الانتخابات: الواقع ـ المسار ـ الآفاق…..2 / محمد الحنفي

 

محمد الحنفي ( المغرب ) الأربعاء 16/9/2015 م …

” لا يمكن أن تصور الديمقراطية بدون انتخابات كما أن الانتخابات لا يمكن أن تكون هي الديمقراطية “.

القائد العمالي الخالد المرحوم أحمد بنجلون.

الإهداء إلــــى:

ــ شهداء حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وكل من فقدناهم ممن كان لهم أثر بارز على جميع المستويات.

ــ الفقيد القائد العمالي الكبير: أحمد بنجلون، الذي قاد تجربة حزبية مناضلة في ظروف عسيرة.

ــ مناضلي حزبنا الأوفياء للمبادئ الحزبية، وللقيم النضالية المتقدمة، والمتطورة.

ــ كل من ترشح باسم الحزب، من أجل إحداث ثغرة، لها شأن، في الوعي المقلوب للجماهير الشعبية الكادحة.

ــ من أجل مغرب متقدم، ومتطور.

ــ من أجل انتخابات حرة، ونزيهة، بعيدا عن كل أشكال التزوير، التي تفسد الحياة السياسية.

ــ من أجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

مفهوم الانتخابات:

إن طرح هذا المفهوم للنقاش، يقتضي منا التمييز بين المستوى العام، وبين المستوى الخاص. ونقصد بالمستوى العام، ما هو مشترك بين جميع الشعوب، من منظومات فكرية، لها علاقة بالممارسة الفردية، والجماعية، خلال إجراء أي انتخابات في أي بلد، وفي أي مرحلة من مراحل عمر الإنسان، مهما كان هذا الإنسان، أو من عمر الشعب، مهما كان هذا الشعب، بعد اتخاذ مجموعة من الإجراءات، التي تضمن للناخب سلامة رأيه، بعد الإدلاء به في محطة من المحطات الانتخابية، التي ليست إلا جزءا بسيطا من العملية السياسية الكبرى، ومهما كانت هذه العملية؛ لأنها هي التي تضمن للجميع التحرك في اتجاه تكريس الاختيار الحر، والنزيه، مما يضمن مساهمة الشعب في:

1) تكريس الاختيارات الديمقراطية الشعبية، حتى وإن كانت هذه الاختيارات رأسمالية، أو وسطية، أو اشتراكية، في إطار الاحتكام إلى الصراع الديمقراطي، الذي يعتبر إجراء أي انتخابات مجرد مظهر من مظاهره الكثيرة، والمتعددة.

2) تمتيع جميع أفراد الشعب، بنفس الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يستطيع كل فرد القيام بالاختيار الحر، والنزيه، بما يخدم مصالحه، ومصالح الشعب، أي شعب، خلال مرحلة معينة. وهو ما يترتب عنه خدمة المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لأي بلد من البلدان التي تعرف الانتخابات الحرة، والنزيهة.

3) تمتيع جميع أفراد الشعب بنفس الحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما هي في القوانين المتلائمة مع تلك الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير كل فرد من أفراد الشعب، مطمئنا على واقعه، وعلى مستقبله، وعلى مستقبل الأجيال الصاعدة.

4) الوعي بكافة البرامج السياسية / الحزبية المطروحة في السوق الانتخابي، وخلال الحملات الانتخابية، حتى يتمكن المواطن البسيط من الاختيار الحر، والنزيه؛ لأنه بدون وعي، لا يمكن للمواطن التمييز بين البرامج، ولا يمكن معرفة ما هي البرامج التي تخدم مصلحته، والتي لا تخدم تلك المصلحة، خاصة، وأن الوعي بمختلف البرامج، شرط للنزاهة والحرية، وبدون ذلك الوعي، لا نزاهة ولا حرية.

5) التمييز بين الأحزاب السياسية، باعتبارها تعبيرا عن التشكيلة الطبقية القائمة في المجتمع، حتى يستطيع المواطن معرفة ما هو الحزب الذي يعبر عن مصلحته، وما هي الطبقة التي يجد نفسه من بين أفرادها، أو يجد نفسه متناقضا معها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا؛ لأن الاختيار الحر، والنزيه، في أي انتخابات، هو اختيار للبرامج، واختيار للحزب، واختيار للطبقة الاجتماعية، التي ينسجم معها، وبدون التمييز بين الأحزاب، لا يمكن التمييز بين البرامج الحزبية المعتمدة في الدعاية الانتخابية، ولا يمكن التمييز بين الطبقات، مما يجعل المواطن غير قادر على الاختيار الحر، والنزيه، فيضطر إما إلى الانسحاب من الانتخابات، وإما إلى اعتماد علاقات القرابة، أو الطائفية، أو القبلية، أو اللغة، أو الدين المؤدلج. وإلا، فإنه يضطر إلى التصويت على من يدفع أكثر.

