هل حقاً تركيا تنزلق نحو حرب أهلية؟ / د. خيام الزعبي

 

 

د. خيام الزعبي ( سورية ) الخميس 10/9/2015 م …

لم يكن مقتل السبعة عشر جندياً تركياً على يد حزب العمال الكردستاني في كمين جنوب شرقي تركيا بعيداً عن الحراك الشعبي الكردي المعادي لحكومة أردوغان، وبهذا العمل ربط الرئيس التركي ما يجري ميدانياً من تطورات وهجمات ضد الجيش التركي بما جرى في الداخل مع الإنتخابات والتقدم الكبير لحزب الشعوب الديمقراطي المقرب من الأكراد في البرلمان، هذا مما  دفع بانقرة للتوغل شمال العراق لمطاردة مقاتلي حزب العمال، فمجموعة التطورات هذه تطرح الكثير من الأسئلة والتي من أهمها، أي تداعيات ستتركها الهجمات الكردية على جنود الجيش وقوات الأمن التركية؟.

لا شك أن عدم الإستقرار هو العنوان الأبرز للمرحلة الحالية في تركيا منذ إنتخابات السابع من يونيو الماضي التي خسر حزب العدالة والتنمية فيها الأغلبية المطلقة، لذلك ليس من المؤكد أن تؤدي الإنتخابات القادمة الى مشهد سياسي جديد ومستقر، خاصة بعد تراجع الحالة الإقتصادية، والتي تأثرت بشكل واضح خلال الفترة الإنتقالية حيث وصلت الليرة التركية إلى مستويات قياسية في التراجع أمام الدولار وهو تذبذب مرشح للإستمرار في ظل حالة عدم الإستقرار السياسي، والإعتداءات المستمرة من حزب العمال الكردستاني، إضافة للظروف الإقليمية والدولية وعلى رأسها محيط تركيا الساخن، والأزمة اليونانية والصينية المؤثرة في الإقتصاد العالمي وخاصة إقتصاد الدول النامية ومنها تركيا، بالإضافة الى التوتر في الحالة الأمنية التي دخلتها البلاد ما بعد الإنتخابات الأخيرة، وإزدياد أعداد الضحايا لا سيما المدنيين، وآخر هذه التطورات كان إعلان حزب أردوغان حملته العسكرية على القسم الكردي من تركيا من خلال تنفيذ ضربات جوية تستهدف تجمعهم، هذا ما يدفع البلاد إلى هاوية الحرب الأهلية، في هذا الإطارما يحدث في تركيا من تصاعد وتسخين للأوضاع في ظل عدم إظهار أي إهتمام من قبل الحكومة التركية، متغاضية عن ما يحدث في البلاد من أعمال عنف وسقوط قتلى،  وإهتمامها فقط الى ما ستؤول إليه الإنتخابات البرلمانية القادمة، لذلك أكد الرئيس التركي أن الحكومة لا تتحمل مسئولية دخول تركيا دوامة ما يحدث من إرهاب، وأن المسئولية تقع على عاتق منظمة حزب العمال الكردستاني  وقيادتها وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي .

في سياق متصل إن تركيا التي أدارت  الصراع  في المنطقة  خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية لكن في الحقيقة سقط هذا الرهان خاصة بعد أن فشل اردوغان من إعادة خلط الأوراق وإحداث فوضى عسى أن يتمكن من إقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي أو غير ذلك ولكن كل هذه الأوهام تلاشت وإنهارت لأن كل المدن السورية على مختلف المكونات والأطياف هبوا ليقفوا صفاً واحداً  للقضاء على داعش وطردها مؤكدين  أن الإرهاب سيرتد على أصاحبه، لذلك كان الوضع الكردي المستجد في شمال سورية هو من أكثر النتائج سلبية لما تشهده سورية على واقع تركيا ودور تركيا في المنطقة.

في السياق ذاته الرئيس أردوغان اليوم مخطئ تماماً حين يعتقد بأن هدنة ما بعد الحرب على الأكراد ستوجد حالة من تخويفهم وجعلهم يصوتون له في الإنتخابات، لذلك من المرجح على ما هو عليه أن تتجه الأمور نحو التصعيد والأجواء لن تكون مستقرة في الأيام القادمة، وإن هذه المغامرة قد تجر وتسرع الأمور إلى حرب أهلية مع الأكراد، والأبعد من ذلك الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي الذي سيتأزم إذا ما استمرت الأزمة، كما أن أردوغان فتح نافذة للطامعين من خلال تحريك ملف الأكراد بشكل واسع، لذلك  فإذا حقق أردوغان اهدافه المؤقتة من هذه اللعبة فسيكون قد خسر أيضاً، صحيح أنه سيستطيع إحداث تراجع في البرلمان لصالح الأكراد إلا أنه سيكون قد قلّب الأكراد عليه، وأكبر دليل على ذلك إتهام حزب الشعوب الديمقراطى التركي المؤيد لقضايا الأكراد، الحزب الحاكم، بتنظيم هجمات القوميين على مقر الحزب، ما يدفع البلاد إلى حافة الهاوية وأشتعال فتيل الحرب الأهلية.

مجملاً… هناك قلق تركي حقيقي يتعلق بأمنها القومي من هجمات إرهابية محتملة قد يشنها إرهابيون شاركوا الجماعات والمنظمات المتطرفة القتال في سورية، حيث باتت عودة الإرهابيين الى تركيا مسجل خطر يهدد المصالح التركية على مختلف الأصعدة، حيث يرى الكثير من المحللين أن هذا التهديد الأمني المضطرد في تركيا، هو نتيجة لسياسة التخبط  والتردد المتبعة في مواجهة وتوجيه الإرهاب من السلطة التركية، وخاصة عملية تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة وزجهم في الحرب السورية.

وأخيراً يمكنني القول إن نتائج الإنتخابات المبكرة لن تغير كثيراً من صورة الموقف السياسي في البلاد، على العكس ثمة سيناريوهات قوية في أن يؤدي تكرار فشل أردوغان فى الإنتخابات القادمة الى تصدع كامل فى صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم، والمتوقع ان تشهد الساحة السياسية في البلاد تصفية حسابات، لذلك يبدو أن تركيا على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة وحاسمة، وبإختصار شديد إن تركيا تتجه بسرعة كبيرة إلى فخ الحرب الأهلية إذا استمرات حكومة أردوغان فى الدفع تجاه تأجيج الصراع المسلح مع الأكراد مما يعيد إلى الأذهان حقبة التسيعنيات السوداء إلى ذاكرة الشعب التركى من جديد.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.