4 ملايين طالب يصنعون مستقبلهم ويتحدون يوميات الحرب / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 15/9/2015 م …
لا يرغب السوريون أن يسمحوا لآلة الحرب اليومية بأن تمحو صورة دمشق الحضارة وإن غالبها شحوب الحرب، فالسوري إعتاد تجاوز أوجاعه ليؤكد دوماً على أن الحياة لا تعاش إلا مرة واحدة، ولذا فيجب ألا توقف المأساة عجلاتها تحت أي عنوان، ورغم كل الأسى على مرِّ السنوات الخمس من الأزمة السورية إستمر الطالب السوري بالتمسك براية العلم مؤمناً بأهميته وبدوره البنَّاء في التطوير والتحديث، إنطلاقاً من ذلك توجه نحو 4 ملايين تلميذ وطالب إلى مدارسهم البالغ عددها نحو 15 ألف مدرسة في جميع المحافظات للبدء بالعام الدراسي 2015-2016م، وكلهم عزيمة على مواصلة الدرب ونيل فرص النجاح ليكونوا النواة الصحيحة والمرتكز الصائب لبناء هذا البلد، ومع بداية العام الدراسي الجديد هناك مجموعة من التساؤلات التي تدور في ذهن كل طالب وطالبة وكل مهتم بالعملية التعليمية في بلادنا، مفادها : هل ستشهد بلادنا عاماً دراسياً أفضل من سابقيه؟ وكيف ستتغلب قيادة الوزارة على المشاكل التي أثرت على سير العملية التعليمية في الأعوام السابقة ؟ وما الجديد لديها الذي من خلاله يمكن أن ينعكس إيجاباً على كل أطراف العملية التعليمية قي سورية.
فتح العام الدراسي الذي استؤنف في سورية بتاريخ 13أيلول، جروحاً كادت تندمل، بعدما افتقد بعض الآباء أبناءهم الذين تعودوا اصطحابهم إلى المدرسة صبيحة كل يوم، وافتقد بعض الأبناء آباءهم، فيما راح الطلاب يتفقدون زملاء لهم أو مدرسين أو العكس، قضوا في هذه الحرب، إذ لم نشهد وقتاً أخطر من الوقت الحالي للحصول على التعليم في سورية، فقد عانت ربع مدارسها على الأقل تخريباً أو تدميراً أو تموضع النازحين فيها، بينما تم هجر غيرها بسبب خوف الأهالي من تعريض أولادهم لخطر التفجيرات، لكن بالرغم من هول حجم الإعتداءات على التعليم والمخاطر التي يتعرض لها الأطفال إلا أنه من الضروري أن نتذكر أن ذلك لا يعني أن يتوقف التعليم، لأن حصول الأطفال على التعليم في جميع الظروف ليس فقط من حقهم وإنما يحميهم في أوقات النزاع من عمالة الأطفال والإنخراط في المجموعات المسلحة.
في سياق متصل إستطاعت وزارة التربية أن تكون بقدر التحدي الذي تواجهه سورية من قبل المجموعات المسلحة وعصابات داعش وتوابعها، وتقرع جرس بداية إنطلاق العام الدراسي الجديد وبهذا تكون وزارة التربية قد ألغت جميع الشائعات التي تناولتها بعض وسائل الإعلام المغرضة، والتي كانت تشكك بقدرة الوزارة على فتح مدارسها ومتابعة الدراسة في ظل جميع هذه الظروف الإستثنائية، ليكون ذهاب الطلبة لمدارسهم هو بمثابة رسالة للعالم بأن السوريين هم صنّاع الحياة على مر التاريخ، ولا تستطيع أي قوة في العالم أن توقفهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية وبناء جيل متمرس وواع وقادر أن يبني مستقبل هذا الوطن، وبذلك إستطاعت وزارتنا ان تقطع السبيل على جميع الأعداء الذين كانوا يراهنون على شلّ الحركة التربوية والتعليمية في سورية .
