مصر، بين الدّعاية الحكومية والأرقام / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) الإثنين 9/9/2019 م …

التقى المُشِير عبد الفتاح السيسي، يوم الثالث من أيلول/سبتمبر 2019، السيدة “كريستالينا جورجييفا”، التي تحتل منصب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي، وتُرشّحُها أوروبا، التي يعود لها التعيين (في اتفاق غير مكتوب مع الولايات المتحدة)، لمنصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، لتعويض الرئيسة المنتهية ولايتُها (الفرنسية، كريستين لاغارد)، والتي أصبحت تترأس المصرف المركزي الأوروبي.




أشار البيان الرّسمي المصري إلى مُشاركة محافظ المصرف المركزي المصري، ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، في هذا اللقاء، ونُذَكِّرُ إن حكومة مصر، وقَّعت، سنة 2016، اتفاق قَرْضٍ بقيمة 12 مليار دولارا، مع صندوق النقد الدّولي، يُمثل هذا المبلغ نصف احتياجات مصر من الإقتراض الخارجي، ويُشكّل قرض صندوق النقد الدولي (على ثلاث سنوات) إشارة للمُقْرِضِين الآخرين، لكي يُقرضوا الحكومة المصرية، وتقترن قُرُوض صندوق النقد الدّولي (والبنك العالمي، وكافة الدّائنين الآخرين) بشُرُوط مُجْحِفَة، وتنفيذ عدد من إجراءات التّقشُّف، و”تحرير” سعر العُملة المحلية (أي خفض قيمتها)، وزيادة الضرائب على الأُجراء وأصحاب الدّخل المتوسّط والضّعيف، وخفض دعم الطاقة والمواد الغذائية وخدمات الصحة والتعليم والنقل، مع خفض الضرائب على أرباح الشركات، وعلى ثروات الأغنياء وعلى أرباح المُضارِبِين في سوق الأسْهم، وغيرها من الإجراءات التي تتضرر منها أغلبية الشعوب

بعد يومَيْن من هذا اللقاء، نقلت وسائل الإعلام في مصر، ما نُشِرَ في الجريدة الرّسمية، من حصول حكومة مصر على قرض تمويل إضافي، من البنك العالمي، بقيمة 300 مليون دولارا، “لبرنامج خدمات الصرف الصحي بالمناطق الريفية”، كما نشرت وسائل الإعلام خَبَرَ “موافقة الصين على تمويل وتنفيذ مشروع تطوير نظام التعليم”، دون ذكر المبلغ، وأعلن الرئيس المصري (الثلاثاء 03/09/2019) بحث تمويلات جديدة مع مجموعة من مؤسسات التمويل الدولية…

أورَدَتْ جريدة البورصة الإقتصادية المصرية خَبَرَ اقتراض الحكومة أموالاً من المصارف لتسديد قيمة شهادات استثمار “قناة السويس” المستحقة يوم الخميس 05/09/2019، وأعلنت وزارة المالية إصدار أُذُون وسندات خزانة، بقيمة 64 مليار جنيه، وهي قيمة الشهادات التى طرحت قبل خمس سنوات، لتمويل توسيع قناة السويس، وتحاول المصارف عدم تسديد الأموال لمستحقيها (حوالي 1,1 مليون زبون، حامل لهذه الشهادات الإستثمارية)، وتقترح عليهم حسابات ادّخار، لإبقاء هذه المبالغ داخل منظومة القطاع المصرفي، وتعزيز السُّيُولة النّقدية…

