أحجية تدفق السلاح الروسي .. هل المقصود حلب؟؟ / نارام سرجون
نارام سرجون ( سورية ) الأربعاء 16/9/2015 م …
أحب من الألغاز والأحجيات تلك التي تسألك عن شيء تراه ملء عينك وتبحث عنه ولكن عبثا لاتدركه رغم أن عينيك تصطدمان به وتتعثران بألوانه ولكنهما لاتميزانه ..
لأن مالاتراه عيني وهو يملؤها يشبه الحقيقة التي يمر بها الناس ولايرونها وعيونهم تمتلئ بها كل يوم وتفيض بها ولكن عقولهم لاتعرف ماذا في العيون من حقيقة .. فكم كانت أحجية أن نميز الخونة فينا وهم يقفون بيننا ويصلّون بيننا في مساجدنا ويأكلون بيننا ويمضغون شعاراتنا ويدرسون كتبنا .. ولانراهم رغم وضوحهم .. فاذا بهم يظهرون في تركيا وقطر وباريس والرياض ثوارا للناتو ..
ولكني لاأحب لعبة الكلمة الضائعة ولاالكلمات المتقاطعة .. فالكلمات التي تضيع أو التي تمر في جسدها كلمة أخرى لاتستحق البحث عنها .. فالكلمات العظيمة لاتضيع ولاتجلس بين الكلمات تائهة لايبين منها رأس ولا قامة .. ولايضيع الكلام الا عندما يتولاه فم رخيص وتافه ومن له عقلية العبيد ..
ولعبة الكلمة الضائعة هي التي تلعبها معنا الدول الغربية وتبحث عنها المعارضات العربية .. مثل البحث عن الحرية والديمقراطية في جلابيب أمراء خليجيين أو البحث عن كلمة فلسطين في قطر التي يبحث عنها خالد مشعل في قاعدة العيديد .. ومثل تقاطع كلمة “ثورة” مع ملك وهابي متخلف .. ومثل البحث عن كلمة “سورية ياحبيبتي” في الكنيست الاسرائيلي التي يبحث عنها كمال اللبواني .. وكذلك مثل البحث عن كلمة “اسلام” في تركيا الناتوية التي دمرت نصف العالم الاسلامي ولاتزال لاتقرأ الحرف القرآني .. وربما الكارثة أن بعضنا يبحث عن كلمة “الله” في عمامة القرضاوي النجسة أو بين سكاكين الجولاني والبغدادي التي تقطر دما ..
ولكن اللغز والأحجية التي تمر أمام عيوننا ولانعرف ماهيتها هي تلك التحركات الروسية العلنية وقوافل السلاح وكأن هناك حربا واقعة لامحالة .. فقد يبدو غريبا توقيت الحديث عن التدفق العسكري الروسي الى سورية بالرغم من أن روسيا غالبا لن تدخل بقواتها مباشرة حربا في سورية لكن لاشك أن سلاحها النوعي قرر دخول الحرب دون مواربة .. ولم يعد بالامكان انكار أن هناك حركة عسكرية روسية مريبة جدا تجري على قدم وساق تساوقت مع ظهور حملات اعلامية عن تدفق اللاجئين الى أوروبة والتي أريد تسليط الضوء عليها للضغط على الحكومتين السورية والروسية لتليين موقفيهما وتقديم بعض التنازلات التي تريدها واشنطن من أجل اتمام الاتفاقات حول الوضع السوري .. المنطق يقول ان هذا التحركات العسكرية لاتحدث مجانا بل هي تحضير بالنار لمرحلة سياسية .. وبالرغم من كل ماقيل عن هدف هذه التحركات الا أن حجم السلاح ونوعيته وكثافته وتنوعه وخبراءه مؤشرات تدل على أن هناك معركة يتم التحضير لها أو أنها تحركات ردعية لمنع معركة قادمة ..
