الثورة الشعبية بين المد والجزر / د زهير الخويلدي

نتيجة بحث الصور عن زهير خويلدي

د زهير الخويلدي ( تونس ) الثلاثاء 1/10/2019 م …




” كان يعوز هذا المجتمع دائما قوة لم يكن بوسعها أن تتكون… وأن تنظمها وأن تعمل بذلك على تأسيس الدول الحديثة” – أنطونيو غرامشي – دراسات ومختارات-

اعتقد الكثير من الانقلابيين والانهزاميين والانتهازيين أن الثورة الشعبية التي انطلقت في الشوارع العربية قد تم إجهاضها والالتفاف عليها وإبادتها وترويضها وتوجيهها والسيطرة عليها بوسائل شتى وأنها انتهت دون رجعة وأزيح رموزها عن سلطة القرار وفقدت توهجها وبريقها ولم تعد قادرة على التعبئة والتأثير.

غير أن مسار الأحداث في المنطقة الأخيرة كذب مثل هذه الادعاءات الخرقاء وسفهت مثل هذه الظنون البلهاء وبينت تفجر الموجة الثانية من الربيع العربي في الجزائر والسودان وتمكنهما من إزاحة رموز النظامين العسكريين وتركيز حكمين مدنيين وانتصار القوى الثورية في تونس في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وعودة الاحتجاجات لمصر البهية وتزايد التحركات على مشارف ميدان التحرير بالقاهرة.

ليس هناك أي أسرار أو ألغاز وراء بقاء الثورة الشعبية في كامل جاهزيتها وفشل قوى الارتداد وكل ماهو موجود هو بقاء العوامل المؤدية إلى الخروج إلى الشارع والمطالبة بالحقوق وتتمثل في تزايد استراتيجات التهميش والازدراء التي تقوم بها السلطة بوعي أو بلاوعي ضد الفئات الاجتماعية الضعيفة من الناحية المادية وتشكل شريحة شبابية واسعة ومتغلغلة في الجماهير ووعيها بوحدة مصيرها وحيازتها على قدر محترم من الثقافة السياسية الجذرية والمعادية بطبعها للفساد والإفساد والانتهازية والتحيّل والتسلط والنفاق وتمكنها من التواصل والتنظيم الذاتي بوسائل الاتصال الحديثة والإبحار والتحشيد في الواقع الافتراضي.

كل هذه العوامل الثلاثة : تزايد الازدراء من طرف السلطة الحاكمة للفئات الشعبية وتشكل طبقة شبابية رافضة وتطور الواقع الافتراضي وتناقضه الجذري مع الواقع السائد أدت إلى تفجير الوضع وانتعاش الحلم الثوري وعودة الحراك الاجتماعي في الشوارع العربية ضمن أفق التخلص من الأنظمة الشمولية.

لقد بقي شعار الشعب يريد الثورة من جديد هو المبدأ التوجيهي الأول للعصيان المدني والاحتجاج السلمي والانتفاض ضد الظلم والتمرد على الفساد ومقاومة الارتهان للقوى التابعة للرأسمال الاحتكاري المعولم.

لقد أثبتت التجربة التاريخية أن الممارسات الجديدة للنضال الاجتماعي الذي انخرطت فيها مجموعات شبابية خارج إطار الأحزاب اليسارية الكلاسيكية هي الأكثر نجاعة في مجال ممارسة الحرية والأكثر قدرة على التعبئة والضغط والتأطير والمحاسبة لكل الأجسام المتهرمة والأطر الضيقة والكيانات المغلقة.

لقد اختارت هذه القوى الشابية منهجية الكتلة التاريخية من أجل اعادة تشكيل المشهد النضالي وذلك من خلال تشبيك عناصر ثورية متنوعة منحدرة من فضاءات إيديولوجية متفرقة وصهرها في مشروع ثوري واحد وذلك بتجنب القضايا الخلافية والاكليشيات التقسيمية والتركيز على المبادئ الموحدة والقضايا المبدئية وصب المجهود النضالي في اتجاه مقارعة السيستام وإضعاف قدرته على الاستمرار والصمود.

لقد تمكنت القوى الثورية من حشد الشبيبة الديمقراطية والغاضبين على الأحزاب الماركسية والإسلام المستنير والعروبة الجديدة والمثقفين العضويين والنقاد والكتاب والزج بهم في معركة انتخابية ناجحة.

صحيح أن المسار يعرف في بعض الأحيان البعض من التعثر والانتكاسة والضمور ولكنه مجرد كمون وفتور نتيجة وعورة الحقول المتشابكة والأراضي الملغمة التي يسير فوقها الشباب الثوري وأن الشعوب الحرة والقوى الاجتماعية الحية ما تلبث أن تستعيد بقوة الإرادة الثورية وتعزم على التفكيك وتشرع في التأسيس وتلتف على الشرائح الاجتماعية المترددة وتقنعها بالتغيير وجدوى الانتقال إلى الوضع الجديد.

فهل تقدر هذه الموجة الشبابية الحية على قيادة المسيرة الثورية نحو بر الآمان وتقديم بدائل جذرية للتقدم بالشعوب وتكريس الديمقراطية الراديكالية وافتكاك القيادة من الأحزاب التقليدية والأنظمة التسلطية؟

*كاتب فلسفي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.