السعودية … أسرار الصعود المفاجئ… كيف يتصدّر خالد بن سلمان المشهد بدلاً من أخيه؟
الأردن العربي – السبت 7/9/2019 م …
كتب ثروت منصور:
يواصل الأمير خالد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً صعوده القوي في المشهد السياسي، داخل السعودية أو في علاقة بالمملكة بالولايات المتحدة، الحليف الأول للرياض عالمياً، في ظل تراجع ظهور شقيقه ولي العهد محمد بن سلمان منذ جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
يشغل الأمير خالد حالياً منصب نائب وزير الدفاع، وجذب الأنظار إليه بسبب لباقته في الهجوم على إيران و”حزب الله”، خلال لقاء مع شبكة “سي أن أن” الأمريكية تحدّث فيه بطلاقة معارض أمريكي لطهران في “الحزب الجمهوري”، وباللغة الإنكليزية التي لا يتقنها جيداً شقيقه محمد.
في مطلع الأسبوع الجاري، اختتم الأمير خالد زيارة مهمة إلى واشنطن كانت الأولى له بعد مغادرة منصبه كسفير لبلاده في واشنطن، التقى خلالها وزيري الدفاع مارك إسبر والخارجية مايك بومبيو، وقالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية إنها تمت بإيعاز من شقيقه، بعدما باتت زيارة الأخير للدول الغربية شبه مرفوضة بسبب قضية خاشقجي، وفي ظل ما وُصف بالتذبذب في موقف الرئيس دونالد ترامب حول إيران واليمن.
ما هي تجارب الأمير خالد بن سلمان؟
عُيّن الأمير خالد سفيراً للمملكة في واشنطن في 22 نيسان/ أبريل 2017، وذلك على الرغم من خبرته الدبلوماسية القليلة بسبب وجوده لتسع سنوات كضابط في سلاح الجو الملكي السعودي، بحسب تعليق صحيفة “نيويورك تايمز”.
في آذار/ مارس 2018، نُشرت تقارير في عدة وسائل إعلامية أمريكية وبريطانية تتحدث عن حياة مترفة يعيشها الأمير السعودي خلال عمله في واشنطن كسفير للمملكة، إذ اشترى منزلاً بـ12 مليون دولار قبل أسابيع من تعيينه في المنصب، كما أنفق 8 ملايين دولار في عام واحد، جزء منها على طائرة خاصة تكلّف 30 ألف دولار مقابل الساعة الواحدة.
تقول “نيويورك تايمز”: “في أول رحلة رسمية قام بها الأمير خالد داخل الولايات المتحدة كسفير، زار ضباطاً عسكريين سعوديين في قاعدة نيليس الجوية في نيفادا على متن طائرة فاخرة ملأى بالنساء اللواتي كن يتجولن لتقديم القهوة أو المناشف الساخنة كل بضع دقائق”.
وتعود معرفة الأمريكيين، لا سيما جنرالات وزارة الدفاع، بالأمير خالد إلى ما قبل معرفتهم بأخيه ولي العهد، بسبب قضائه وقتاً طويلاً في الولايات المتحدة منذ صغره لتلقي تدريبات على قيادة أحدث المقاتلات الحربية في قواعد الجيش، وهو ما مكّنه من صناعة صداقات وعلاقات بعدد من كبار الشخصيات.
يقول أندرو إكسوم، صديق الأمير السعودي ونائب مساعد وزير الدفاع السابق لسياسة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، إن الخلفية العسكرية للسفير السابق- بما في ذلك الوقت الذي قضاه في برامج التدريب في قواعد سلاح الجو الأمريكي في ميسيسيبي وتكساس ونيفادا- أنتجت “نوعاً مختلفاً من المسؤول السعودي”.
ريما بنت بندر تحل سفيرة في واشنطن محل خالد بن سلمان فهل تغيّر صورة السعودية؟
بعد أربع سنوات من التحالف… كيف يمكن تفسير انقلاب الإمارات على “الشرعية” في اليمن؟
نيويورك تايمز: بن سلمان أوصى بتشكيل فريق سري لإسكات المُعارضين قبل مقتل خاشقجي
ويضيف إكسوم متحدثاً لصحيفة “نيويورك تايمز”: “كان يعيش حقاً في أمريكا، وليس على السواحل”.
وكان الأمير خالد قد شارك في “الحرب على الإرهاب”، وتحديداً في أكبر العمليات التي قادتها الولايات المتحدة على تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وقاد مقاتلات أغارت على التنظيم في بداية الحملة التي شاركت فيها أكثر من 60 دولة.
في فبراير 2019، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير خالد نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير قبل أن يكمل مدته المقررة كسفير للسعودية في الولايات المتحدة.
ويظهر الأمير خالد أكثر قرباً من شقيقه لأفراد الجيش السعودي كونه عسكرياً مثلهم، إذ تنقل “نيويورك تايمز” عن أحد المقربين للأمير وهو محمد العجمي، الضابط في سلاح الجو السعودي، قوله إنه رافق الأمير خلال عشرات الغارات والطلعات فوق اليمن وسوريا ووجده متواضعاً وحيوياً ولم يتخلّ عن مهماته يوماً.
