ما المبرر للتمسك باتفاق حبر على ورق مهد لصفقة تنكر وجود الشعب الفلسطيني وحقه في دولة ؟! / عبدالحميد الهمشري

 عبدالحميد الهمشري* ( فلسطين ) السبت 17/8/2019 م …



* كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني 
 ( أشكر إسحاق رابين الذي وقع اتفاق أوسلو للحكمة والدهاء الكبيرين اللذين أبداهما أثناء توقيع الاتفاق، من خلال استثناء 60% من الضفة الغربية وتصنيفها كمناطق “ج”  ) .. هذا ما دونه صاحب الفكر اليميني في جيش العدو الصهيوني اللواء احتياط  جرشون هكوهين  مؤخراً.
 فمسيرة السلام المزعوم في ” أوسلو ” أوقعت الفلسطينيين  في  مطب الخداع الصهيوني ، يمينه  ويساره سيان ،  ففترة زعيم حزب العمل إيهود باراك أثناء رئاسته للوزراء على سبيل المثال، لم تختلف كثيراً من حيث عدد الوحدات الاستيطانية التي أقيمت عن زعيم الليكود نتنياهو  ،  فكافة الحكومات الصهيونية المُتعاقبة كانت تستغل بشكل كبير المفاوضات للمزيد من الاستيطان، فغطاء المفاوضات منحت باراك أثناء مفاوضاته عام 2000 مع الفلسطينيين للانسحاب فرصة إقرار المزيد من الاستيطان ، ليعلن وبالفم  المليان لاحقاً أنّ عهده شهد استيطاناً يفوق أربعة أضعاف العهد الذي جاء بعده ، فاستثناء 60% من مناطق الضفة الغربية في اتفاق أوسلو كان فرصة مواتية لتوسع الاحتلال التي تعتبرها الدولة العبرية المتنفس الأهم لها للتوسع العمراني والسكاني، فعملية السلام المزعومة لم تكن سوى مرحلة ووسيلة أراد العدو الصهيوني من  خلالها ابتلاع الضفة باستغلال تهدئة الأوضاع فيها بلعبة السلام  الوهم بالاستيطان الذي لم تُساهم حكومات الاحتلال المتعاقبة بعد أوسلو للحظة واحدة بتجميده فالضفة الغربية بعاصمتها القدس  تعتبر مربط الفرس للمشروع  الصهيوني  من منطلقات جيوستراتيجية وعسكرية وأمنية ودينية توراتية غيبية، حيث  شرعت  سلطات الاحتلال منذ  احتلالها بوضع خرائط ذات أبعاد أمنية ، ديموغرافية، وجغرافية تسهم في  إحكام سيطرتها عليها  ووضعت  عينها في  سبيل ذلك على المقدسات و التلال المهمة والأغوار ، والموارد الطبيعية خاصة مصادر المياه منها لتضييق  حدة الخناق على التجمعات السكانية  الفلسطينية ، فسلطة الاحتلال  منذ العام 1967تحركت  في اتجاهات رئيسية ثلاثة لفرض وقائع جديدة في الضفة الغربية  والقدس  فلجأت  للحد من التمدد العمراني الفلسطيني  في  القدس  والضفة، والسيطرة على مناطق ذات أهمية عسكرية من أغوار وتلال ومرتفعات وممرات مهمة، ومصادر مياه طبيعية ، فحولت وفق  مراكز الدراسات الفلسطينية  48 موقعاً من تلك المصادر لمحميات طبيعية وحدائق وأراضي دولة تشكل تلك المواقع12.4% من مجموع مساحة الضفة ، 88% من هذه المساحة يقع في المنطقة المصنفة “ج”، في الوقت الذي تحتل فيه المستوطنات وملحقاتها نحو 11% من مساحة الضفة، والمناطق المصنفة عسكرية ومغلقة نحو18.5 % ، بمعنى أنه يمنع على الفلسطينيين البناء أو  التصرف في 42%   منها، فيما بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية مع نهاية عام 2018 حوالي 448 ألف مستوطن  وفي  مدينة  القدس عاصمة النضال الفلسطيني  نحو 220 ألف مستوطن يتوزعون على حوالي 150 مستوطنة وأكثر من 120 بؤرة استيطانية ، توزيع المستوطنات وتسمينها  المتواصل منذ عام 1967 في عمق الضفة جاء وفق رؤية استراتيجية خلقت جيوباً وأفرزت واقعاً استيطانياً مثل ستة أصابع في قلب الضفة من شمالها إلى جنوبها، أول هذه الأصابع شمال الضفة لضم مستوطنة “ألون موريه” شمال شرق نابلس، والثاني غرب المدينة لضم مستوطنة “إيتمار”، والإصبع الثالث بين رام الله ونابلس لضم ما