” بنغازي ” من عملية «صفر بصمة».. إلى بريد كلينتون «بنغازي غايت».. ملف لم يُقفل! / داليا قانصو
داليا قانصو ( الأربعاء 9/9/2015 م …
يوم الجمعة المقبل، يبلغ «11 أيلول الليبي» عامه الثالث.
في ذلك التاريخ، هاجمت مجموعة مسلحة في مدينة بنغازي المجمع الديبلوماسي الأميركي، وفشلت قوات أمن محلية في صد الهجوم بسبب تعرضها لنيران كثيفة من قبل المهاجمين، ما أدى إلى مقتل السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز، الذي كان قد عُيّن بعد «ثورة 17 فبراير»، وموظف آخر في القنصلية الأميركية.
بعد ساعات قليلة، أدى هجوم ثان على مركز آخر في المجمع، كان يعرف بـ «الملحق»، ويضم عناصر من الـ «سي آي إيه»، إلى مقتل اثنين من وكالة الاستخبارات المركزية.
يومها، وصف الإعلام الأميركي ما جرى في بنغازي بـ «الفضيحة الأمنية»، التي كان «ابطالها» وزيرة الخارجية آنذاك، والمرشحة الحالية للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون، وفريق من إدارة الرئيس باراك أوباما.
كلينتون سلمت، أخيراً، «خادم» بريدها الإلكتروني الخاص إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي «أف بي آي». القضية التي تتهم بها الإدارة الأميركية أخذت تضيق منذ الهجوم، لتغدو في النهاية بالنسبة الى الديموقراطيين، مجرد «نكتة سمجة» من قبل الحزب الجمهوري المنافس.
فقد برأت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي العام الماضي الـ «سي أي إيه» من أي «إخفاق استخباري» قبل الهجوم، أو من أي إخفاق آخر في ما يتعلق بتلبية نداء بحماية القنصلية وجهته وزارة الخارجية خلال الهجوم، أو حتى من أي نشاط «مشبوه».
جل ما تأكد حتى الآن خلل في حماية مقر القنصلية، بالرغم من تحذير ستيفنز قبل شهور بتدهور الوضع الأمني في المدينة الليبية، كما أن الإدارة الأميركية علمت بأن منفذي الهجوم ينتمون إلى المتطرفين الإسلاميين، وتحديداً إلى جماعة «أنصار الشريعة» الموالية لتنظيم «القاعدة»، مباشرة بعد الهجوم، وأن هؤلاء المتشددين خططوا له قبل عشرة أيام من موعد تنفيذه، بالرغم من أن إدارة أوباما ربطت علناً مقتل ستيفنز والآخرين بغضب شعبي سببه نشر فيلم أميركي مسيء للنبي محمد.
لكن للقصة فصولاً وأبطالاً آخرين، وتعود إلى الأيام الأولى للتدخل «الأطلسي» بهدف إسقاط نظام معمر القذافي. ففي الوقت الذي بدأت فيه طائرات حلف شمال الاطلسي تساند «الثوار» من الجو، تكفلت بعض الدول العربية برعايتهم على الأرض. وفي هذا الشأن، لم يعد سراً الدور القطري تحديداً، واستعانة الدوحة بمقاتلي «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» السابقين، لاسيما اولئك الذين سبق أن أفرج عنهم سيف الإسلام القذافي بموجب عفو في العام 2010، وعلى رأسهم «أمير» الجماعة السلفية عبد الحكيم بلحاج الذي قاتل في أفغانستان، والذي أدار خلال «الثورة» معارك عدة، أهمها معركة إسقاط طرابلس.
«البصمة صفر»..
و«خط الجرذان»
في آذار العام 2011، وقّع أوباما على أمر سري يسمح لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه» بتأمين دعم سري لـ«الثوار» الليبيين، وهي عملية عرفت إعلامياً باسم «البصمة صفر»، وقضت بدعم الوكالة لنقل السلاح إلى ليبيا بتمويل إماراتي ودعم لوجستي قطري.