من أخبار قناة السّويس، التي قَدّم النظام أشغال توسعتها، بمثابة المُعْجِزَة لإنقاذ الإقتصاد المصري المُنْهار، وَرَد في تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الشهري (حكومي)، تراجُعَ إيرادات القناة من 8,7 مليارات جنيه مصري، خلال شهر حزيران/يونيو 2018، إلى إلى 7,8 مليار جنيه في نفس الفترة من العام الحالي 2019، بانخفاض نسبتُهُ 10,3% على أساس سنوي، واضطرت الدولة لِتَحَمُّلِ قيمة أقساط قروض مستحقة، في شهر أيار/مايو 2019، لتحالف مصارف محلية وأجنبية بقيمة 600 مليون دولار، شكلت جُزْءًا من تمويل أشغال تَوْسِعَة القناة، وتم افتتاح هذه “التّفْرِيعة” (التّوْسِعَة) خلال شهر آب/أغسطس 2015، كما عجزَتْ هيئة قناة السويس عن تسديد مبلغ 300 مليون دولار مستحقة لمصارف أجنبية، للمرة الثالثة على التوالي، بسبب الخسائر المتواصلة، بينما بلغت قيمة قُرُوض الهيئة لتوسعة القناة، مليار دولارًا، سنة 2015، من تحالف ضمّ ثمانية مصارف، يُسَدّدُ القرض على أقساط نصف سنوية في شهري كانون الأول/ديسمبر وحزيران/يونيو، من كل عام، بقيمة ثلاثمائة مليون دولارا، سنويًّا، على مدار خمس سنوات، ولكن قناة السويس لم تُحقّق أرباحا، وعجزت الهيئة المُشرفة عليها تسديد دفعات الأقساط (التي أصبحت تبلغ 450 مليون دولارا، لكل قسط، بسبب أعباء الدُّيُون، وغرامات التّأْخِير)، منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، وحصلت هيئة قناة السويس على قرض آخر، سنة 2015، بقيمة 400 مليون دولارا، لتسديد مُسْتحقّات شركات المقاولات التي اتفقت مع الجيش، لحفْرِ تفريعة قناة السويس، إضافة إلى الودائع المصرفية، المُسْتَحَقّة على الهيئة، لأربعة مصارف مصرية، بقيمة 64 مليار جنيه، بفائدة نسبتُها 15,5% سنوياً…

كما اتسمت فترة حكم المُشير عبد الفتاح السيسي بتوسيع دائرة القمع، وزيادة النفوذ الإقتصادي للمؤسسة العسكرية وبزيادة انتشار الفساد وتبذير المال العام، مقابل فرض التقشف على الشعب (كشرط لقرض صندوق النقد الدّولي) وزيادة حجم الدّيون الخارجية ونسبتها من الناتج المحلي الإجمالي…

