الأردن العربي – الأربعاء 4/9/2019 م …
* حكومة الأردن تتفسخ وثنائي المعشّر- حماد يُعيق العمل وينتج المشكلات
* الفريق الاقتصادي تحت المجهر وإشارات الملك قد لا تكون تحذيرية فقط
* الخيارات مفتوحة من تعديل موسع حتى تغيير كامل
* القصر مهتم ببديل “مختلف” واستقالة “أبو غزالة” تثير التكهنات
كتبت فرح مرقة …
لا يمكن عدّ أو إحصاء كل من “أفتى” في الأردن بالمخالفة الدستورية من عدمها في ملف “ضمان النواب” الذي بات رمزاً للكثير من الأزمات بين السلطات، ولكن الممكن عمليا قد يكون القول بأن العدّ التنازلي بعد الجدلية الحالية للبرلمان والحكومة بات قاب قوسين أو أدنى، وما طالب به النائب خالد رمضان من ثورة بيضاء يقوم بها صاحب القرار تحلّ المجلسين سيناريو يقترب.
جدلية الملف، بدأت إذ قرر مجلس النواب إضافة فقرة لقانون معدّل ارسلته الحكومة، وهو ما اعتبره النائب المخضرم ووزير العدل الأسبق عبد الكريم الدغمي “ضلال للطريق”، إذ يفترض ان المجلس شكلا لا يستطيع إضافة مادة لتشريع معدّل، في حين ساهمت المادة ذاتها التي تدرج أعضاء مجلسي النواب والاعيان ضمن مستحقي الضمان الاجتماعي وبالتالي تكلّف خزينة الدولة المزيد من الأعباء، في زيادة الجدل في الشارع ضد مجلس النواب، ولحق بذلك رفض مجلس الملك للتعديل.
مجلس الاعيان (مجلس الملك)، أظهر رفضا للإضافة- رغم انه قد يستفيد منها-، وهو الامر الذي جعل الرجل الثاني في الحكومة الدكتور رجائي المعشر يزيد الطين بلة وهو يخوض حوارات مع أعضاء المجلس (الذي كان عضواً سابقا فيه) أوحى فيها بأن إقرار المادة كما هي جزءاً من “المصلحة الوطنية العليا” وهو تعبير حساس جدا يحمل في طيّاته التوجيه بإقرار القانون، فاستفز أعضاء الاعيان، ما استدعى انتقادا حادّاً للحكومة ممثلة بالمعشر من العين هيفاء النجار، وفق ما نقله موقع القوات المسلحة “هلا أخبار”.
إضافة إلى ذلك، دافع المعشر عن المادة باعتبار اضافتها تمت بتوافق بين الحكومة والنواب، وهو الامر الذي يحمّل الحكومة عبء مخالفة القاعدة الدستورية التي تؤكد على الفصل بين السلطات، ويزيد من الغضب الشعبي ضدها كمتآمرة مع المجلس النيابي لمنح الأخير امتيازات إضافية. بعيدا عن هذه الحادثة أصلا ينظر الشارع لأعضاء السلطتين كمستفيدين من زيادة أعبائه، إذ يحصل السلطة التشريعية والتنفيذية على رواتب مرتفعة وامتيازات كثيرة رغم سوء الوضع الاقتصادي.
بعيدا عن ملف “ضمان النواب” والذي قد يتم البت في مرور الفقرة فيه من عدمها في جلسة مشتركة (غدا) الخميس بين مجلس الملك ونواب الشعب، يبدو الرجل الثاني في الحكومة الدكتور المعشر يزيد مجدداً من أخطاء الفريق الذي ينتمي اليه، بعد اخفاق كبير يُتهم به الرجل بملف الضرائب التي ارتفعت على المواطنين ولم تحقق المرجو منها ابدا.
التذمر من الرجل ليس حكرا على المحتجين، فالأنباء الواردة من الدوار الرابع تؤكد أن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز نفسه قد ضاق ذرعاً ببعض ممارسات فريقه وهو يسمّي “المحافِظَين منه”: نائبه الدكتور المعشر، ووزير الداخلية المستحدث سلامة حماد، إذ أسهم الرجلان مؤخرا في خلق المزيد من البلبلة والجدل في الشارع بعد اثبات فشل في سياستهما في التعامل مع التفاصيل.