6)التشبع باحترام المصلحة العامة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، باعتبار المصلحة العامة، هي القاسم المشترك بين جميع أفراد الشعب المغربي، مهما تفرقت بهم السبل الطبقية، والمصلحية. والمصلحة العامة، هي الحد الأدنى الذي لا يختلف عليه جميع أفراد المجتمع، مهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها، ومهما كانت لغتهم، أو معتقدهم، أو جنسهم، أو طائفتهم، أو قبلتهم؛ لأنه بدون قيام مصلحة عامة، تتفرق السبل بين جميع أفراد الشعب، ويتحولون إلى جماعات تسعى إلى إنهاك بعضها البعض، والنيل من سمعة بعضها البعض، والعمل على تسييد  النفي المطلق فيما بينها. وهو ما يتناقض تناقضا مطلقا مع تسييد احترام المصلحة العامة، إلى درجة التقديس.

وبذلك، يصير مفهوم الانتخابات في مستواه العام، مجسدا للصراع الديمقراطي السليم، بين مختلف الطبقات الاجتماعية، في أفق الوصول إلى مراكز القرار، من أجل التمكن من العمل على حماية المصالح الطبقية، لهذه الطبقة، أو تلك، بناء على تكريس الاختيارات الديمقراطية الشعبية، وتمتيع جميع أفراد الشعب بنفس الشروط، وبنفس الحقوق الإنسانية، والوعي بكافة البرامج السياسية، والتشبع باحترام المصلحة العامة، حتى يستطيع كل طرف من الأطراف، المشاركة في الانتخابات التي تمكن من ممارسة الصراع الديمقراطي، الذي يتم حسمه لصالح هذا الطرف، أو ذاك عن طريق اللجوء إلى صناديق الاقتراع، في إطار العملية السياسية المعتمدة.

أما المستوى الخاص، فهو ما يهم المجتمع المغربي، والشعب المغربي، الذي يعيش في ظل حكم دولة مخزنية، لا وجود فيها لشيء اسمه الاختيارات الديمقراطية الشعبية ،ومواطنوها مجرد رعايا، لا رأي لهم فيما يجري اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وتتحرك لتأطيرهم أحزاب سياسية، عملت الإدارة على صناعة ما صار يعرف بالأحزاب الإدارية، التي كان آخرها: ما صار يعرف بحزب الدولة، مما يجعل العملية الديمقراطية غير واردة، والانتخابات التي تجري لا تهدف إلى الاختيار الحر، والنزيه للمواطنين، الذين لا يتمتعون بحق الاختيار، بقدر ما تهدف إلى الالتفاف على صناديق الاقتراع، من أجل تزوير إرادة الشعب، لصالح هذه الجهة، أو تلك، مما يجعل العملية الانتخابية، برمتها، من إخراج الإدارة المخزنية، التي تفصل النتائج حسب هواها، وبما يخدم مصلحتها في تدبير الشأن الجماعي، أو في تدبير التشريعات المختلفة على مستوى البرلمان.

ولذلك نجد أنه على المستوى الخاص:

1) تكريس الاختيارات الرأسمالية التبعية، ذات الطابع المخزني: اللا ديمقراطي، واللا شعبي، التي تحرص على خدمة المصالح الرأسمالية التابعة، ومصالح الرأسمالية، ومصالح ناهبي ثروات الشعب المغربي، ومصالح المتمتعين بكل اشكال الريع المخزني، ومصالح الراشين، والمرتشين في الإدارة المخزنية، بالإضافة إلى خدمة مصالح المستبدين، مهما كان شأنهم، والفاسدين الذين يفسدون الأرض، وما عليها، ومن عليها، في المغرب الحبيب، الذي تحول إلى مجرد ضيعة رأسمالية تابعة للرأسماليين، ولكل الأدوات المخزنية، ولأصحاب الريع المخزني، وللحكام، والفاسدين، والراشين، والمرتشين، مما يجعل إمكانية حضور رأي الشعب المغربي، بوزنه المفترض، غير واردة أبدا.