اعلَنَ الرئيس، قبل ثلاث سنوات، إنشاء “العاصمة الإدارية الجديدة، التي سوف تجتذب نحو ستة ملايين مواطن”، وتعثَّرَ بناء هذه المدينة الجديدة، ويبدو إن تصميمها شبيه بالثّكنة المَحْرُوسة التي تنتقل إليها الحكومة، بعيدًا عن المواطنين، ومُحاطَة بأثْرَى الأثرياء، الذين لن يبلغ عددهم ستة ملايين، مثلما أشاعَت الحكومة، وبالإضافة إلى بُطْءِ التنفيذ، بدأت تظْهَرُ أخبار الفساد والسّرقات التي شابت مثل هذه المشاريع، التي يُشْرِفُ الجيش على تنفيذها، ويتعاقد من الباطن مع شركات أخرى، لتوسيع رقعة الفساد والرّشى، بحسب ما وَرَدَ من تصريحات مُوثَّقَة لرجل أعمال (مُقاول)، قضى أكثر من 15 سنة في تنفيذ مثل هذه المشاريع الحكومية، التي يُشْرِفُ عليها الجيش، والتي يأمُر الرّئيس بتنفيذها في زمن قياسي، ثم قام بتصفية ممتلكاته في مصر، وهاجَر إلى إسبانيا، بعد “خسارة أكثر من 220 مليون جنيه مصري بسبب الجيش وتدخلاته”، كما يقول في إحدى التّسجيلات المُصَوّرَة، حيث أعلن مُشاركة شركته للمُقاوَلات في تطوير الإستراحة الشخصية للرئيس، بقيمة ستين مليون جنيه، عندما كان وزيرًا للدفاع، وشاركت شركته أيضًا في بناء استراحة خاصة أخرى (في “المعمورة”) بكلفة 225 مليون جنيه، قضى بها الرئيس إجازة عيد الأضحى 2019، وطلبت زوجة الرئيس، تعديلات في الاستراحة كلّفت 25 مليونا جنيه إضافية (1,3 مليون دولارا)، وغيرها من عمليات هَدْر أموال الدولة، بينما تفرض الحكومة التّقشّف على المواطنين، وورَدَت في تصريحات هذا المُقاول، أسماء عديدة وأرقام فلكية عن أشغال عَبَثِيّة، لصالح حاشية الرئيس أحيانًا، بإشراف “الهيئة الهندَسية” للجيش، والمُخابرات، ويهدف هذا المقاول الضغط على الحكومة للحصول على مُستحقّاته، وهدّدَ بنشر المزيد من الوقائع، مع ذكر أسماء الأشخاص، في حال عدم حصوله على مُستحقّاته، وراجَتْ أخبار (أو إشاعات) عن مفاوضات يجريها النظام المصري معه، بشكل غير مُباشر، ونظَرًا للتّضْيِيق على وسائل الإعلام، وتشديد القبْضَة الأَمْنِيّة، يَعْسُرُ البحث عن الحقيقة، أو الفَصْل بينها وبين الإشاعات، فيما نشرت بعض وسائل الإعلام الأجنبية أخبارًا عن “تعليمات إلى الكتاب والإعلاميين للدفاع عن المؤسسة العسكرية وسمعتها”، بشأن ما نُشِرَ من أسرار تخصّ الدولة ومشروعات الجيش، لأن أشرطة الفيديو التي نُشِرَتْ، لم تأتِ من خارج دوائر النّظام، بل من داخله، من أحد الأثرياء الذي تحوّل إلى ملياردير، حقق أرباحاً فاقت مليار جنيه من أعمال البناء مع الجيش، وهو يملك قُصُورًا وسيارات فاخرة، ويتعامل مع قادة الجيش في عمليات بيع وشراء، وتوريد وتصدير…

بشأن هيمنة الجيش على الإقتصاد، يَعْسُر العُثُور على بيانات رسمية، لأن النشاط الإقتصادي للجيش يقع خارج دائرة مجلس النّواب وخارج الميزانية الرّسمية، ولا يمكن للإعلام تأكيد أي خَبَر عن النشاط الإقتصادي للجيش، عدا ما تَنْشُرُهُ الحكومة من بيانات رسمية، وفي بيان مُقتَضَب، للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، يوم الثالث من أيلول/سبتمبر 2019، وَرَد “إن القوات المسلحة تشرف على حوالي 2300 مشروع، يشتغل بها خمسة ملايين مَدَنِي، بين مهندسين وعمال في جميع التخصصات،  وفي شركات ومؤسسات مصرية” تعمل في مشاريع يُشْرف عليها الجيش…

يحظى النظام المصري بدعم (أو غِطاء) أوروبي وأمريكي، وخليجي، اقتصادي، وسياسي، بسبب مشاركته النشطة في الحصار على فلسطينِيِّي غزة، وبسبب مغالاة النظام، في التطبيع الإقتصادي والسياسي مع العدو الصهيوني، وبسبب تورّط النظام المصري، عسكريًّا وسياسيًّا مع السعودية والإمارات في اليمن وفي ليبيا، وبدرجة أقل، في سوريا والعراق…

