بين إدارة الشركة والدولة / سيف الله حسين الرواشدة

سيف الله حسين الرواشدة ( الأردن ) السبت 14/9/2019 م …



عملت منذ زمن قريب في شركة متعثرة ماليًا، طلب مديرها منا -نحن الموظفين- أن نراعي ظرف الشركة الصعب، كانت هذه المراعاة بداية بترشيد النفقات ومراقبة بدلات الموظفين الصغار وطلب تفسيرات عن كل قرش يصرف، ثم رفض صرف حوافزنا بحجة صعوبة الظروف المالية، وقابل طلباتنا بالزيادات السنوية بالرفض الشديد مستغربًا كيف نفكر بهذا الموضوع؟ ونحن نمر بهذه الأزمة، حققت الشركة وقتها بعض الأرباح المؤقتة الوهمية – لم تظهر إلا على الورق- نتيجة طرد عدد جيد من الموظفين وتقليل رواتب عدد آخر، فقلت كلفة الإنتاج الذي لم يطرأ عليه أي تغيير إذا لم نقل تراجع، ولهذا زادت نسب الربح والنمو في دفاتر المحاسبين فقط.

كان مديرنا العزيز، عندما نطلب منه أي زيادة يربطها بالقيام بالمزيد من العمل وبعد ذلك سيفكر في الأمر، وإن حصلت الزيادة فلا تتجاوز ربع ما طلبه الموظف ومعها قائمة طويلة من المهام الجديدة، بحجة زيادة الإنتاجية للفرد في الشركة، فكان الواحد منا يعمل مكان خمسة موظفين، ففقدت الشركة هيكلها التنظيمي الصحيح، وتخصصية موظفيها.

وكثرت الاجتماعات والخطط والاستراتيجية للنهوض والتقدم وتشجيع الزبائن من دون أي طائل طبعًا، وتحولت الشركة من بيئة جاذبة للموظفين الى بيئة طاردة لا يفكر موظفيها الا بالهجرة، وزاد حديث مديرنا عن الانتماء للشركة المبطن بفتنة ضرب الموظفين بعضهم ببعض على مبدأ فرق تسد، وكانت النهاية انهيار الشركة طبعا بعد أن حصل مديرنا السابق على عرض عمل ممتاز في شركة أخرى، رحل عن شركتنا وهو يتحدث عن خططه وقصور الموظفين عن تنفيذها أو فهمها.

أذكر الي اليوم معلمي “فاروق العمري” يوم شرح لنا الفرق بين إدارة الدولة و الشركة، فواجب الدولة توفير عمل لموطنيها بأجور تضمن حياة كريمة – فوق خط الفقر الذي تعتمده- وأن إدارة الدولة وسياستها لا تخضع لأحكام دفاتر المحاسبين ومنطق المدراء الماليين، فإذا كان يجوز أن نعزي تعثر الشركة الى الموظف وقلة انتاجيته فلا يجوز أن نحمل المواطن ظرف الدولة المالي وندعوه الى تحمل تقصيرنا وسوء ادارتنا، فمن حق المواطن أن يعيش كريما حرًا مطمئنا في بلده، ومن واجب الحكومة أن تتعامل مع المصاعب المالية والسياسية وتتفادها وتقلل من أضرارها، وأن تضع الخطط الاستراتيجية التي تتعهد بتنفيذها للنهضة بالوطن وأهله، بعيدًا عن جيب المواطن وقوت عياله، على الحكومة وحدها أن تتحمل مسؤولية أوضاعنا اليوم، وأن تتحمل مصاعب الخروج من أزماتنا فهي من أوصلتنا الى هذا الحال من دون أن تستشيرنا بكل خططها الاقتصادية والتصحيحية وسياسيات الاقتراض والخصخصة، وواجب أي حكومة لا تستطيع ذلك أن تستقيل فورا فلا حاجة لنا بها وليست هي مجبرة على البقاء.

نهاية، شكرًا لمعلمي الأردن، إذ بما يفعلون اليوم، يعطوننا درسًا جديدًا في قيم الوطن والمواطنة، يعيدوننا طلابًا نقف لهم بكل إجلال لنتعلم بعد الكتابة والقراءة، الرجولة والكرامة والمواطنة الصالحة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.