وربما يكون للمهجرين السوريين الدور المحرك الرئيسي لهذه المعركة .. ومن جديد يستخدم الغرب الجمهور المعارض في تمثيلية الحرص على الانسان في توقيت مريب خاصة أن المعلومات المتدفقة تقول بأن السوريين لايشكلون 20% من موجة الهجرة لكن الكاميرات لاتريد أن ترى غيرهم لغاية في نفس يعقوب .. كما أن كثيرا من اللاجئين ينتمون الى حواضن مسلحين وكثيرا من اللاجئين تم توريطهم وخداعهم عبر طابور خامس يروج أن الغرب يدلل المهاجرين السوريين .. بل بدا أن قصف العاصمة والمدن الكبرى كان بغاية جعل خيار الهجرة جذابا لخلق خلل ديموغرافي ما ولاستخدام المشاعر الانسانية من جديد في السياسة .. مثل كل مرة منذ حكاية الهولوكوست ..
فلاديمير بوتين التقط طرف الخيط الذي يريد الغرب والاعلام الخليجي ترويجه وهو عن مسؤولية الرئيس الأسد وحكومته في تدفق اللاجئين بسبب مايراه الغرب تعنتا وتصلبا في الموقف السوري الروسي والتمنع عن تقديم تنازلات .. وقد عبر الغرب عن رغبته في تليين موقف الروس والسوريين وعرض تصريحات أكثر لينا عن اظهار قبوله للرئيس الأسد على رأس حكومة انتقالية مهمتها فقط تمرير السلطة الى مراكز قوى جديدة أكثر توازنا من وجهة نظرهم .. وذلك بحجة حل معاناة القرن الحالي الكبرى في أكبر موجة نزوح سورية .. وقد رد بوتين هذه الذريعة بقوله دون مواربة بأن اللاجئين يفرون من داعش وليس من الأسد ..
ولكن لايمكن أن يتم تحرك عسكري نوعي من هذا الحجم لأسباب استعراضية .. هذا التحضير العسكري الذي يشكل أحجية كبيرة ولغزا لايفهم بسهولة في الظروف الدقيقة الحالية يحتاج لأن يتم تفسيره لأن مثل هذا التحرك لم يحدث حتى عندما جاءت أساطيل أميريكا الى المتوسط السوري .. ولذلك فان هذا التحرك الروسي رغم كل التفسيرات يمكن حصره في احتمالين :
الأول أن الروس والسوريين متوجسون من مغامرة أطلسية تدفع اليها تركيا المأزومة داخليا لفرض منطقة أمر واقع وقد تم اتخاذ قرار روسي سوري ايراني مشترك بتحطيم كل الجسم المسلح حول حلب لانهاء أي أوهام من هذا النوع قبل جنيف 3 الذي يتم التحضير له والتوطئة بتصريحات طرأ عليها لين وتنازل في الموقف الغربي بالتخلي عن شرط استبعاد الرئيس الأسد ولو مرحليا ..
الأميريكيون يريدون مقايضة هذا التنازل بقبول المحور الروسي السوري الايراني بالأمر الواقع في الشمال حيث تكون نواة كيان ممتد من الرقة الى حدود اللاذقية باشراف أممي نظريا لكنه ملحق بتركيا عمليا التي ستلعب دورا مسرحيا تدعي من خلاله أنها قامت بتنظيف الرقة من داعش .. وفي مقابل ذلك الاتفاق ستطلق الدول الغربية يد الأسد في باقي سورية ليفعل بالمعارضة الباقية مايشاء حيث يتم تدمير البؤر الباقية حول دمشق وفي الجنوب والوسط بشكل كامل بغطاء دولي تماما كما تم اطلاق يد الرئيس حافظ الأسد في لبنان لتدمير القوى المسلحة اللبنانية بقرار دولي بعد معركة الخليج الثانية وعاصفة الصحراء .. وكانت المعادلة آنذاك “سنأخذ العراق ونتخلى عن لبنان للأسد” ..
ووفق الأوهام الغربية اذا ماتم ذلك ستبقى المنطقة الشمالية خاضعة لتركيا بشكل غير مباشر تفاوضها السلطات في دمشق عبر مفاوضات ماراثونية من خلال أجسام معارضة شكلية ستسلك فيها القوى الغربية المتحكمة بالمعارضة نفس طريق مفاوضات الجولان الشاقة والمتطاولة دون نتيجة .. ولذلك من أجل احباط هذا المشروع فان معركة الشمال السوري هي التي ستلجمه .. وهي بحاجة الى أسلحة شديدة التأثير والفتك لحسم المعركة دون تردد .. ولذلك تدفق سلاح روسي بعضه يقال أنه يخرج من روسيا للمرة الأولى ..