تُشدّد الحكومة المصرية وإعلامها على زيادة النمو، وتدعَمُها في هذا الإدّعاء وكالات “فرنس برس” و”رويترز” و”بلومبرغ”، وغيرها، وشكّل حصول النظام المصري (سنة 2016) على قرض صندوق النقد الدّولي بقيمة 12 مليار دولارا، على ثلاث سنوات، محاولةً من الدّول النّافذَة في مؤسسات التمويل الدّولي، لإنقاذ النظام من احتمال انتفاضة جديدة، فيما تُهْمِلُ الدّعاية الرسمية المصرية (ومن يدعمها من القُوى الخارجيًّة) التّطَرُّقَ إلى المُسْتَفِيدِين من هذا النّمُوّ، وتضطر وكالات الأخبار والتحليلات الإقتصادية، إلى الإعتراف أحيانًا (مثل وكالة “بلومبرغ” الأمريكية 05/09/2019) بأن ارتفاع معدلات النمو وتباطؤ التضخم وانخفاض عجز الموازنة، تزامنت في مصر مع ارتفاع معدلات الفقر، بسبب تطبيق برنامج “الإصلاح الاقتصادي”، الذي لم يكتمل بَعْدُ، لأن صندوق النقد الدّولي يُطالب الحكومةَ المصريّةَ بإجراءات جديدة  “لتعزيز القطاع الخاص، وإلغاء دور الحكومة في القطاعات ذات الصبغة التجارية”، ورغم الحوافز والتسهيلات المُقدّمة للإستثمارات الأجنبية، لم يتمكن النظام المصري من اجتذاب غير شركات المحروقات (النفط والغاز)، وبلغت قيمة الإستثمارات الأجنبية 7,7 مليارات دولارا، خلال السنة المالية 2017/2018، معظمها في قطاع المحروقات (66,3% منها)، وبانخفاض 200 مليون دولارا عن السنة المالية السابقة، بحسب بيانات المصرف المركزي المصري، أما المواطنون المصريون، فقد تأثروا سَلْبًا بانخفاض الجُنَيْه، بأكثر من نصف قيمته، مما أدّى إلى ارتفاع الأسعار، وانخفاض القيمة الحقيقية للرواتب بنحو 20% منذ 2015، ليُصبح 32,5% من المصريين تحت خط الفقر، بحسب البيانات الرسْمِيّة، التي حَدّدت خط الفقر بنحو 45 دولارا شهريّا للفرد، وهو أقل بكثير من مقاييس البنك العالمي الذي يُقدّر بنحو 60 دولارا شهريا، في مصر، لتصل نسبة الفَقر إلى حوالي 60% من السّكّان، وتوسعت في مصر (كما في بلدان أخرى) رقعة انتشار الإقتصاد الموازي (غير الرسمي) وانتشر معه العمل غير الرسمي، بالتوازي مع خلق الوظائف الهشة في القطاع الرسمي…

رغم تطبيل الإعلام، وادّعاءات الحكومة، أظْهَر مشروع موازنة العام المالي 2019/2020، الذي بدأ يوم 01/07/2019، فجوة تمويلية واسعة، بين الإيرادات والنفقات، قدّرتها وزارة المالية بنحو 445 مليار جنيه مصري (أو ما يعادل 26 مليار دولا)، وهو عجز تُحاول الدولة تغطيَتَهُ عبر الإقتراض، لترتفع قيمة الدين المحلي الذي بلغ بنهاية سنة 2018، نحو 4,1 تريليون جنيهًا، بينما بلغت قيمة الدّين الخارجي، (بنفس التاريخ) 96 مليار دولار، لترتفع بذلك أعباء الدين العام إلى نحو 83% من إيرادات الدولة، أو 944 مليار جنيه، من إجمالي قيمة الإيرادات الحكومية، المُقَدَّرَة بنحو 1,13 تريليون جنيه، في بلد لا يستطيع التعويل على ارتفاع قيمة الصادرات (باستثناء المحروقات التي تمثل قرابة 34% من قيمة صادرات السّلع) إذ بلغ العجز التجاري للسنة المالية 2017/2018، 37,2 مليار دولار، بسبب التبعية المُفرطة للبلاد، في استيراد الغذاء ووسائل النّقل وغيرها…

وردت البيانات المذكزرة في موقع “مصراوي” + صحيفة “الشرق الأوسط” (تصدر في لندن بتمويل سعودي) + موقع “آي بي أيه” + موقع بي بي سي + بلومبرغ + رويترز وبيانات الحكومة المصرية والجهاز الرسمي للإحصاء من 04 إلى 09/09/2019 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.