العملية الأميركية لم تنته عند هذا الحد، فقد دخلت واشنطن أيضاً في تفاوض مع السلطات الليبية الجديدة على عملية لإعادة شراء السلاح الليبي («باي باك»)، وهو ما كشفت عنه للمرة الأولى صحيفة «نيويورك تايمز» في كانون الأول 2011. كانت الحجة الأميركية الخشية من أن تقع الصواريخ المحمولة على الأكتاف والمضادة للطائرات («مانباد») في أيدي أعداء الغرب. هذه العملية أدارتها وزارة الخارجية الأميركية التي كانت كلينتون على رأسها.
بعد مقتل ستيفنز، بدأت فصول الرواية الكاملة تتكشف. صحيفة «التايمز» البريطانية تحدثت في أيلول العام 2012 عن وصول سفينة، قبل أيام من هجوم بنغازي، وتحديداً في الخامس من أيلول، إلى أحد المرافئ التركية، تحمل 400 طن من السلاح من ليبيا، وهي، بحسب قولها، «أكبر شحنة أسلحة تصل إلى يد المقاتلين في سوريا» منذ بدء الأزمة.
من بين الاسلحة المنقولة، صواريخ «أس 7» المضادة للطائرات وقذائف «أر بي جي».
قبلها بأشهر، ضبطت السلطات اللبنانية سفينة محملة بالأسلحة آتية من ليبيا. وبعدها بنحو عامين، لا تزال شحنات الأسلحة تصل من تركيا إلى سوريا، وإحداها، تلك التي فضحت صحيفة «جمهورييت» التركية صورها، والتي أكدت زميلتها مجلة «نوكتا» الأسبوعية أنها «أسلحة ليبية».
من جهتها، ركزت التقارير الصحافية الأميركية، وأبرزها لشبكة «فوكس نيوز» الإخبارية التي باتت تعرف بـ«مهووسة بنغازي»، والمعروفة بانحيازها للحزب الجمهوري الأميركي، على دور الإدارة الأميركية في نقل السلاح من ليبيا إلى سوريا، رابطة العملية بـ«حلقة بنغازي».
وثمة مجموعة تقارير لصحافي، يعرف عن نفسه بإسم «ساندانس» المستعار، لا تزال تلاحق بالتدريج على موقع «ذا كونسيرفاتيف تري هاوس»، فضائح ملف بنغازي.
في شهر ايار الماضي استعان «ساندانس» بوثائق لمجموعة «جوديشيال ووتش» الأميركية، تمكنت من الحصول عليها من وزارة الدفاع الأميركية، وتشير الى ان إدارة اوباما كانت أقله «على علم» بنقل شحنات أسلحة منذ أواخر العام 2011 وحتى أيلول العام 2012، من بنغازي إلى مرفأي بانياس وبرج إسلام السوريين.
ولكن تقريراً للصحافي الأميركي سيمور هيرش في نيسان العام 2014، كان الأكثر وضوحاً.
فاستناداً إلى «ملحق فائق السرية» لتقرير لجنة الإستخبارات التابعة لمجلس النواب الأميركي، تحدث هيرش عن «اتفاق سري بين إدارتي الرئيس الأميركي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان متعلق بخط الجرذان».
ووفق شروط الاتفاق، فإن «سي آي إيه»، ومن خلال تمويل قطري ـ سعودي ـ تركي، ستكون مسؤولة، بدعم من وكالة الإستخبارات البريطانية، على نقل السلاح من ترسانة القذافي إلى سوريا.
ولفت هيرش إلى أن «الاتفاق أداره رئيس (سي آي إيه) آنذاك ديفيد بتراوس، الذي استقال لاحقاً بعد فضيحة علاقة غير شرعية».
ونقل هيرش عن مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية قوله إن القنصلية الأميركية في بنغازي لم تكن سوى «غطاء لعملية نقل الأسلحة الليبية إلى سوريا». ويضيف «حتى حين أوقفت واشنطن فجأة نشاط (سي أي إيه) بعد الهجوم، فإنّ خط الجرذان لم يتوقف عن ضخ السلاح، لأن الأميركيين بكل بساطة لم يعودوا قادرين على السيطرة على ما ينقله الأتراك من ليبيا».
بلحاج والحاراتي..
إلى سوريا در
وعلى هامش «فضيحة بنغازي» أيضاً، لم تقتصر الأسئلة التي دارت، على ما إذا كان السفير الأميركي قد أشرف على نقل السلاح الليبي إلى سوريا، أو أقله، كان على علم بنشاط مكتب الـ«سي آي إيه» في بنغازي.
