في ذكرى اتفاقية أوسلو: سقوط القيم الأخلاقية لأركانها / موسى عباس
موسى عباس ( لبنان ) الإثنين 23/9/2019 م …
لا ادري بماذا يمكن ان يتم التعليق على انحدار سلطة أوسلو لهذه الدرجة من الإنهيار الأخلاقي والوطني .
على مدار عقود من الزمن مثّلت القضية الفلسطينية المحور الأساسي لنضال غالبية الشعب العربي وحتى بعض شعوب العالم وكانت تلك القضية المعيار الأساسي للفصل بين المواقف السياسية على الساحة العربية، وكان شعار تحرير فلسطين هو الجامع بين معظم العرب ، وحتى بعد صفقة العار في “كامب ديڤيد”لم يجرؤ أي نظام عربي على الجهر باستعداده للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب ، مع العلم أنّه قد لا يكون مُستغرباً أن تلجأ “أنظمة مُلحقة بالسياسات الأنكلو سكسونية” على العمل بالسّر أو بالعلن على إقامة علاقات أو التشجيع عليها لأنّ أجدادهم ساهموا في إغتصاب فلسطين أو صمتوا تحت حُجّة أنّ ليس “باليد حيلة” و “أن العين لا تسطيع مقاومة المخرز “.
لكن المستغرب والمستهجن أن يصل الأمر بحكّام سلطة أوسلو إلى هذا الدرك من الإنحطاط الذي لا يمكن تبريره بأي شكلٍ من الأشكال ولا تحت أيّ ذريعةٍ من الذرائع سوى ذريعة ” شهوة السلطة والألقاب”.
لا أدري هل أصبح المنصب الذي لا قيمة له ولا معنى والذي لا بُدّ أنّه زائل في يومٍ ما أهم من الكرامة الوطنية؟!
وهل أصبح الكرسي الرئاسي والوزاري والذي هو مجرّد صورة مُزيّفة لمنصب لا قيمة وطنية فعلية له ، هل أصبح أهم من الدفاع حتى عن الكرامة الإنسانية.
وصل الإنحدار الأخلاقي إلى حد أصدار ” كُتيِّب يُمجِّد أفعال وأقوال رئيس السلطة وتعدّد إنجازاته”.
أجل ، يبدو أن السلطة حتى ولو كانت شكلية وإسمية لأنها خاضعة للإحتلال ، إن لم نقل أن الإحتلال يديرها ،تلك السلطة أضحت مهزلة تاريخية ، قادتها يفخرون بالتنسيق الأمني مع الصهاينة وينددون بالعمليات البطولية ضد جيشهم وضد قطعان المستوطنين، ويا ليتهم يكتفون بذلك وإنّما يرصدون ويلاحقون من ينفذ تلك العمليات ، فهم باتوا كالكلاب البوليسية يتشممون آثار الطريدة ويتابعونها وما إن يرصدوا مكانها حتى يبادروا بإعلام استخبارات العدو هذا ان لم يقوموا هم مباشرة بدور الجلاّد الذي لا يهمه سوى إرضاء سيّده فيقتلون الأبطال وبدمٍ بارد ويعلنون ذلك على الملأ، وحجتهم أنهم يسعون للإستقرار وأن العمليات ضد مستوطني الصهاينة وجنودهم تخرّب ولا تنتج إلا الدمار.
ارصدتهم المصرفية تزداد والبذخ والإسراف ديدنهم والشعب يئن من الفقر والحاجة ،يرتدون آخر الأزياء الأوروبية ودفنوا شعارات الثورة والثوار في مقابر لا قرار لها ويلوكون معسول الكلام على المنابر والشاشات ويحضّون الناس على الصمود ، يأكلون أفخر الأطعمة وغالبية المواطنين لا يجدون قوت يومهم.
يرفضون في العلن صفقات العهر والإستسلام ويوافقون عليها من تحت الطاولة بحجة أنه
” لن يكون أفضل مما كان”، ويا ليتهم حرصوا على ما كان بل على العكس ساهموا بالتفريط حتى بالقشور وداسوا عليها مع أسيادهم من الصهاينة ، المهم أن يبقوا في السلطة يحملون ألقاباً واهية أصبحت مرادفةً للذل والمهانة والعهر المكشوف ، يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ، يرتكب قطعان المستوطنين وجيشهم واستخباراتهم الجريمة تلو الجريمة ضد النساء والأطفال ويطلقون النار عليهم أمام الكاميرات وفي وضح النهار فلا يرُفَ لهم جفن ، بل على العكس يتهمون الضحية ويبررون للقتلة أفعالهم .
يساهمون في حصار وتجويع أهل غزّة ويكافئونهم على صمودهم الأسطوري بقطع رواتب الموظفين ويحرضون ” مصر” والصهاينة على زيادة الحصار عليها من خلال مواقفهم المشينة والمخزية ضد كل من يحاول تقديم المساعدات لهم…
حتى أنّ حقارة بعض من هُم في السلطة وصلت إلى حد التبخيس بأهمية ردع العدو عن التمادي في الإعتداء على غزّة وحتى على لبنان.
يسكتون عن الإستيطان الذي ينهش في ما تبقى من أراضي القدس والضفة الغربية ويكتفون بالكلام دون أي عمل فعلي يوقف التمادي في ضم الأراضي.
الشعب الفلسطيني يختنق في “غزّة ” بسب حصار الصهاينة والنظام المصري، وفي الضفة الغربية بسبب الصهاينة وحكّام”سلطة أوسلو” ،
يعتقل الصهاينة العشرات من الفلسطينيين من الشباب والنساء وحتى الأطفال يوميّاً والسلطة تكتفي بتعدادهم وضمّهم إلى لائحة الأسرى،
يعتدي جيش الإحتلال على المواطنين ويُنكّل بهم ويهدم البيوت ويقتل النساء والأطفال على حواجزه وسلطة أوسلو خانعة خاضعة متواطئة ،
وعندما ينتفض الشعب الفلسطيني يسارع أركان تلك السلطة إلى لجم وقمع تلك الإنتفاضة لأنّهم يرون أنها تتناقض مع مصالحهم.
ومع غياب أي بديل أو أي مبادرة ثورية تقلب الطاولة على رؤوسهم تستمر الأوضاع على ما هي عليها وتستمر معاناة الشعب الذي طالما تغنّى الراحل ياسر عرفات بأنّه ” شعب الجبارين” وهو فعلاً كذلك لما تحمّله على مرّ السنين من التهجير والإحتلال ومن دناءة من نصّبوا أنفسهم حُكّماً عليه ، وبالرغم من غياب أيّ شعاع ينبعث مبشّراً بالتغيير إلا أنّ يوم تحرير فلسطين كامل فلسطين من النهر الى البحر لم يعد بعيداً بإذن الله.
التعليقات مغلقة.