تعادل سكاني في فلسطين التاريخية
الأردن العربي ( الجمعة ) 11/9/2015 م …
ما زال سكان إسرائيل يغلب عليهم اليهود لكن أعداد العرب داخل فلسطين التاريخية توشك الآن أن تتجاوز اليهود لتخلق مأزقا لدعاة “حل الدولة الواحدة” للصراع في المنطقة.
وتنبئ الاتجاهات السكانية الطويلة الأمد بأن من يريدون أن يتعايش اليهود والفلسطينيون معا في دولة إسرائيلية واحدة موسعة -ومنهم الرئيس الاسرائيلي روبين ريفلين- يواجهون سؤالا صعبا مؤداه: كيف يمكن لإسرائيل أن تبقى ديمقراطية ويهودية معا إذا أصبح الناخبون العرب أغلبية داخل حدودها؟
ولا تزال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يساندان حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا إلى جنب. وعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليلزم نفسه بهذا الهدف مع إنه بدا وكأنه تخلى عنه قبل الانتخابات في مارس آذار.
غير أن بعض خبراء الشرق الأوسط يرون أنه احتمال متناقص يثير إمكانية ظهور بدائل أكثر تطرفا. مهما يكن من أمر فإن التعادل السكاني يضعف حجج دعاة قيام دولة موسعة تتألف من إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.
ونشر المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء هذا الأسبوع أرقاما جديدة لأعداد السكان كما يفعل كل عام قبل العطلات اليهودية تُظهِر أن عدد السكان في إسرائيل زاد 1.9 في المائة في الاثنى عشر شهرا الماضية إلى 8.4 مليون نسمة.
وأشادت الصحف الإسرائيلية في عناوينها الرئيسية بمولد 168 ألف طفل وزيادة نسبتها 35 في المائة في أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل لاسيما من فرنسا وروسيا وأوكرانيا.
ولكن خلف الأرقام تكمن أسئلة صعبة بشأن النواحي الديموغرافية وقدرة إسرائيل على أن تبقى ديمقراطية ويهودية معا كما ينص على ذلك إعلان قيام دولة اسرائيل.
وتُظهِر الأرقام أن 74.9 في المائة من سكان إسرائيل يهود (6.3 مليون نسمة) وأن 20.7 في المائة (1.75 مليون نسمة) عرب مسلمون ومسيحيون يتألفون من فلسطينيين بقوا في إسرائيل بعد قيامها عام 1948. والبقية مسيحيون غير عرب في معظمهم.
وبهذا يتمتع اليهود بتفوق ديمغرافي واضح حتى إذا كان نمو السكان العرب أعلى قليلا. غير أن الصورة تصبح معقدة إذا أخذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية في الحسبان وكذلك علاقتها بقطاع غزة الذي كان محتلا حتى عام 2005 ولا يزال خاضعا لقيود شديدة.
وتظهر بيانات المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء أن السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية بلغ عددهم 2.79 مليون نسمة في عام 2014. وفي غزة بلغ عددهم 1.76 مليون. وبهذا يكون المجموع 4.55 مليون نسمة في المناطق التي يريد الفلسطينيون أن يقيموا عليها دولتهم المستقلة.
وإذا أضيف إليهم 1.75 مليون عربي يعيشون في إسرائيل يكون عدد السكان المنحدرين من أصل فلسطيني في إسرائيل والمناطق الفلسطينية 6.3 مليون نسمة وهو نفس عدد اليهود. وبالنظر إلى أن الأرقام الفلسطينية نشرت قبل عام فإن الاحتمال قوي أن يكون عدد العرب قد تجاوز بالفعل عدد اليهود.
ما هو المستقبل؟
ومن إحدى الزوايا هذه مجرد لعبة أرقام. لكنها من ناحية أخرى مسألة سياسية بالغة الحساسية تمس جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والهدف القائم منذ وقت طويل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وكانت آخر محادثات سلام ترعاها الولايات المتحدة بين الجانبين انهارت في أبريل نيسان عام 2014 تاركة حل الدولتين أبعد منالا.
ويرفض بعض الساسة اليمينيين ومنهم أعضاء في حكومة نتنياهو فكرة دولة فلسطينية مستقلة رفضا تاما ويقترحون بدلا من ذلك ضم معظم الضفة الغربية.
ويدافع آخرون منهم الرئيس ريفلين عن حل الدولة الواحدة لكن سيكون من الصعب على إسرائيل أن تبقى ديمقراطية وتستمر في وصف نفسها بأنها دولة يهودية إذا تحقق هذا السيناريو.
وقال مايكل بارنيت الأستاذ في جامعة جورج واشنطن في صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي “من منظور من يريدون الحفاظ على سلامة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية يصبح حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي تزداد الحاجة إليه إلحاحا.”
وأضاف قوله “وأي شيء آخر مؤداه إما أن إسرائيل لن تبقى ديمقراطية (بجعلها الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية للاحتفاظ بطابعها اليهودي) أو لن تبقى يهودية (لأن أول شيء سيفعله الناخبون الفلسطينيون هو تغيير هوية إسرائيل من يهودية إلى أي شئ آخر).”
ونظرا لأن الجهود الدبلوماسية ما زالت غير مثمرة فإن الوضع القائم – الذي يستمر فيه الاحتلال الإسرائيلي ولا تقوم فيه أبدا دولة فلسطينية- سيستمر في المستقبل المنظور أو أن خطوات متطرفة قد تتخذ مؤدية إلى نتيجة بديلة مثل حل الدولة الواحدة.
ولكن إذا كان الحال كذلك فإنه يجب على إسرائيل أن تدرس جديا كيف تحافظ على هويتها اليهودية ووضعها كديمقراطية كاملة الأركان في الشرق الأوسط يتمتع فيها الشعبان اليهودي والفلسطيني بحقوق متساوية.
التعليقات مغلقة.