كان دور ستيفنز في بداية الثورة الليبية، وقبل أن تعينه كلينتون سفيراً، أن يكون صلة الوصل الأميركية مع «الثوار»، من بنغازي إلى درنة ومصراتة، وصولاً إلى طرابلس. وهؤلاء نقلوا «خبرتهم» إلى سوريا منذ بدايات أزمتها، وكان على رأسهم بلحاج الذي قلّده السيناتور الأميركي جون ماكين وساماً، ووصفه بـ«البطل» حين التقاه في ليبيا.
وبالإضافة إلى بلحاج، الراعي الأساسي لتدفق المقاتلين الإسلاميين من ليبيا إلى سوريا في العام 2011 ، يبرز من «الثوار» الليبيين الإسلامي مهدي الحاراتي، الذي يحمل الجنسية الإيرلندية، والذي أنشأ في سوريا في العام 2012 «لواء الأمة»، الذي ضم نحو ستة آلاف مقاتل.
ويروي تقرير لديفيد كيركباتريك نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في العام 2013، تفاصيل لقاء جرى في القنصلية الأميركية في بنغازي، في التاسع من أيلول العام 2012، مع قائد «كتيبة راف الله السحاتي» الإسلامية، التي لم تخف عزمها نقل المقاتلين إلى سوريا.
خلال هذا اللقاء، نصح قائد الكتيبة الأميركيين بمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن «حفاظاً على حياتهم»، ليختم التقرير بأن «ستيفنز مات وهو يحاول مع رؤسائه في واشنطن تحويل أعداء لهم إلى أصدقاء».
في سلسلة الفضيحة، عاد الكثير من المقاتلين الليبيين العام الماضي إلى بلادهم، بطلب من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، لتأسيس فرعه في الساحل الأفريقي، كما نعى التنظيم المتشدد العديد من مقاتليه الليبيين في سوريا، والذين منهم من قاتل قبل الانضمام إليه في صفوف «لواء الأمة»، بالرغم من أن هذا اللواء نفى في العام الماضي انضمامه إلى التنظيم المتطرف.
أبعد من بريد خاص
في تشرين الأول المقبل، يتوقع ان تستجوب كلينتون أمام «لجنة مجلس النواب الأميركي المختارة حول هجوم بنغازي».
أميركياً، يبدو أن القضية تقلصت كثيراً، لتقتصر على وزيرة خارجية استخدمت بريدها الخاص في مراسلات ديبلوماسية، بعضها يتوجب أن يحمل طابع «السرية»، أو في إخفاقها في تأمين حماية لمقر الديبلوماسية، بالرغم من أن تراي غودي، رئيس اللجنة التي أنشأها خلال العام الماضي رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر، قد أكد لموقع «بوليتيكو» مؤخراً ان «اللجنة غيرت مسارها بعض الشيء لتتحول من التحقيق في الهجوم بحد ذاته، إلى مراجعة القرارات التي اتخذتها كلينتون في ما خص ليبيا، والتي سبقت الهجوم».
لكن لجنة بنغازي، وعبر موقعها الخاص على الإنترنت، تجيب عن سؤال حول ما إذا كانت واشنطن قد شاركت بنقل السلاح الليبي إلى سوريا، بـ«لا»، وذلك استناداً إلى النتيجة التي توصلت إليها لجنة الإستخبارات الدائمة لمجلس النواب الأميركي العام الماضي، والتي برأت البعثة الديبلوماسية الأميركية في بنغازي من تسهيل نقل السلاح غير الشرعي إلى سوريا.
لجنة بنغازي حتى الآن مستمرة في استجواباتها ومراجعة آلاف البيانات المتعلقة بالهجوم، ومنها بريد كلينتون.
الحملة الجمهورية على وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مستمرة أيضاً، وقد تهدد مستقبلها السياسي، بعدما انخفضت شعبيتها في الفترة الأخيرة، بسبب ما بات يعرف بـ «كلينتون ليكس».
لكن «حماسة كلينتون لمساندة الثوار السوريين»، تبخرت من القضية، و«نبش القبور» بات يقتصر على ما يهدد المصلحة الأميركية وأمن بعثاتها الديبلوماسية، رغم أنف التقارير العديدة التي تقاطعت جميعها على إثبات التأجيج الأميركي للحرب السورية منذ أيامها الأولى، ومن البوابة الليبية تحديداً، بالتنسيق مع دول عديدة في المنطقة.