الاحتمال الثاني: هو أن هناك قرارا سوريا روسيا ايرانيا مشتركا بأنه آن الأوان لتحرير مدينة حلب بغض النظر عن نيات الطرف الآخر .. لأن الفرنسيين والأتراك وضعوا ثقلهم في حلب العام الماضي لمنع استردادها ووضعوا انذارات وخطوطا حمرا على تحريرها وصلت الى حد التهديد بالتدخل المباشر .. وبالفعل عندما تقدم الجيش السوري في حلب منذ فترة فوجئ باستعداد الاتراك للقتال علنا وزجوا بقوات خاصة في المعركة وحركوا المدرعات ..
ومايعزز هذا الاحتمال بالمعركة الهجومية على سابقه باقتراب معركة الشمال الوقائية هو ان مايلفت النظر في التقارير الغربية الرصينة التي تتابع بدقة سير الأحداث نجد أن حلب يتردد اسمها في تفسير أحجية السلاح الروسي النوعي الذي يعتقد أنه قد يكون خصيصا لمعركة تحرير حلب وتحدي تركيا ومن وراءها ..
وحسب هذه الملاحظات يبدو أن عمليات تهجير السوريين وتغيير الديموغرافيا شمالا قد تفرض أمرا واقعا تركيا فرنسيا .. فتقرر اطلاق معركة تحرير الشمال السوري قبل أن يتأخر الوقت .. لكن الجيش السوري الذي لديه القدرة الكافية لاجتياح الشمال اذا غاب العامل التركي فانه يدرك أنه اذا زج بقواته هناك فعليه أن يستعد لأن يجد نفسه وجها لوجه مع قوات أردوغان واحتمال المواجهة الحتمي مع تركيا ..
ومن هنا قرر الروس والسوريون الاستعداد لهذا الاحتمال بتوفير غطاء جوي متطور يشل سلاح الطيران التركي وتقديم دفاعات جوية وسلاح جوي متطور للمعركة المقبلة مع كل تكنولوجيا الحرب الضرورية واطلاق زخم ناري برّي هائل على الأرض وتطويق العناصر الارهابية في قطاعات ضيقة وقطع جسدها عن تركيا لضمان الحسم العسكري لصالح الدولة السورية دون ترك اي مجال للأتراك للقدرة على تغيير مجرى المعركة الا اذا أراد الأتراك أن يحترقوا أيضا في الأرض السورية في معركة استعادة حلب التي يتم تهجير سكانها وفق سياسة تركية ممنهجة بالضغط عليهم بالماء والكهرباء والقذائف العشوائية وكل وسائل العيش ..
واستعادة حلب هي التي ستوقف الهجرة وذريعة اللاجئين التي يستعملها الغرب كالعادة .. فربما كانت ورقة اللاجئين هي الورقة التي دقت جرس الانذار لأنه يتم استخدامها لتفعيل مشروع ما كما تم استغلال النزوح الحدودي المفتعل في بداية الأزمة للذهاب الى خيارات في مجلس الأمن وخيارات المواجهة بحجج وذرائع انسانية .. قضية اللاجئين المضخمة صار من الممكن استخدامها لتبرير الحاجة لفرض حل سياسي وسط يطرحه الغرب بصيغة رابح رابح .. فلا المعارضة سقطت ولا الأسد سقط .. ولاالمعارضة حررت كل سورية ولا النظام خسر كل سورية ..ناهيك عن أن تفريغ الشمال السوري من السكان سيجعل امكانية حدوث انتخابات في سياق أي حل سياسي عملية فارغة وغير مجدية ولامعنى لها ولاتشمل قطاعا كبيرا من السكان المهاجرين ..
