دوافع بوتين لخوض الحرب في سوريا / عباس ضاهر
عباس ضاهر ( السبن ) 12/9/2015 م …
حجم التصريحات الاميركية اعتراضاً على الدعم العسكري الروسي الجديد لسوريا يوحي بأن واشنطن على علم بنوعية هذا الدعم نتيجة القرار الذي تم اتخاذه في موسكو. المسألة لا تتعلق بجيل جديد من الطائرات التي تصيد المقاتلين بسهولة نهاراً وليلاً، ولا بالدبابات والصواريخ ولا حتى بالعديد الروسي الذي يفوق عدد الخبراء. القضية تتمحور حول نوعية وجدية القرار الروسي في خطة الحسم العسكري لفرض الحل السياسي بالقوة.
في دمشق قلة هم الذي يعرفون تفاصيل القرار الروسي الجديد، رغم ان سياسيين سوريين يتحدثون عن ثقة القيادة بالمرحلة الجديدة. بدا ذلك خلال اجتماع جرى منذ ايام، خلاصته: صرنا في وضع ممتاز.
تلك الخلاصة مبنية على جوهر القرار الروسي، والانسجام القائم بين موسكو وطهران حول سوريا، وتبدّل المشهد الدولي العام واستقراره عند القاعدة التي رفعتها دمشق منذ سنوات واعترفت بها عواصم الغرب الآن: محاربة الارهاب أولوية.
لن يستطيع الغرب إقناع الرأي العام الدولي برفض خطوات موسكو لمحاربة الارهاب. الروس انتظروا ثلاثة عشر شهراً من عمر “التحالف الدولي” لضرب “داعش” لكن النتيجة جاءت صفرا. موسكو تريثت أيضاً بإنتظار تأسيس تحالف إقليمي لضرب “داعش”، لكن لا تجاوب حصل عمليا إزاء رؤية القيادة الروسية ولم يتحقق “التحالف المعجزة”. لم تجد موسكو سبيلاً آخر لضرب الارهاب في سوريا الا التدخل والدعم العسكري المفتوح. قد يصب ذلك في فرض الحلول السياسية وفق وجهة النظر الروسية.
في الصحف الاسرائيلية اهتمام كبير بالقرار الروسي كما ظهر في “اسرائيل اليوم”: تدخّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يضعه في مركز المسرح الدولي كلاعب مركزي لا يمكن تجاهله ويجب الاعتماد على دور روسيا وخطواتها في مناطق اخرى مثل اوروبا او الشرق الأقصى. ولكن يجب الاعتراف بأن سوريا بالنسبة لبوتين تعتبر خط الدفاع الاول امام تمدد التطرف الاسلامي الذي سيصل الى حدود روسيا ما لم يتم وقفه. روسيا عادت اسرع مما كان متوقعاً الى الشرق الاوسط من اجل ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الاميركية. بالفعل روسيا وقعت صفقات سلاح مع السعودية ومصر وإيران ولم تتخل عن سوريا بل زادت دعمها الى حد التطور المهم والمفاجئ منذ ايام.
نوعية القرار الروسي أدّت الى تغيير في قواعد اللعبة السورية. منظومة الاتصالات المتطورة ستخدم تنفيذ الخطة بسهولة، والسلاح الجديد سيفرض واقعاً مغايراً في ضرب اهداف المسلحين بدقة. يستطيع الروس والسوريون رسم معادلة: اما التحالف معنا ضد الارهاب وفق شروطنا، وإما التفرج علينا من دون اي تدخل او مشاركة في استثمار النتائج لاحقاً.
اسرائيل ترصد الدعم الروسي لسوريا، وقد عبّرت صحافتها عن خشية تل أبيب، كالقول: وجود وتحليق الطائرات الروسية في الأجواء السورية سيؤثر سلباً في قواعد الاشتباك في سماء الشرق الاوسط. مجرد وجود قوة جوية روسية فوق سوريا لا بد ان يؤثر في منظومة الاعتبارات التي تحكم عمل سلاح الجو الاسرائيلي، ما يعني عمليًا عدم قدرة تل أبيب على خرق السيادة السورية او ضرب اهداف داخل الاراضي السورية، وبالتالي ردع تل أبيب عن استغلالها انشغالات دمشق بجبهات مفتوحة.
الدعم العسكري السوري لروسيا سيفرض مشهدا جديدا في السياسات والميدانيات، و سيؤدي الى فرز التموضعات الدولية. من هنا تجري عملية المشاكسة كما اتضح في رفض الرئيس الاميركي باراك أوباما دور موسكو واضعا إياه في خانة دعم الرئيس السوري بشار الاسد.
لكن اذا كانت عواصم الغرب قلقة من دور الروس، لماذا اتخذ حلف شمال الأطلسي قرار سحب صواريخ الباتريوت من الحدود التركية – السورية؟
هل هناك قطبة مخفية؟!
هناك من يلمّح الى موافقة الأميركيين عملياً على الخطوة الروسية في سوريا الآن رغم التصعيد الكلامي لاوباما، علمًا ان لا قدرة لواشنطن على منع موسكو من ترجمة القرار، فالروس يحاربون “داعش”. وهذا مطلب شعبي رسمي عسكري دولي شامل وسط القلق من تمدد التطرف.
التعليقات مغلقة.