بنغازي، وليبيا، وسوريا، لم تعد فضيحة أميركية في قلب فضيحة. والإسلام التكفيري الذي اتهمت كلينتون بلادها بخلقه، أمكن سحب «حلقة بنغازي» منه بسحر ساحر.
واشنطن اليوم، ومعها «تحالف» كبير يضم تركيا، وقطر، والسعودية، تشن حرباً في مواجهة الإرهاب. ولعلّ تفصيلا «كبيرا» بهذا الحجم تجوز معه أن تموت الأسرار الصغيرة!
كشفت الأمم المتحدة، في نيسان العام 2013، عن أن «كميات كبيرة من الأسلحة الليبية نقلت إلى سوريا وقطاع غزة ومصر ودول أخرى، وأن حركة تمرد ضد الحكومة المصرية في سيناء حصلت على جزء منها».
وأكد تقرير أعده فريق خبراء تابع للجنة العقوبات على ليبيا في مجلس الأمن، والمشكّلة بموجب القرار الدولي رقم 1973، أن «مقاتلين ليبيين وصلوا إلى سوريا إضافة إلى أسلحة وذخائر، من خلال عمليات منظّمة بإشراف مجموعة من الأفرقاء الفاعلين في ليبيا وسوريا والدول المجاورة لسوريا أو بموافقتها»، مشيرا إلى أن «سوريا شكلت مقصداً بارزاً للمقاتلين الليبيين الذين انضم عدد منهم إلى الألوية المسلحة المعارضة بشكل فردي أو من خلال شبكات لدعم المعارضة السورية».
وأوضح الفريق الاممي أن «عتاداً عسكرياً أرسل من ليبيا إلى سوريا عبر شبكات وطرق مختلفة إما عن طريق تركيا أو شمال لبنان»، لافتا إلى أن «ضخامة حجم بعض الشحنات والمكوّنات اللوجستية التي تنطوي عليها تشير إلى أن ممثلين عن السلطات المحلية الليبية على الأقل قد يكونون على علم بعمليات النقل، إن لم يكونوا مشاركين فيها مباشرة».
ويشير الفريق الأممي إلى أنه «استند في الكثير من التحليل الوارد في التقرير إلى معلومات متبادلة بين وكالات أمن دولية إضافة إلى بعض المقاتلين الليبيين في سوريا».
وتحدث التقرير الدولي بالتفصيل عن الباخرة «لطف الله 2» التي ضبطتها السلطات اللبنانية في مرفأ طرابلس شمال لبنان في 27 نيسان العام 2012، مشيرا إلى أن «مالك السفينة مواطن سوري يدعى محمد خفاجي، وانها حُمّلت أسلحة في مصراتة بعدما رست هناك في 4 نيسان العام 2012، ومنها اتجهت في 14 نيسان العام 2012 إلى غولوك في تركيا ثم الإسكندرية في مصر، وأخيراً إلى طرابلس في لبنان، وأن الحاويات حُملت في مصراتة وكانت لا تزال مختومة عندما ضبطتها السلطات اللبنانية».
وأوضح التقرير الذي تسلم مجلس الأمن نسخة منه أن «الفريق عاين السفينة ووجد على متنها أسلحة ونظم أسلحة متطورة منها نظم دفاع جوي محمولة وقذائف موجهة مضادة للدبابات وأنواع مختلفة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة والثقيلة والذخائر، كما وجد الفريق شعار جمعية خيرية ليبية تدعى جمعية الفارس سليمان إسراح على صناديق عدة فيها عتاد يشمل أجهزة اتصال جديدة بما فيها أجهزة لاسلكي».
وأكد التقرير أن «نقل الأسلحة والمقاتلين من ليبيا بات أخيراً يتم بوتيرة أكثر انتظاماً وكميات أكبر إلى منطقتين جغرافيتين هما مصر ومنطقة الساحل في أفريقيا، كما حصل نشاط ملحوظ لعمليات نقل مقاتلين وأسلحة إلى سوريا وقطاع غزة».
التعليقات مغلقة.