صعود المحافظين في الانتخابات التشريعية التونسية / د. زهير الخويلدي
د. زهير الخويلدي ( تونس ) الثلاثاء 8/10/2019 م …
” للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد لأننا لم ننتخبهم أصلا” – نعوم شموسكي
الكاتب / د. زهير الخويلدي
شهدت انتخابات 6 أكتوبر التشريعية في تونس عبور القوى المحافظة من عدة مرجعيات إسلامية وقومية ودستورية إلى البرلمان وتراجع محير للقوى التقدمية واليسارية وانقسام وتشتت داخل الأحزاب الثورية. كما عرف هذا الحدث ارتفاع نسبة العزوف وتزايد المقاطعة من طرف الشباب بمعدل مرتفع منذ 2011 وكانت النسبة 41 بالمائة ما يعني تفضيل أربع ملايين من المسجلين عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع والاكتفاء بالمتابعة من بعيد والتعليق على ما يحدث في مواقف ساخرة ومنددة في الفضاء الافتراضي.
يمكن تفسير تنامي حركة المقاطعة بعدم احترام السلوك الانتخابي للمرشحين والناخبين للقيم الديمقراطية وانتشار المال السياسي الفاسد وتزايد الرشوة الانتخابية في الكثير من الدوائر وخاصة في مناطق الداخل المهمشة وتعمد بعض الأحزاب والجمعيات التحيل والمراوغة وابتزاز المقترعين وشراء ذممهم بالمال.
لقد ألقت نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة بظلالها على نتائج الأحزاب والقائمات المستقلة في الانتخابات التشريعية وساهم الموقف المساند للناجِحَيْن في بروز قوى مضادة للمسار الديمقراطي وتريد العودة إلى الماضي الشمولي وترفض الاعتراف بالدستور من جهة وفي صعود الاتجاه السلفي من جهة أخرى.
بيد أن واقع الهشاشة والتشتت قد أصاب جميع العائلات السياسية والأحزاب الكبرى ولم تحصد أفضل الأحزاب الفائزة أكثر من خمس الأصوات المقترعة وهو ما يعطل تكوين كتل برلمانية وإبرام التحالفات ويؤخر إمكانية تشكيل الحكومة المقبلة بسهولة لتزايد التجاذبات الايديولوجية بين المتوفقين والفاشلين.
يمكن تفسير النتائج التي أدت الى اندثار الكثير من الحساسيات وإسقاط القوى المهيمنة بصورة تقليدية على الحياة المدنية في تونس وهزيمة نكراء للأحزاب الحاكمة وتراجع شعبيتها وخزانها الانتخابي بتوجه المقترعين إلى التصويت العقابي بالنظر إلى فشل منظومة الحكم الحالية في الإقلاع وتزايد حدة الأزمة الاقتصادية وتراجع الخدمات الأساسية للمرفق العمومي وغلاء الأسعار وتفشي البطالة وارتفاع العجز.
لقد دفع اليسار فاتورة باهضة وتاه الطريق مرة أخرى بعد اقتراب مجموعات داخله من المنظومة القديمة وتوجهه نحو التبرير الثقافي للسيستام وتغافله عن تجديد خطابه وعن تطوير أدوات عمله ومواكبة تقدم الذي يعرفه اليسار العالمي وزاد من عزلته عن الشعب واحتكاره التكلم باسم النخب المنغلقة على نفسها وعزوفه عن النقد الذاتي وإقصائه للكثير من المثقفين العضويين وإصابته بمرض الخطية والانتهازية.
لقد تعمدت بعض الأحزاب البرغماتية إلى تكتيك التصويت المفيد بعد إجراء تفاهمات وراء الكواليس قصد تمكين الطرف السياسي الأبرز من الفوز بالمرتبة الأولى وضمان ترشيحه لتشكيل الحكومة وقطع الطريق أمام منافسيه الذين جاؤوا بعده في الترتيب واجبارهم على الدخول في لعبة التفاوض المشروط.
اذا كان الشق الثوري يعتقد أن الانخابات التشريعية مثلت لحظة مفصلية وحدثا فارقا في المعركة مع المنظومة القديمة ومناسبة للتخلص من السيستام فإن دخول بعض القوى في مشاورات مع كتل فائزة من أجل بلوغ الحد الأدنى المطلوب في البرلمان للتزكية وهو مائة وتسعة مقعد يمكن أن يعصف باعتقاده.
لقد بان بالكاشف أن البيت الإيديولوجي المنقسم لا يقوم وأن العائلة السياسية الموحدة تنتصر وأن منطق الثورة يتناقض جذريا مع عقل الدولة وما يتطلب من تنازلات مذلة وواقعية سياسية تحاول التكيف مع الموجود والتنصل بصورة آلية من العديد من الوعود الانتخابية والالتزامات والاستحقاقات المهمة.
المهم أن تونس تمضي بطريقة أو بأخرى في طريق التأسيس الديمقراطي للحياة السياسية وتتعهد بعد القوى الماسكة بدواليب الدولة بالوفاء للمسار الثوري والتمسك بالتعددية والتبادل السلمي على السلطة. فهل يتمكن المرشح الثوري للرئاسية من الوصول إلى الحكم في ظل حملة التشويه التي يتعرض لها؟
كاتب فلسفي
التعليقات مغلقة.