وقال العجمي إن الأمير خالد لا يتقن التزلج، معلقاً أن “هذا هو الشيء الوحيد الذي لم ينجح فيه”، في إشارة منه إلى نجاحه في مختلف المجالات الأخرى.
الأمير خالد في المشهدين السوداني واليمني
برز الأمير خالد أكثر من غيره في التعليق على القضايا السياسية التي تمس المملكة بشكل عام، وذلك من خلال لقاءاته مع وسائل الإعلام أو عبر ما يكتبه بالعربية والإنكليزية على حسابه على “تويتر” الذي يتابعه الصحافيون والمراقبون لمعرفة مواقف الرياض من الأزمات الحالية، في ظل تراجع الظهور الإعلامي الرسمي لمحمد بن سلمان الذي لا يملك أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
في يونيو الماضي، أجرى نائب وزير الخارجية الأمريكي ديفيد هيل اتصالاً هاتفياً بالأمير خالد تناول خلاله الطرفان الأزمة السودانية و”حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين السلميين من قبل المجلس العسكري الانتقالي”.
قبل هذا الاتصال الهاتفي اللافت، نشرت بعض التقارير معلومات غير مؤكدة عن زيارة سرية قام بها الأمير خالد للخرطوم دون أن توضح تفاصيل حول أهداف تلك الزيارة.
أما في الأزمة التي تشهدها عدن حالياً، فكان الأمير خالد المسؤول السعودي الأبرز والوحيد الذي علّق على أخبار النزاع بين الحكومة الشرعية و”المجلس الانتقالي الجنوبي”.
وقال في سلسلة تغريدات على “تويتر”: “نرفض أي استخدام للسلاح في عدن والإخلال بالأمن والاستقرار، وندعو لضبط النفس وتغليب الحكمة ومصلحة الدولة اليمنية، لذلك دعت المملكة لحوار سياسي مع الحكومة اليمنية الشرعية في مدينة جدة”.
وأضاف: “أكد المجتمع الدولي اليوم على مواقفهم الرافضة تجاه ما يحدث في العاصمة المؤقتة عدن، والمملكة لن تقبل إشعال فتنة جديدة هي بمثابة إعلان حرب على الشعب اليمني الشقيق الذي عانى طويلاً من هذه الأزمة”.
وفي السياق نفسه، أكدت مواقع استخباراتية في تقارير لها أن الأمير خالد هو من يدير الأزمة اليمنية بعد توليه منصب نائب وزير الدفاع.
وفي ظل التكهنات حول حدوث صدام بين المملكة والإمارات في اليمن، خرج الأمير خالد ليتحدث عن “العلاقة الأخوية الراسخة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وقيادتيهما، والتعاون الوثيق بين البلدين في مختلف المجالات، هذه العلاقة هي حجر الزاوية لأمن واستقرار المنطقة ورخائها، أمام مشاريع التطرف، والفوضى، والفتنة، والتقسيم”.
تفاصيل زيارة الأمير خالد إلى واشنطن
يقول الباحث في العلوم السياسية في جامعة “جورج واشنطن” عاطف عبد الجواد إن المحادثات التي أجراها الأمير خالد مع الجانب الأمريكي تركزت على جهود الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، مضيفاً أن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت لصحافيين أن بومبيو والأمير الشاب أعربا بعد اجتماعهما عن تأييد حل للأزمة الحالية في عدن عن طريق المفاوضات بين “الحكومة الشرعية” و”المجلس الانتقالي”، كما تناولت المحادثات زوايا أخرى للحرب اليمنية.
ويكشف عبد الجواد لرصيف22 أن أهم ما تناولته اللقاءات كان رغبة واشنطن في عقد محادثات سرية في سلطنة عمان مع الحوثيين وحرصها على أن تشارك السعودية في هذه المحادثات لإنهاء الحرب، في خطوة يمكن أن تشكل أيضاً تمهيداً لاتفاق أوسع مع إيران.
ويتابع: “تطلب واشنطن من الرياض تهميش دور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بسبب معارضته للمحادثات الأمريكية مع الحوثي”، موضحاً أن “الجانب الأمريكي ممثل في المحادثات بالسفير كريستوفر هنزل وهو أول سفير أمريكي في اليمن في عهد الرئيس ترامب. وقد نسّق هنزل مع كبير المتحدثين باسم الحوثيين وهو محمد عبد السلام”.
من جانبه، يقول المحلل والكاتب الصحافي السعودي عادل الحمدان إن زيارة الأمير خالد للولايات المتحدة الأمريكية جاءت في توقيت بالغ الأهمية، خاصة أن المنطقة تشهد غلياناً في العديد من الملفات، وفي مقدمها التهديد الإيراني للملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز.
