مصر، حديث بمناسبة – ذكرى وفاة جمال عبد الناصر/ الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) الثلاثاء 1/10/2019 م …
توفّي جمال عبد الناصر فجأةً يوم 28 أيلول/سبتمبر 1970، وعمره 52 سنة.
ارتبط إسمه بمرحلة التحرر الوطني والقومي العربي، و”حركة عدم الإنحياز”، والوحدة الإفريقية، وغيرها من مقومات مرحلة “ما بعد الإستعمار المباشر”، مثل دعم الثورة الجزائرية وثورة اليمن…
على الصعيد الدّاخلي المصري، عرفت البلاد خلال فترة حُكْمِهِ تقلبات عديدة، وتحالفات وقمع وسجون، إلى جانب مشروع للتغيير الاجتماعي، والإصلاح الزراعي، وتحديد ملكية الأراضي الزراعية، والانحياز للفلاحين الفُقراء، الذين كانوا يمثلون أغلبية الشعب المصري، وأطْلَقَ النظام ووسائل إعلامه على هذه المرحلة صفة “اشتراكية”، كما ارتبطت تلك المرحلة بمشاريع تُعبِّرُ عن إرادة استقلال القرار الوطني، وتجَلّى ذلك في تأميم قناة السويس، وانتماء مصر العربي، وتجلى في دعم الثورة الجزائرية وثورة اليمن، مع الإنتماء لما سُمِّي “العالم الثالث”، عبر حركة عدم الإنحياز…
انقضَّ التّيّار اليميني لما سُمِّي “ثورة يوليو”، بقيادة محمد أنور السّادات، على الجوانب التقدّمِيّة أو النَّيِّرَة، من مشروع “حركة الضّبّاط الأحرار”، باسم “الانفتاح الاقتصادي”، الذي أحدَثَ تغْيِيرًا في هيكلة وبُنْيَة المُجتمع، بدعم أمريكي، مما أدّى، على الصعيد الداخلي، إلى “انتفاضة الخُبز” في كانون الثاني/يناير سنة 1977، وعلى الصعيد الخارجي، إلى التّطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوقيع اتفاقيات “كمب ديفيد” سنة 1978…
أعاد نظام الحُكْم، بداية من 1971، هيكلة الدّولة ومؤسّساتها، فعادت شرائح الأثرياء الذين تَضَرّرُوا من قرارات تحديد الملكلية، إلى سِدّة الحكم، سياسيًّا واقتصاديّا، وانتشر الفساد والرشوة، وتخريب القطاع العام، والتّعليم، والقطاعات المُنْتِجَة، باسم “محاربة البيروقراطية”، لتنتَعِشَ المُضاربة وقطاع السّمْسَرة والعقارات، بالتّوازي مع عودة الهيمنة الأمريكية، وأدّى “الإنفتاح” إلى انتفاضة الفُقراء (انتفاضة الخُبز)، يومي 18 و19 كانون الثاني/يناير 1977، والتي وصفها “أنور السادات”: “انتفاضة الحراميّة”، وكانت تلك مقدّمة لإفساح المجال للإخوان المسلمين ومؤسساتهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية، داخل مصر، ودعم فصائل الدّين السياسي المُسلّحة في أفغانستان وسوريا، والتّقارب مع السعودية، التي تموّل مليشيات الدّين السّياسي، بإشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”…
مَثّل “جمال عبد النّاصر” رمْزًا لمرحلة بناء، في نَظَرِ من أيّدُوه ومن عارضُوه، ورمزًا لكفاح الأمة العربية، ومثلت مرحلة السادات وما لحقها، من حسني مبارك إلى السّيسي، مرحلة هدم وانبطاح وذلة، وانكفأت مصر، من رمز لعزة الأمة العربية، إلى ذَيْل للسعودية، والسعودية بدورها ذيل للإمبريالية الأمريكية، وللأعداء الصهاينة… لذلك يذكر أنصار ومُعارضو وناقدُو سياسة مصر من 1952 إلى 1970، عبد النّاصر في ذكرى وفاته، ولا يذكر أحدٌ تقريبًا السادات بالخَيْر، بمن فيهم الإنتهازيون الذين استفادوا من فترة حُكْمِهِ.
التعليقات مغلقة.