مايلفت النظر أثناء هذا التدفق الروسي العسكري هو تصريح لافروف المباشر لأول مرة من أنه لايجب علينا السماح بقيام دولة للمتطرفين من داعش في سورية وهذا اعلان نية بالعمل في هذا الاتجاه .. وكذلك تبارز وجهات نظر روسية وأطلسية .. فالروس لهم آراء مناقضة تماما لوجهات نظر الغرب حول حل أزمة اللاجئين .. فالغرب يريد أن يفرض حلا وسطا – كما ذكرت أعلاه – بحجة الحاجة الماسة لايقاف المعاناة السورية ولايقاف الامواج البشرية المتدفقة على أورويا التي تهددها بقوة .. ولكن الروس يجادلون أن ايقاف ذريعة اللاجئين يتم بتدمير القوة التي تساهم في تهجيرهم وهي التنظيمات الارهابية المتطرفة التي تعمل كذراع للغرب .. وهذه القوة متركزة في الشمال الممتد من الرقة الى حدود اللاذقية .. واعادة الاستقرار الى هذه المناطق هو الذي سيسحب الذريعة لأنه سيكون بالامكان القول بأن الدولة السورية استعادت السيطرة التي يأتي منها فيضان اللاجئين وأعادت حالة الأمن اليها ولذلك يمكن للسكان الاستقرار وللمهاجرين أن يعودوا ..
الغاية من معركة محتملة في الشمال وخاصة في حلب اذا هي انهاء حالة الضغط على السكان السوريين الذي تمارسه ميليشيات عنيفة تقوم بتهجير السكان .. وانهاء ملف اللجوء وذرائعه وايصال تركيا الى القناعة التي لاتريد أن تصل اليها وهي أن عليها أن تدرك أن أقصى ماتستطيعه هو مافعلته حتى الآن ولم يعد مسموحا لها بالمزيد وقد طال انتظار التغيير التركي الداخلي الذي يتلاعب به أردوغان ..
الاميريكون يعرفون طبعا النوايا الروسية ويراقبون شحنات السلاح وهم لايريدون هذا التحرك الروسي ولا الحسم في الشمال ويريدون تعطيله خاصة أنه قد يعني أن الجيش السوري سيتمكن من التفرغ لدحر داعش والتهامها وهي القفازات القذرة للاستخبارات الاميريكية والتركية .. وداعش لايزال مفيدا وضروريا للحركة الاميركية في المنطقة .. ولذلك بدأت الماكينة الاعلامية والديبلوماسية الاميريكية تحذر وتتنبأ بالفشل وهي تعني أنها ستعمل مابوسعها لايقاف الحركة شمالا حتى وان كان ذلك يعني اطالة عمر داعش بكل وقاحة دون خجل أو حرج .. ولكن خيارات الغرب ليست كثيرة هنا في الميدان الا الدخول المباشر وهو من باب المستحيل مع اقتراب الانتخابات الاميريكية ..
أردوغان قد يجد في التحرك السوري فرصة لاتعوض للحرب التي يريدها من أجل العودة الى الحكم في الانتخابات لأنه الرجل القوي .. ولكن حساباته ارتطمت بحقيقة أن الروس ادخلوا تعديلات عسكرية هامة للغاية على الترسانة السورية ستفول بأن خسائره العسكرية ستكون سببا في خسائره الانتخابية ان فكر في التورط ..
هل ترانا أمام اللغز والأحجية الواضحين اللذين يملآن عيوننا ولاندركهما؟؟
لاأدري .. لكن قول غير ذلك يعني أننا نبحث عن الكلمة الضائعة .. اللعبة التي يحبها التائهون الذين ضاعوا وضيعوا الكلام والبلدان والمفاهيم والأوطان .. وضيعوا الله والرسول ..
وأنا لم تكن هوايتي يوما أن أفقد وطني أو أن أفقد الله أو الحقيقة أو أن أبحث عن كلمات ضائعة .. بل أريد أن تحدق عيناي في قلب الأحجية مليّا وأن تقع عينها في عيني ويكون ملء عينها عيني دون أن تراني هي ودون أن تدرك أنني أراها وأن .. في عيني كل الحقيقة
التعليقات مغلقة.