أهمية رفع الدعم لبداية عملية إصلاح إقتصاد السودان / د. أمير عوض يوسف المقبول
د. أمير عوض يوسف المقبول ( السودان ) الثلاثاء 1/10/2019 م …
(رسالة مفتوحة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية والتخطيط الإقتصادي)
يدعم السودان أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية بمليارات الدولارات سنوياً. غير أن هذا الدعم لا يسبب العجز في الموازنة وحسب، بل يقوض كذلك الإنتاج الزراعي والصناعي في عدد كبير من القطاعات الحيوية. حيث تقوم الحكومة السودانية بتقديم دعم للسلع ( قمح ، مواد بترولية ، دواء) إضافة الى الدعم النقدي للفئات الضعيفة بما يفوق ال 65 مليار جنية تقريباً (ترليون بالقديم) حسب موازنة العام 2019م ولو لا الدعم لكان هنالك فائض في الميزانية، ومعظم هذا الدعم لا يذهب للفئات المستهدفة ويستفيد منه الأغنياء وأصحاب الدخل المرتفع ويهرب جزء كبير من هذه السلع المدعومة إلى دول الجوار ويمكن أن يستفاد من مبلغ هذا الدعم في مناحي كثيرة مثل زيادة المرتبات ، زيادة فرص التمويل عبر دعم البنوك الحكومية وغيرها من المشاريع التي تعود على المواطنين بالنفع الإقتصادي، حيث يواجه إقتصاد السودان صعوبات عديدة أهمها عدم وجود احتياط من النقد الأجنبي والذي يعتبر السبب الرئيسي في المشاكل الاقتصادية التي يشهدها السودان ، ولكي يتعافى إقتصاد السودان لابد وأن نعيش وضع إقتصادي ضاغط لفترة محدودة بعيداً عن دعم سلع (الدقيق – الوقود -الكهرباء) وأن يستمر دعم الدواء وفق رؤية جديدة تتناسب وقدرة السودان الإقتصادية، يجب أن تقرر الحكومة ذلك بعد شرح أبعاد كل هذه السياسات للشعب دون تردد أو خوف، ويتم بناء وتنفيذ كل برامج إصلاح إقتصاد السودان، وإن أهم مافي هذه السياسات والقرارات الأثر الإقتصادي في اسعار صرف الجنيه السوداني عندها تبدأ الأسعار في العودة للوضع الطبيعي لأن المعالجات تعتمد علي مصادر ومعالجات حقيقية.
وتوقع معظم المواطنين بأنه وبمجرد تشكيل الحكومة المدنية بأن أسعار السلع والخدمات سوف تنخفض ، وأنهم للأسف لا يعلمون إن معظم الأسعار الحالية أقل بكثير من الأسعار الحقيقية نتيجة للتشوه الكبير في إقتصاد السودان
الواقع الاقليمي والعالمي التظاهرات في مصر وتوترات الامارات والسعودية وإيران سوف تؤثر علي المشهد الاقتصادي والسياسي السودانى سريعاً من حيث انشغال الإقليم بقضاياه الداخلية مما يقلل من تأثيره علي الوضع الداخلي للسودن ولن تكون قضايا السودان ذات أولوية إقليمية إعلامياً ومالياً ، لذلك لا بد من الاعتماد على موارد السودان المتاحة حتى يتعافى الإقتصاد وتختفي كل مظاهر الصفوف، إضافة إلى اختفاء تجارة السوق السوداء في هذه السلع والتي بدأت تنتشر بصورة كبيرة من قبل ضعاف النفوس والذين يتاجرون في حق المواطن المسكين، وعند محاربة ذلك ووضع حلول جذرية يتجه المواطن السوداني نحو زيادة الإنتاج والإنتاجية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
أولاً: الأسعار العالمية للسلع وأسعارها في السودان
تعتبر سلع الدقيق والدواء والغاز والجازولين والبنزين من السلع الاستراتيجية والحيوية بالنسبة للمواطن والدولة لأنها تؤثر على الحياة بصورة عامة وفيما يلي مقارنات تقريبية لأسعار هذه السلع محلياً وعالمياً
أ. الجازولين والبنزين :-
يكلف إستيراد لتر الجازولين والبنزين تقريباً اليوم حوالي (20 – 25 ) جنيه ويتم توزيع اللتر بواسطة الدولة بسعر يتراوح بين (5 – 7) جنيه تقريباً.
ب. الغاز :-
تكلفة أسطوانة الغاز زنة 12.5 كيلو حتى تصل مراكز التوزيع أكثر من 450 جنيه وتوزع ب ( 180 – 250) جنيه.
ج. الكهرباء :
تكلفة الكيلو واط من الكهرباء عالميا 11 سنت وهي تعادل حوالي 9 جنيه. هذا يعني أن ال 200 كيلواط والتي تباع للمواطن ب 40 جنيه سعرها العالمي 1800 جنيه.
د. الدواء :-
تتحمل الدولة دعم الدواء بصورة كبيرة حيث يتم استيراد الدواء بواسطة الإمدادات الطبية باليورو ويتم تسعير الدواء بواقع 20 جنيه لليورو على الرغم من أن سعر اليورو في السوق الموازي يفوق ال 80 جنيه.
