإلا ما كانت نجحت على هذا النحو فالأصل في القيادة الاخوانية يعتمد على الكفاءة وتبقى المعايير الأخرى تالية لهذا المعيار.

 وبالمقياس نفسه فإن “أخونة” الدولة هو مسار إقصائي يخدم مجموعة بعينها وهو بذلك يتناقض مع مسؤوليات رئيس الجمهورية المنتخب وواجباته الدستورية في أن يكون رئيساً لجميع المصريين وليس لمجموعة بعينها أو حزب بعينه.

وهكذا، عشية انطلاق ثورة الشباب المصري الثانية في 30 يونيو كانت الأمور قد اتضحت بما لا يدع مجالاً للشك. فقوى الشباب والمعارضة المصرية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية كانت تعلم بالضبط ما لا تريد،

 وإن لم تكن متفقة تماماً على ما تريد. فالمعارضة المصرية الضعيفة والمفككة لم تملك التنظيم أو التنظيمات الجامعة المانعة اللازمة للتصدي لتنظيم عقائدي قوي له امتداداته خارج الحدود وإمكاناته الذاتية الضخمة كتنظيم الإخوان المسلمين. وبالرغم من ذلك انطلقت قوى الشباب

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.