تجلى فشل تنظير المعشر في زيادة الضرائب بالنتائج التي حققتها الحكومة، ولاحقاً في إثارة جدلٍ حاد مع أعضاء مجلس الاعيان وهو يبرر تعديلات قانون الضمان الاجتماعي باعتبارها توافقا حكوميا نيابيا، ضاربا عرض الحائط ما كان يحاول الرزاز ارساءه من تكريس لفصل السلطات من جهة ومن ايحاء بنزاهة حكومته عن تقديم أي امتيازات لنفسها او لأي سلطة أخرى.
أما حمّاد- والذي يرى فيه الرزاز اليوم ثنائيا مع المعشر لا يكتفي بإعاقة عمل الحكومة بل وينتج لها المزيد من الإشكالات التي كانت بغنى عنها-، فقد اغضب رئيس الحكومة فعلا حين اتخذ قراره الأخير بإحالة أمين عام وزارة الداخلية رائد العدوان الى التقاعد بعمر الثامنة والأربعين، في وقت كان الرزاز قد تحفظ على القرار قبل سفره الأخير الى إيطاليا.
حماد اتخذ القرار في غياب الرئيس ليزيد الاتهامات لوزاراته والحكومة بتصفية الحسابات الشخصية مجددا والتي بدأها حماد نفسه بتوقيف النائبة السابقة هند الفايز مع أيامه الأولى لدخوله لوزارة الرزاز.
بهذا المعنى تزداد الشروخات في الحكومة من الداخل وهو الامر الذي لا يقتصر على الثنائي المحافظ، اذ بات وزراء الطاقم الاقتصادي كلهم تحت مجهر الرزاز الذي اصبح يبدو اكثر شراسة وغضبا مما عرفه عنه المقربون منه، وتزداد اليوم حدّة الرجل مع ملاحظات ملكية وجّهت للفريق قبل أسبوعين سأل فيها عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني عن خطة الحكومة في التعامل مع الاستثمار والمستثمرين في إشارة لهروب رؤوس الأموال من البلاد.
الإشارة الملكية لا تكون بالعادة تنبيها ولا تحذيرا كما يصرّ البعض على تسميتها، فالاشارة الملكية عمليا هي رفع للغطاء عن الحكومة، وهو الامر الذي يعني ان سيناريو الثورة البيضاء بانتظار شرارة قد تكون الخميس مع جلسة الاعيان والنواب، او مع احتجاجات المعلمين (متوقعة الخميس أيضا) التي قد تؤزم موقف الحكومة اكثر.
فريق الدكتور الرزاز متفسّخ تماما من الداخل وفيه الكثير من الزحام الذي يعيق العمل، كما ينقصه بكل الأحوال الكثير من التنسيق، وهذه الحالة قد تمهد اما لتعديل وزاري واسع وهنا على الرئيس ان يبدأ به بأسرع وقت ممكن ويتجرأ لإزالة عناصر التأزيم فعلا ودراسة خياراته في التعديل الذي قد يكون الأخير على حكومته، أو ستكون المرحلة واجواؤها ممهدة لتغيير حكومي كامل وهنا تتصاعد ازمة البديل بعد تأكيدات على ان القصر لا يزال متحفظا على الخيارات ذات الوقع القوي مثل الدكتورة ريما خلف او عبد الاله الخطيب باعتبارها خيارات توحي بحجم الازمة سلف، وتبدو كخيارات طوارئ.
رغم ذلك، ينظر البعض لاستقالة واحد من اكبر رجال الاعمال بالأردن وهو الدكتور طلال أبو غزالة من مجلس الملك والتي قبلها الأخير مساء الثلاثاء باعتبار الرجل قد يكون رجل المرحلة المقبلة، وهنا تكون عمان قد اتخذت قرارها بورقة مختلفة تولي فيها رجل اعمال زمام الأمور.
أبو غزالة احد اكبر رجال الاعمال في البلاد وهو يملك سلسلة من المؤسسات التعليمية والمالية كما ينشط في المجال العام الأردني بصورة واضحة ومنذ زمن، وهو بطبيعة الحال مثير للجدل بسبب إصراره على ضرورة “ضبط الإنتاجية” في مؤسسات العمل الحكومي والخاص.
حتى اللحظة يبدو الحديث عن تولي رجل الاعمال أبو غزالة رئاسة الوزراء ضمن سياق التكهنات، خصوصا ورئاسة الوزراء في مرحلة كهذه قد لا تكون مطمعا لابوغزالة نفسه أيضا، ولكن السيناريوهات في القصر مفتوحة، بعدما رفع الأخير الغطاء الوحيد الذي كان يحمي حكومة الدكتور الرزاز بصورتها الحالية.
التعليقات مغلقة.