المفكر الاستراتيجي الدكتور حسين عمر توقه يكتب : فلسطين … الإستراتيجية الدبلوماسية بين حقوق الدول وحقوق الإنسان

د. حسين عمر توقه* ( الأردن ) الثلاثاء 8/10/2019 م …




* باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي

لم أر في حياتي شعبا تكالبت عليه الأمم وتآمرت عليه الشعوب كما تكالبت على الشعب الفلسطيني وتآمرت على القضية الفلسطينية .

إن القاسم المشترك الأعظم  الذي يجمع بين حقوق الدول وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير  هو عبارة عن ألفاظ منمقة في قمم عاجية يتبجح بها المجتمع الدولي وفي مقدمتها الأمم المتحدة وكافة الهيئات التي تنضوي تحت لوائها بدءا بمجلس الأمن الدولي . وتعجز عن تطبيقها لا سيما إذا كانت هذه الحقوق تتعلق بالشعب الفلسطيني .  حيث أن أبسط  هذه الحقوق الإنسانية تتمثل بحق الإنسان في تقرير مصيره والحفاظ على حقوقه في الحياة والإطمئنان على شخصه لا تعذيب ولا نفي ولا توقيف تعسفي وحق الإنسان في الحرية  لا رق ولا عبودية وحق الإنسان في العودة إلى وطنه  وحقه في الإطمئنان إلى قضاء عادل بالإضافة إلى حق الشعوب في اختيار شكل الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها.

إن إقامة المستوطنات التي تجاوزت في تعدادها 500 مستوطنة في الضفة الغربية هي عبارة عن خرق لكل الأعراف والقوانين الدولية . إن بناء المستوطنات في الضفة الغربية هو عودة إلى بدايات تأسيس الدولة الإسرائيلية  وسلب الأرض الفلسطينية عن طريق بناء المستعمرات في الأراضي الفلسطينية وتأسيس مجموعات من العصابات المسلحة للدفاع عن هذه المستوطنات والعمل على شراء الأراضي العربية المحيطة بهذه  المستوطنات عن طريق التمويل من  المنظمات الصهيونية العالمية  أو العمل على إحتلالها .

إن وجود مليون ومائتي ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية يعني خلق واقع ديمغرافي جديد وإن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حملته الإنتخابية ضم الأراضي المتاخمة للحدود الأردنية إلى السيادة الإسرائيلية يعني فرض واقع جديد يحرم  الحكومة الفلسطينية من حدودها ويجعلها رهينة المحبسين  الأرض والقرار السياسي . وهي المقدمة المتوقعة لإنهاء القضية الفلسطينية واقعا وتاريخا قبيل الإعلان عن صفقة القرن التي بقيت مكتومة وسرية لم يطلع عليها من سقاطتنا أي حاكم عربي  بينما اطلع عليها بنيامين نتنياهو وناقش تفاصيلها  المخزية والمرعبة في ذات الوقت مع جاريد كوشنر .

الإستراتيجية الدبلوماسية:

هي مجموعة الأساليب والطرق التي تطبقها وزارة الخارجية مباشرة أو بواسطة ممثليها الدبلوماسيين في سبيل تحقيق  هدف معين . ويراعى فيها اختيار الوقت المناسب والطريقة الملائمة  لإتخاذ مبادرة أو التقدم بإقتراح أو إصدار بيان يتضمن التأييد أو الإستنكار . أو التريث في الإجابة  عن موضوع ريثما  تتجللى الحقائق  وتستقر الظروف  أو عدم الإجابة مطلقا  أو تجاهل الموضوع أو كشف الستار عن معلومات خفية  أو التأجيل  أو التسويف أو المماطلة  . أو اللف والدوران  حول الموضوع أو اللجؤ  تارة الى المسايرة  أو الملاينة  وطوراً الى التحذير والتنبيه  أو استدراج  الجهة الثانية  الى إفراغ ما في جعبتها  أو القيام  بحملة إعلامية واسعة  النطاق أو إيفاد  بعثات شرف على مستوى  عال للتهنئة  بتسلم الرئاسة  أو الجلوس على العرش  أو بالحصول على  الإستقلال  أو بعقد الإتحاد أو القيام بحملات دبلوماسية  لشرح قضية معينة. أو رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي  أو تخفيضه  أو قطع علاقات الصداقة  مع جهة دون غيرها. أو عقد الأحلاف  ومعاهدات الصداقة أو تقديم المساعدات المالية أو وقفها  أو عقد  قمة أو دعوة شخصية  كبرى أو هيئة رسمية والمبالغة في تكريمها  رسميا وشعبياً. على أن تراعى في كل ذلك  أحكام القانون الدولي وقواعد المجاملة والأخلاق الدولية

حقوق الدول:

لقد وضعت  لجنة القانون الدولي بناء على تكليف الجمعية العامة للأمم المتحدة  بقرارها الصادر عام 1974 مشروع بيان يتضمن  حقوق الدول وواجباتها وقد تضمن هذا البيان أربعة حقوق للدول هي :

1: حق الإستقلال واختيار شكل حكومتها دون أي ضغط خارجي.

2: ممارسة اختصاصاتها  الحكومية في اقليمها وعلى جميع الأشخاص  المقيمين في هذا الإقليم والأشياء الموجودة فيه.

3: التمتع بالمساواة في القانون مع الدول الأخرى

4: الدفاع المشروع الفردي أو الجماعي ضد أي عدوان مسلح.