ه . الخبز :-
تدفع الدولة يومياً 68 مليون جنيه (مليار بالقديم) حتى تصل قطعة الخبز للمواطن بجنيه ولكن بالرغم من ذلك نجد بأن هناك تباين في أسعار الخبز بين الولايات خاصة ولايات دارفور.وفي السودان تستطيع بدولار واحد الحصول على (70 إلى 76) قطعة خبز ، وفي معظم دول العالم تستطيع الحصول علي 6 قطع من الخبز تقريباً بدولار واحد.
هذه المفارقات الكبيرة هي نتاج للإختلال في هيكل إقتصاد السودان والذي بدوره أدى إلى إنخفاض كبير في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار والأرقام التي ذكرت أعلاه تقريبية فقط من أجل توضيح حجم الدعم الذي يتم تقديمه.
ثانياً: مطلوبات رفع الدعم
قرار رفع الدعم من القرارات الخطيرة التي يمكن أن تنعكس سلباً على الأوضاع الإقتصادية والسياسية والأمنية إذا لم يتم الترتيب له بصورة دقيقة ومحكمة حتى يحقق غاياته ويؤدي إلى إستقرار الأوضاع الإقتصادية الراهنة وإلى وفرة في السلع والخدمات، وكذلك عدم الإستقرار في سعر صرف الجنيه السوداني والذي يعتبر عرض لمرض في هياكل اقتصاد السودان، وهنالك معلومة مهمة جدا تفوت على كثيرين حتى بعض الاقتصاديين وهي أن إستقرار سعر صرف الجنيه أهم من انخفاضه وارتفاعه أمام العملات الأجنبية ولاتخاذ قرار مراجعة ورفع الدعم لابد من توفر المطلوبات التالية :-
1. العمل على رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأن وضع السودان في هذه القائمة يعقد الوضع الإقتصادي كثيراً.
2. تحقيق السلام والتعايش السلمي في كل ربوع السودان.
3. إيقاف التعدين الأهلي ومراجعة اتفاقيات التعدين مع الشركات الأجنبية والشركات المحلية.
4. زيادة الاستكشافات البترولية.
5. مراجعة وتقويم قطاع الإتصالات والعمل على أن يكون هذا القطاع حكومي كامل الدسم.
6. إيقاف إستيراد العربات بكافة أنواعها لمدة 5 سنوات والسماح فقط باستيراد الشاحنات والبصات سعة 45 راكب والحافلات سعة 24راكب.
7. إعفاء الصادرات من كافة الرسوم.
8. تحفيز الصناعات الصغيرة والصناعات التي تتعلق باحلال الواردات.
9. مراجعة القوانين فيما يتعلق بتهريب السلع عبر الحدود إلى دول الجوار.
10. حصر الفئات الفقيرة التي تستحق الدعم المادي.
11. زيادة المرتبات بنسبة 30% لبعض الفئات و100% لفئات أخرى.
12. وقف كل أنواع التمويل من البنوك عدا تمويل القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة وتعدين وثروة معدنية وحيوانية ،مع الرقابة والمتابعة من قبل البنوك والبنك المركزي لأي تمويل يمنح.
13. العمل علي جذب عوائد الصادر وتحويلات المغتربين بمنحهم سعر تشجيعي للعملات الحرة يتخطى سعر السوق ما بين ٥% الي ١٠% ،، إسوة بالدول التي تمنح حافز الصادر التشجيعي مثل تايلاند والصين وإندونيسيا وماليزيا.
14.العمل على بناء احتياط من الذهب بدلا عن العملات الأجنبية وهذا هو الذي يحقق التغيير الحقيقي في الاقتصاد.
15. تحديد سعر حقيقي للجنيه السوداني مقابل الدولار ، حيث يتم التحديد وفق الواقع بعيدا عن التنظير.
خاتمة
لكي يتعافى إقتصاد السودان علينا أن نصبر وان تكون الأسعار وفقاً للتكلفة الحقيقية وأن تقبل الحكومة الإنتقالية على رفع الدعم بعد الدراسة المستفيضة لهذا الأمر وأن يتحملها الشعب السوداني حتى يعبر إلى بر الأمان والوصول إلى مرحلة تجاوز قضية الغذاء والدواء والمواصلات وأن يوضع الإقتصاد في المسار الصحيح للتعافي وماعدا ذلك سوف لن تتمكن الحكومة الإنتقالية من اي اصلاح في اقتصاد السودان.وحسب التقديرات سوف يكون سعر قطعة الخبز أقل من 2.5 جنيه للرغيفة الواحدة ،، وجالون الجازولين والبنزين سوف يتجاوز حاجز ال 50 جنيه، ووصلت أسعارها خلال هذه الأزمات إلى أكثر من 100 جنيه لجالون الجازولين والبنزين، على أن يخفض دعم الكهرباء والغاز ويظل دعم الدواء مستمراً،
وسوف تكون هنالك إعتراضات وإنتقادات بحجة عدم تحمل الفئات الفقيرة لهذه الزيادات ، وعلى الحكومة أن تعالج مشاكل الفقراء في حالة رفع الدعم وأخذ تجارب بعض الدول مثل أندونيسيا حيث قامت بحصر هذه الفئات الفقيرة ومساعدتها بالدعم النقدي المباشر بمبالغ يتم تحديدها ولفترات محددة، والظروف التي جعلت الشعب يثور ضد حكومة الإنقاذ مازالت مستمرة ولايوجد ما يمنع الشعب من أن يثور مرة أخرى إذا لم يحس بتحسن ملموس في حياته اليومية لأن الشعوب إذا بدأت الثورات لن تهدى- اللهم أحفظ السودان وشعبه ، ودمتم في حفظ الله
التعليقات مغلقة.