في خضم المتغيرات الجديدة في بلدنا تلعب وزارة التربية دوراً هاماً في بناء منهج التواصل الحضاري وخلق روح المواطنة وتنفذ خطة تربوية علمية وممنهجة من أجل الإرتقاء بالعملية التعليمية، فالذي يحدث اليوم فى وزارة التربية من حركة مستمرة تستهدف فى المقام الأول إعادة هذه الوزارة المهمة إلى سابق عهدها بإعتبارها مكاناً للتعليم وللتربية أيضاً، هو أمر لم يأت من فراغ وإنما جاء تجسيداً حقيقياً لفكر ورؤى وإستراتيجيات وضعتها القيادة السياسية، إذ أخذت على عاتقها ان يكون النظام التربوي هو السبيل الى تحقيق الأهداف المنشودة، ولا شك ان القوى البشرية المدربة والمؤهلة هي نتاج النظام التربوي وهي مخرجاته، ونحن في سورية وجدنا أن أفضل إستثمار يكمن في الإنسان، وقد قدم نظامنا التربوي دوراً مهماً في التنمية، لإيماننا إن التربية والتنمية حالتان متلازمتان، وقد قطعنا شوطاً كبيراً على طريق التعليم الكمي، فحققنا مقعداً لكل طفل في سن القيد والقبول، وعممنا التعليم الأساسي وجعلنا من الأمية في حدودها الدنيا، وأزلنا التفاوت بين الجنسين، وبذلك تمكنت سورية من تحقيق اهداف التعليم للجميع في وقت مبكر.
ما نراه اليوم من الإسراع في عملية بناء وترميم المدارس وتوفير الكادر التدريسي والتنسيق مع المحافظات للنهوض بالواقع التربوي، والإهتمام بالنازحين وتسهيل أمورهم، والبدء بإنجاز مشروع التعليم الإلكتروني، تدل دلالة واضحة على أن وزارة التربية تعمل على الإستمرار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتطوير العملية التربوية في سورية بعد أن تمت إعادة النظر في مفردات المناهج لمختلف المواد الدراسية ومختلف المراحل للعمل على تحسين جودة النظام التربوي بمدخلاته وعملياته للوصول إلى مخرجات تواكب معطيات العصر ومتطلباته والتنمية الوطنية المستدامة، بما يحقق مستقبلاً أفضل للدولة السورية، إضافة إلى أن الوزارة أقامت دورات مكثفة صيفية بالتعاون مع اليونيسيف، وعملت على إعداد وتأليف المنهاج المكثف للفئة (ب) بحيث يستطيع المتعلم إنجاز صفين في عام واحد في مرحلة التعليم الأساسي، كما إن خطة الوزارة خلال العام الحالي شملت التركيز على نتائج التعلم والتعليم وتعمل على ضمان جودة التعلم بحلول عام 2030م، الذي يهدف الى ضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع، وفي إطار العملية التطويرية التي تجري على المناهج تم إدخال مادة اللغة الروسية في المناهج التعليمية لتوسيع مصادر المعرفة وتنوعها لدى التلاميذ والطلاب.
مجملاً…رسالة وزارة التربية إلى الطلاب أن يلتزموا الجد والإجتهاد في التحصيل والإستذكار فمن جد وجد ومن زرع حصد، أما رسالتها للمعلمين فتشكرهم على جهودهم المتميزة وما يبذلونه من وقت مع أبنائهم الطلاب وتقول لهم مزيداً من الإبداع والفعالية فالوزارة تدرك حجم المسئولية التي تقومون بها، ورسالتها للمجتمع المحلي توجه له الشكر وتطلب منه مزيداً من الدعم والمشاركة المجتمعية حتى يكونوا سنداً للمدرسة لتكون متميزة في أدائها وفي مخرجاتها، وتقول لأولئك الذين يريدون تدمير الحياة وترسلهم الرسالة بأن الحياة باقية في سورية والتعليم مستمر، وأن وطننا سورية هو بلد المحبة والسلام والوئام ومنبعاً للقيم والأصالة، وبإختصار شديد إن التعليم في مدارسنا يعبر عن الصمود السوري، وأن سورية ستنهض من الحرب الحالية أكثر عزيمة في مواجهة الدمار والخراب.
التعليقات مغلقة.