تونس : أفاعى و عقارب / احمد الحباسي
احمد الحباسي ( تونس ) الجمعة 23/8/2019 م …
كأنهم فقدوا ذاكرتهم ، هم من أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه اليوم، تآمروا على الوطن و قتلوه ثم مشوا في جنازته و لم يخجلوا بأن وقفوا يتلقون العزاء فيه و فيهم مثل السيد الرئيس المؤقت السابق محمد المرزوقي من خير نثر الدموع الحارة حسرة على وفاة رئيس دولة عربية لا تجمعه به لا أواصر توجه فكرى أو مشهور بدفاعه عن حقوق الإنسان أو غرام مستفيض بالديمقراطية بدل الإسهال في نفس سيلان الدموع و استعمال دستة المناديل لتنشيف تلك الدموع حسرة على هؤلاء الذين استهدفهم إرهاب الإخوان و عقل الموت الآتي من رحم كهوف تورا بورا و أفاقي شيوخ الفضائيات الممولين من المال الخليجي القذر ، لعلهم فقدوا الذاكرة فجأة بعد أن فقدوا الضمير نهائيا ، لكن ذاكرة الشعب قوية بما يكفى حتى لا تنسى كل زناة الثورة الموءودة و شذاذ السلوك و قتلة الحلم ، هم سبب الكارثة و نعرفهم جيدا ، إسما إسما ، فردا فردا ، فعلا فعلا ، جريمة جريمة ، خيانة خيانة ، نفاقا نفاقا .
في البداية كانت هذه الثورة المثخنة بعذاب و جراح سنوات الجمر ثورة الشعب المنهك الظمآن إلى الحرية و حقوق الإنسان و كانت المطالب الشعبية بسيطة بساطة تفكير أغلبية الكادحين و البطالين و الخارجين عن القانون و المنبوذين و المحتاجين ، كانت مسيرات هذه الجموع التي عتم عليها تلفزيون الحكومة و كشفها تلفزيون العالم تمر بين القرى و بين عربات البوليس بكثير من المشاكل و الصعوبات و ستظل هذه المسيرات الشعبية المهيبة الصارخة المرتجفة الخائفة تاجا على رأس التونسيين، مشاهد لا تنسى لم تعرفها كل الدول العربية بمثل ذلك الزخم و الوعي و النظام منذ أن عرف العرب أنفسهم ، لكن بمجرد دخول قناة الجزيرة من بين قنوات أجنبية أخرى بعينها على خط الثورة بات فينا من تشكك و من راحت به الظنون بعيدا و تكاثرت و تناسلت الأسئلة و فينا من أيقن لحظتها أن الثورة قد سرقت و أن وراء الأكمة ما وراءها، لقد تدخلت الأفاعي و العقارب لتسمم الشعارات و المطالب و الحدث نفسه لتأخذ الثورة منعرجا جديدا باتت تفاصيله و خفاياه مجهولة إلى هذا اليوم .
لقد ركبت حركة النهضة الحدث و خرجت قياداتها من تحت التراب و عاد من عاد منهم من بعض البلدان التي ثبت بالأدلة أنها لم تسهل مقامهم بها لوجه الله بل كانت تعدهم لمثل هذه اللحظات و الأزمات ، منذ تلك اللحظة بدأت أجزاء الصورة المخيفة تتجمع ببطء شديد إلى أن جاءت عمليات اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و الحاج محمد الابراهمى لتكشف بشاعة و قبح وجه هذه الحركة و قلة شهامة و وطنية من شاركوها الحكم و الصمت على الجرائم ،تذرف العيون الدم بدل الدموع و هي تراجع بمنتهى الانشغال ما حدث من خطايا طيلة حكم هذا الثلاثي الإخطبوط ( النهضة – المؤتمر – التكتل ) الذي تولى حكم البلاد تحت يافطة ” الإسلام هو الحل ” ليتحول الشعار إلى ” النهضة هي المشكلة ” ، لم تسلم كل القطاعات من الفساد بحيث تورطت كل قيادات الحركة في تحويل موارد الدولة لخلاص ” أجور ” القتلة و الخونة الذين تسللوا للخارج و استقروا في قنوات الخليج المتآمرة على تونس ينفثون سمومهم و يبثون الإشاعات و يتهجمون على المؤسسات العسكرية و الأمنية و القضائية و التعليمية .
من الطبيعي أن يستمر هذا الإخطبوط و تستمر معه ” الحاشية ” و بطانة السوء إياها و لذلك شاهدنا للأسف رجوع السادة مصطفى بن جعفر و محمد المرزوقي و محمد عبو و الهاشمي الحامدى و الياس فخفاخ و حاتم بولبيار و عبد الفتاح مورو للعب دور الكومبارس الهجين و لعل مكان أغلب هؤلاء هو السجن بل أنه لو تواصلت الثورة أو تشكلت محاكم شعبية لكانت رؤوسهم مطلبا شعبيا لا تنازل عنه مهما كان الثمن ، ربما لم يحن وقت الحساب و العقاب حيث تكون النهاية لكل هذه الشخصيات المشبوهة و ربما ستكون هذه الانتخابات نقطة النهاية لكثير منها في انتظار استكمال الأبحاث و التحقيقات للوصول إلى محاكمات ينتظر أنها ستكشف الكثير من الحقائق المرعبة الصادمة و الخبايا و الخفايا المزعجة لأكثر من طرف، كل هؤلاء الفاسدين و غيرهم ممن نصبوا المشانق للشعب و شتموه بأقبح النعوت في المحطات الأجنبية و نهبوا أمواله و دمروا ثورته يستحقون نهاية سيئة ليتجرعوا من ذات الكأس بل ليتعلم الباقون و المقامرون و الوسطاء و الخماسة و المكاسة أن دوام الحال من المحال لان الخيانة و أفعال المرتزقة و قطاع الطرق ستبقى وصمة عار تعلو جبينهم على مر الأجيال .
لقد بلغ العبث المجاني بالمال العام و بقدرات البلاد في عهد حكم “أدعياء الفضيلة ” درجة السفاهة بحيث كان الفاسدون يغترفون منه بلا حسيب و لا رقيب بل يتصرفون بمنطق عصابة على بابا و اللصوص الأربعين ، لقد دمروا في طريقهم كل شيء و مارسوا سياسة الخزائن المنهوبة بعد أن كلفوا رهطا من عصاباتهم بممارسة سياسة الأرض المحروقة بإشعال الحرائق في الأشجار و مزارع القمح ، لقد كان همّ هؤلاء هو البقاء في السلطة حتى لو دمروا كل مقدرات البلاد و أذلوا العباد و أوصلوا البلاد إلى باب و عتبة الحرب الأهلية ، الآن يتلونون معتقدين أنه لا يزال هناك مكان للأفاعي و العقارب بعد أن سمموا الشعب حتى بدا منهكا خائرا مترنحا لكن هذا المريض نفسه هو من سيلسع هذه الأفاعي و العقارب لسعة الموت التي لا شفاء منها أبدا .
تحية
تستطيع و ( يحبذ ) أن تراسلنا على العنوان التالي:
[email protected]