ويقول الحمدان لرصيف22: “المباحثات التي أجراها الأمير خالد في واشنطن عكست تطابقاً في وجهتي نظر البلدين تجاه التصعيد الإيراني، وضرورة التصدي بحزم لنشاطات طهران الإرهابية، وسلوكها العدواني تجاه دول الجوار وما يشكله هذا السلوك من تهديد لأمن واستقرار المنطقة والعالم”.
ويلفت الحمدان إلى أن سلسلة اللقاءات التي جمعت نائب وزير الدفاع بأعضاء الإدارة الأمريكية بحثت أيضاً “الأزمة اليمنية وتطوراتها والتصعيد المتواصل من قبل الميلشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران وتكرار استهدافها للمدن السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة”.
أما وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فقد نقلت مجموعة من التحليلات لعدد من الخبراء مفادها أن هدف الزيارة هو القلق السعودي من احتمال عقد لقاء بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، وأن الأمير خالد بلا شك يريد تأكيدات من الإدارة بأنها لن تضعف موقفها المتشدد تجاه إيران ولن تُعرّض المصالح السعودية للخطر.
في المقابل، تحدثت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن “المشكلة التي تواجه الأمير خالد” وتتمثل في اتهامه بأنه هو مَن اقترح على خاشقجي التوجه للقنصلية السعودية في إسطنبول، لكنه نفى ذلك قائلاً: “كما قلنا لصحيفة واشنطن بوست، آخر مرة تواصلت فيها مع السيد خاشقجي كانت عبر رسالة نصية في 26 أكتوبر 2017، ولم أتحدث معه عبر الهاتف مطلقاً، وبالتأكيد لم أقترح عليه الذهاب لتركيا لأي سبب من الأسباب، وأدعو الحكومة الأمريكية لنشر أي معلومات متعلقة بهذه المزاعم”.
لكن هذا النفي يبقى محل تشكيك، ففي بداية أزمة قتل خاشقجي صرّح الأمير بأن التقارير التي تشير إلى أن خاشقجي اختفى في القنصلية في اسطنبول أو أن سلطات المملكة احتجزته أو قتلته هي زائفة تماماً ولا أساس لها من الصحة، ثم اعترفت الرياض في ما بعد بوقوع الجريمة.
هل تفضل واشنطن العمل مع خالد بن سلمان؟
يُشير السفير الأمريكي السابق في البحرين آدم إيرلي إلى أن “الأمير خالد هو المسؤول الحالي عن قضايا الدفاع والحرب في اليمن والملف الأمريكي، وهو في الواقع المسؤول الرقم 3 في المملكة العربية السعودية”.
ويقول لرصيف22: “على هذا النحو، من الضروري والمهم أن تجري مشاورات منتظمة ومباشرة مع أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية. ويجب النظر إلى اجتماعاته في واشنطن على أنها مُكمّل للتنسيق السياسي مع ولي العهد الذي لا يزال حليفاً وشريكاً حاسماً للولايات المتحدة، وليس بديلاً منه”.
من جانبه، يرى محلل السياسات الأمنية فى البنتاغون سابقاً مايكل معلوف أن ولي العهد السعودي ليس لديه شعبية قوية في واشنطن، في الكونغرس خصوصاً وفي وسائل الإعلام الأمريكية عموماً، وهو ما يؤثر على عمله مع الإدارة الأمريكية.
ويضيف معلوف لرصيف22: “من خلال خالد بن سلمان تستطيع إدارة ترامب مواصلة العمل بشكل يومي مع المملكة العربية السعودية التي تعتبرها الولايات المتحدة ركيزة أساسية لسياستها العامة في الشرق الأوسط”.
في المقابل، يقول معلوف إنه يشك في أن “الولايات المتحدة سوف تضغط من أجل طرد محمد بن سلمان بسبب الخوف من عدم الاستقرار في المملكة في هذا الوقت”.
بدوره، يعتقد عبد الجواد أن “وجود الأمير محمد بن سلمان مرهون بمستقبل ترامب في البيت الأبيض وهو بات محفوفاً بالشكوك في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في نوفمبر 2020″، معلقاً بالقول: “سوف يرتبط مستقبل ولي العهد بمستقبل ترامب سياسياً”.
ويشرح: “هناك أصوات في الكونغرس دعت الملك سلمان إلى تعيين ولي لولي العهد، لكن من السابق لأوانه الحكم على مستقبل محمد بن سلمان أو حتى على مستقبل أخيه خالد لسبب آخر هو أن الكونغرس كان قد وجّه إصبع الاتهام إلى الأمير خالد بالتواطؤ مع أخيه في ترتيبات قتل خاشقجي”.
من جهة ثانية، يعتبر عبد الجواد أن الأمير خالد “قد يكون مقبولاً بدرجة أكبر لأن تورطه أقل من تورط أخيه في جريمة القتل وأيضاً في إدارة الحرب… إضافة الى حملة اعتقال الناشطات السعوديات وأنصار حقوق الإنسان في المملكة. بمعنى آخر، يرى الكونغرس سجلاً أقل سوءاً للأمير خالد من سجل ولي العهد الحالي”.
التعليقات مغلقة.