يعرف بمجموعة مستوطنات “شيلو، عيليه، معاليه لبونة، رحاليم، متسبيه شيلو”، والإصبع الرابع يمتد إلى مستوطنة “بيت إيل” ويتصل بعد ذلك بمحافظة القدس، والخامس في محافظة بيت لحم ليضم مستوطنات “تقوع، ونيكوديم، متسار شمعون، متسار سيفر، معاليه عاموس”، أما الإصبع الأخير فيصل إلى حدود مدينة الخليل، ليضم “كريات أربع” والبؤر الاستيطانية داخل المدينة، ولتكريس واقع تقطيع هذه الأصابع لأوصال الضفة الغربية شرعت الدولة العبرية بتشييد جدار الفصل العنصري عام 2002 إثر انتفاضة الأقصى، بدعوى منع تسلل المقاومين من مدن الضفة إلى عمق العدو، غير أن رئيس الوزراء الصهيوني حينذاك شارون أعلن أن الهدف الأمني مجرد هدف من ضمن أهداف أخرى، وبحسب صاحب فكرة جدار الفصل أرنون صوفير – أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة حيفا – فإن الجدار صمم بالأساس لاعتبارات سياسية واستراتيجية جوهرها الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية ،  هذا الجدار يبلغ طوله نحو 712 كم حال  اكتماله ، أنجز منه حوالي 65% حتى نهاية العام 2017، عند اكتماله سيقتطع حوالي 9.4% من مساحة الضفة الغربية، ويلتوي الجدار في عمق الضفة الغربية ليضم  71 مستوطنة من أصل 150 مستوطنة يقطنها 85% من مستوطني الضفة الغربية ، هذا الجدار يقسم الضفة الغربية إلى ثلاثة أجزاء، الأول المنطقة التي تقع إلى  الشرق منه  وتضم غور الأردن وتشكل نحو 22% من مساحة الضفة، والثاني غربه ومن ضمنها مدينة القدس والمناطق بين الجدار والخط الأخضر وتبلغ مساحته 23.4% من مساحة الضفة، فيماالثالث وهو أكبرها ويشمل مدن الضفة الغربية الكبرى وملحقاتها وتشكل حوالي 54% من مساحة الضفة، ورغم أنه لا يفصلها عن بعضها إلا أن المستوطنات والطرق الالتفافية تتكفل بفصلها وتحويلها إلى كنتونات ومعازل.
إذن منطقة ” سي”  التي  أصبحت تحت سيطرة الاحتلال وفق أوسلو والتي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الكلية استغلتها  دولة الاحتلال للتمدد الاستيطاني  الذي ضيق  الخناق على الفلسطينيين الذين وصل تعدادهم في نهاية عام 2017 إلى حوالي 2.9 مليون في حوالي 38% فقط من مساحة الضفة، وهي مناطق “أ” و”ب” حسب الاتفاق الشؤم  أبقى التجمعات  الفلسطينية بلا بتواصل جغرافي سيطر فيها الاحتلال على الطرق الرئيسية من خلال أكثر من 700 حاجز ومنفذ للعبور شبه دائمة ، في الوقت التي تتمتع فيه أغلبية المستوطنات في الضفة بهذا التواصل من  خلال  توفير  شبكة مواصلات وبنية تحتية متكاملة  لها ، فجدار الفصل  العنصري قسم الضفة الغربية إلى ثلاث كتل سكانية فلسطينية كبرى الشمال ويضم نابلس وجنين وطولكرم، والوسط رام الله والبيرة، والجنوب وتشمل الخليل وبيت لحم، وبفعل الطرق الالتفافية والجسور والمناطق الأمنية تمت تجزئة الكتل الثلاث إلى ستة كنتونات، والكنتونات إلى 68 معزلاً، ويسيطر الجيش الإسرائيلي على هذه المعازل والكنتونات بصورة شبه كاملة، في مؤشر على طي حلم حل الدولتين الذي يشكل جوهر عملية التسوية واتفاق أوسلو، واستحالة قيام أي كيان فلسطيني حقيقي بالمفهوم السيادي والقانوني وبحده الأدنى.
وأمام هذا الواقع  المرير لم يبق  للفلسطينيين  مبرر للتمسك باتفاق وملحقاته  الاقتصادية والسياسية والأمنية  لم يبق منه على أرض الواقع إلا  الاسم حيث  جيرت كل  تغييرات أجراها على الأرض  لصالحه وفق صفقة  صاغها الاحتلال وتبناها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية ،  تنكر وجود الشعب  الفلسطيني وتشطب حقه في أن تكون له دولة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.