تحليل سياسي – الأردن على علم وينتظر: قوات خاصة روسية في الجوار وملامح «تسوية كبرى» وشيكة

 

الأردن العربي – «القدس العربي» الأحد 13/9/2015 م …

ظهور المقاتلين الروس مع أسلحتهم وبعض آلياتهم في محيط غوطة دمشق حدث بارز بالنسبة للأردن الجار الأقرب تأثرا مع تركيا بمستجدات المشهد السوري.

عمليا المح العاهل الملك عبد الله الثاني لهذا المستجد المهم بعد عودته مباشرة من زيارته الأخيرة لموسكو وعقد لقاء مغلق مع الرئيس فلاديمير بوتين بوجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ملك الأردن أبلغ نخبة من وجهاء عمان بان الأسابيع المقبلة قد تشهد نزوعا نحو التسوية السياسية للملف السوري دون إشارة مباشرة لوجهة النظر المركزية العميقة في الأردن والتي ترى بالأصل ان المضي قدما بالاتفاق النووي الإيراني الأمريكي يعني أو سيعني بالنتيجة والضرورة تدشين الملامح الأولى لصفقة التسوية الكبرى.

الأمر لم يحتج إلى أسابيع فخلال أيام فقط بعد لقاء موسكو الشهير والذي ضم ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد التقط المطبخ السياسي الأردني رسالتين.

الأولى من روسيا وتبلغ ضمنيا بسيناريو دخول قطاعات منتخبة من القوات الخاصة الروسية للأرض السورية بموجب اتفاق دفاعي مع حكومة دمشق له علاقة اقتصادية بملف الغاز والنفط وعسكريا بالعمل على تأسيس قاعدة عسكرية كبيرة ثانية في الأرض السورية أو على السواحل.

الرسالة الثانية من القاهرة وتحديدا من أوساط الرئيس عبد الفتاح السيسي وتفيد بفتح قناة اتصال مباشرة بين القصر الجمهوري في دمشق ونظيره في القاهرة. وتفيد الرسالة نفسها أيضا بان النظام السوري وعندما يتعلق الأمر بالنظام العربي ومؤسسات الجامعة العربية قرر تماما الاستظلال بعباءة الرئيس السيسي وتفويضه بشكل مباشر بتمثيل الموقف السوري عندما يتعلق الأمر بالجزء العربي في سياق ترتيبات التسوية المحتملة.

الرسالة الثانية تقول بوضوح للمؤسسة الأردنية ان السيسي أصبح مفوضا.

بالنسبة لعمان تتحالف الرسالتان في نقطة تؤشر على ان نظام دمشق الذي يتهم الدولة الأردنية ويرفض التعامل والتعاون معها يريد حصر اتصالاته مع الأردن أو غيره من الدول العربية بالقنوات المفوضة للتحدث باسمه وهي حصريا اليوم موسكو في المساحة الدولية والقاهرة في البعد المتعلق بالنظام الرسمي العربي.

هنا حصريا أدركت عمان ان اصرار الرئيس بوتين على إقامة تحالف ضد تنظيم الدولة يضم الأردن وسوريا بشار الأسد هو عبارة عن وصفة محتملة للحفاظ على نافذة تواصل بين الأردن وروسيا تمهد لشكل من أشكال التطبيع المتدرج البطيء تحت عنوان الأمر الواقع ومكافحة الإرهاب بين عمان ودمشق.

وعمان تدرك في المقابل ان وجود قوات نخبة روسية تشارك في العمليات ولو بدرجة قليلة وبطء في ادلب ومحيط حمص هو رسالة عميقة من موسكو لا يمكنها ان تنتج إلا في ظل مقايضات مع واشنطن أو على أقل تقدير إلا في ظل حراك اقليمي عسكري منظم ومستقل سيقود بالنتيجة إلى طاولة التسوية الكبرى التي يبدو الأردن اليوم متوثقا من انها قد تبدأ بترتيبات المشهد السوري وبمرحلة إنتقالية لكنها ستنتهي في المحصلة والنتيجة بالملف القديم في الشرق الأوسط وهو القضية الفلسطينية.

عمان سياسيا لا تملك أوراق خيارات متعددة عندما يتعلق الأمر بخـصـومتـهـا العلـنـيـة مع نظام بشار الأسد خصوصا بعد التــفــويض المبـاشــر للسيسي ونمو الاتصالات بيـنه وبين دمشــق بالـتــوازي مع اهتمام ابو ظبي وهي حليف أساسي بالبقاء على مسافة آمنة من اللاعب الروسي.

بالتوازي أيضا مع محاولة التفاوض التي جرت بين نظام دمشق والسعودية سواء في الرياض أو في مسقط وهي عناصر تحشر الحركة الأردنية السياسية في سياق القبول بالأمر الواقع وابقاء الباب مفتوحا مع اللاعب الروسي وانتظار احتمالات التفاعل مع نظام دمشق بأي شكل من الأشكال وهو حراك يسمح بطبيعة الحال بإعادة إنتاج الموقف الأردني القديم والذي عبر عنه الملك عبد الله الثاني عدة مرات عندما قال باستحالة حل أزمة الصراع السوري إلا عبر التفاهمات السياسية.

بمعنى آخر تحاول المؤسسة الأردنية اليوم الاحتياط لتحولات متسارعة قد تنتهي بتفاهمات على تفاصيل جديدة لها علاقة بالملف السوري خصوصا بعدما أظهرت دول مثل السعودية والامارات وقبلهما مصر مرونة نسبية ومتدرجة ومتباينة في بعض المساحات الاشكالية المتعلقة بالحل السياسي أو بإصرار موسكو على التفاهم مع نظام الأسد والتواصل معه أو حتى بأي معالجات مقترحة لمغادرة عقدة «بقاء أو رحيل الرئيس الأسد».

الأردن يتجهز سياسيا لهذه المعطيات .. يمكن تلمس ذلك من خلال التعليقات العميقة التي تصدر عن شخصيات بارزة في الحـكم الأردني مقربة من القصر الملكي مثل رئيــس الـــــوزراء الأســـبـــق مـعـروف البــخيت ونظيره رئيس لجنة الشـؤون الـخـارجية في مجلس الأعيان سمير الرفاعي.

الرفاعي كان قد أعاد التذكير بأزمة الديموغرافيا السورية وتحدث عن ضرورة المعالجة سياسيا ووقف تدخلات الجميع مقترحا هدنة كاملة تحت مراقبة مجلس الأمن الدولي.

أما البخيت فقد دعا علنا إلى توافقات كبيرة عبر حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة في دمشق تبدأ بوجود الرئيس الأسد وقد تنتهي برحيله معيدا التذكير بان الفرصة ينبغي ان تكون سانحة كما قال في وقت سابق لـ»القدس العربي» للتواصل مع الواقع الموضوعي كما هو في الميدان السوري وهو واقع يقول بوضوح بان تدشين حلول سياسية منطقية في ظل شعار رحيل الأسد مسألة تنقصها الحكمة.

عندما تعلق الأمر بأضواء العالم الطازجة على اللجوء السوري لم تتخذ الحكومة الأردنية مواقف محددة والنقاشات الحيوية اليوم خلف الستارة وأمامها تحت عنوان التسوية الكبيرة في المنطقة والتي تبدأ بالملف السوري هي نقاشات ترصدها عمان وتتابعها بكفاءة بانتظار حصتها من الترتيبات ودورها وواجباتها.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.