حقوق الإنسان :

لقد ورد في مقدمة ميثاق الأمم المتحدة ” نحن شعوب الأمم المتحدة  نؤكد من جديد إيماننا  بالحقوق السياسية وبكرامة الفرد وقدره. وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ” وجاء في المادة الأولى فقرة 3 منه ما يلي  ” تحقيق التعاون على تعزيز إحترام حقوق الإنسان  والحريات الأساسية  للناس جميعا  والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال أو النساء “.

وبتاريخ 10 كانون الأول 1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ” البيان العالمي لحقوق الإنسان ” الذي يتضمن  تعداداً لحقوق الإنسان تربو على المائة ويمكن حصرها بأربع نقاط :-

1: الحقوق الشخصية  وهي حق الإنسان في الحياة والإطمئنان  على شخصه ” لا تعذيب ولا نفي ولا توقيف تعسفي ” وحقه في الحرية ” لا رق ولا عبودية ولا عقود عمل طويلة الأجل ولا زواج إجباري . وحقه في الإطمئنان  الى قضاء عادل يضمن مصالحه وحقه في التنقل والهجرة وطلب اللجؤ والعودة الى الوطن.

2: حقوق الأسرة : وهي حق الزواج  وحماية الأمومة وحق التربية والتعليم

3: الحقوق السياسية والحريات العامة  أي حرية الفكر والمعتقدات وحق الحصول على الوظائف العامة والإشتراك في الإنتخابات.

4: الحقوق الإجتماعية والإقتصادية : وهي حق التملك الفردي والجماعي  وحق العمل  والراحة والحماية من البطالة والمرض والشيخوخة وتأمين مستوى لائق من الحياة

حق تقرير المصير:

هو مبدأ من مبادىء القانون الدولي  الحديث انبثق عن مبدأ القوميات ويقضي بمنح كل أمة الحق  في أن تقرر مستقبلها السياسي والإقتصادي بحرية تامة وبدون تدخل أجنبي . وقد أيد هذا المبدأ الرئيس ويدرو ويلسون في البيان الذي القاه بتاريخ 8 كانون الثاني 1918 وجاء فيه ” يجب رعاية مصالح السكان ورغباتهم  عند الفصل في الطلبات الخاصة بالسيادة”

وجاء في المادة الأولى من ميثاق الأطلسي الموقع  من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بتاريخ 14 آب 1941 ” إن الحكومتين لا ترغبان  في أي تعديل  إقليمي لا يتفق مع الرغبة  التي يعرب عنها السكان المدنيون بحرية تامة ” كما تعهدت المادة الثالثة ” باحترام حق جميع  الشعوب في اختيار شكل الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها” ونص ميثاق الأمم المتحدة  على هذا المبدأ في المادة الأولى ” الفقرة 2″ إذ جاء فيها  ” إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي  بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير المصير”.

كما جاء في المادة 55 من الميثاق المذكور ” رغبة في تهيئة دواعي الإستقرار  والرفاهية الضروريتين لقيام علاقات سلمية وودية بين الأمم . مبنية على احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيره”.

وقد أكدت هذا الحق  عدة مؤتمرات  ولا سيما تلك التي نظمتها الدول والشعوب الآسيوية والإفريقية ودول عدم الإنحياز  وفي مقدمتها مؤتمر باندونغ المنعقد في 24 نيسان 1955 إذ  تضمنت قراراته ” الإعتراف بحق تقرير المصير وتأييد قضية الحرية والإستقلال بالنسبة الى الشعوب التابعة

الإحتلال العسكري :

وهذه العبارة لاتينية ويقصد منها الإحتلال العسكري لإقليم أجنبي والناشىء عن أعمال حربية. وينتهي الإحتلال بالإنسحاب . إما تنفيذا لقرار أحد أجهزة الأمم المتحدة  مثل مجلس الأمن أو الجمعية العامة. أو تنفيذا  لأحكام الهدنة أو معاهدة الصلح التي تعقد بين الطرفين .

وكان الإحتلال العسكري يستعمل في القديم لتوطيد أركان الإستعمار وتحقيق أهدافه كإخضاع السكان الأصليين وإذلالهم وتأمين استيطان  رعايا الدولة المستعمرة واستغلال الموارد الطبيعية المحلية ومساندة الإحتكارات والشركات الأجنبية. وفي الموسوعة البريطانية يعتبر الإحتلال العسكري أقسى أنواع الإرهاب في العالم فما بالك بإحتلال فلسطين  وهو أطول إحتلال عسكري في العالم .

والآن لو وضعنا كلمة فلسطين بعد حقوق الدول وبعد حقوق الإنسان  ووضعنا شعب فلسطين وراء حق تقرير المصير. ووضعنا كلمة اسرائيل وراء الإحتلال العسكري . وأخيرا لو وضعنا كلمة العرب وراء الإستراتيجية الدبلوماسية . لوجدنا أن حق شعب فلسطين في تقرير المصير قد نسفته قوات الإحتلال الإسرائيلية وذلك لفشل الإستراتيجية الدبلوماسية العربية. وفشل الجيوش العربية  في تحقيق أي تفوق عسكري بالإضافة إلى فشل الدول العربية والإسلامية في الحفاظ على الحق الفلسطيني مقابل الباطل الإسرائيلي .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.