2) عدم تمتيع جميع أفراد الشعب المغربي بنفس الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، نظرا لتعميق الفوارق الطبقية، واستمرار البطالة في صفوف المتعلمين، وغير المتعلمين، بل إن البطالة طالت حتى حاملي الشهادات العليا، والأطر العليا المعطلة، واستمرار انتشار الأمية الأبجدية، التي تشكل عيبا في حق الشعب المغربي، وفي حق المسؤولين عن شؤونه العامة، والخاصة، إضافة إلى أشكال الأمية الأخرى، مما يجعل الشروط القائمة لا تساعد على مساهمة جميع المغاربة، في إنجاح العملية الانتخابية، من خلال التمكين من الاختيار الحر، والنزيه، وصولا إلى إيجاد مؤسسات تمثيلية، تعكس احترام إرادة الشعب المغربي. وهو أمر لا يتمكن المغاربة من إنجازه، في أي انتخابات يتم إجراؤها، سواء كانت جماعية / جهوية، أو برلمانية، للأسباب التي أتينا على ذكرها.

3) عدم تمتيع جميع المغاربة، بنفس الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ بل إن الجمعيات الحقوقية، صارت تعاني من الحصار، ومن التشويه، ومن الاتهامات التي تتناقض مع الغاية من وجودها. ومهما كانت هذه الجمعيات، مادامت تقود النضال من أجل توعية جميع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، والدفع في اتجاه المطالبة بالتمتع بها، وفي مقابل الحرمان من التمتع بكافة الحقوق الإنسانية، فإن إنتاج مختلف الخروقات، هو الذي صار سائدا على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ليصير الإنسان ضحية مختلف الخروقات، التي صارت هي القاعدة، مقابل جعل احترام الحقوق الإنسانية استثناء.

4) عدم وعي الشعب المغربي بالبرامج الانتخابية، لمختلف الأحزاب السياسية، مما يجعل المغاربة غير قادرين، لا على التمييز بين الأحزاب السياسية، ولا بين التنظيمات الجماهيرية، ولا بين الطبقات الاجتماعية، وغير قادرين على تحديد الحزب الذي يخدم ببرامجه مصالح الجماهير الشعبية الكادحة. وهو ما يجعلهم ينساقون وراء الأهواء، ووراء الدعوات القبلية، والطائفية، ووراء الاتجار في الضمائر، وبالتالي، إلى المساهمة في إفساد العملية الانتخابية، باللهث وراء المرشحين الفاسدين، باسم الأحزاب التي تنشر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، تحت إشراف الدولة المخزنية الفاسدة، وعلى مرأى المسؤولين في مستوياتهم المختلفة، الأمر الذي يترتب عنه اعتبار العملية الانتخابية فاسدة، تبعا لفساد العملية السياسية برمتها، بالإضافة إلى وقوف الفساد المذكور، وراء تزوير إرادة الشعب، بطريقة مباشرة، وغير مباشرة في نفس الوقت.

5) عدم التمييز بين الأحزاب السياسية، من قبل الجماهير الشعبية الكادحة، مما يجعلها تضع كل الأحزاب في نفس الخانة، فلا هي يمينية، ولا هي يسارية، ولا هي مؤدلجة للدين الإسلامي، ولا هي معبرة عن التشكيلة الطبقية، القائمة في المجتمع، والقبول بتجسيد الأحزاب في الأشخاص، أو في الرموز، والانسياق، بالتالي، وراء من ينشر الفساد الانتخابي، عن طريق شراء الضمائر، وإقامة الولائم الجماعية، وإمداد الناخبين بما يحتاجون إليه، قبل، أو بعد، أو أثناء إجراء الحملة الانتخابية، وأمام أنظار المسؤولين في مستوياتهم المختلفة، قبل قيام السلطات الوصية بإخراج النتائج على مقاسها، وتنصيب الموالين لها، أو المقربين من المؤسسة المخزنية، مما يجعل المؤسسات المنتخبة محليا، وجهويا، ووطنيا، في خدمة الطبقة الحاكمة، وفي خدمة الاختيارات الرأسمالية التبعية، وفي خدمة النظام الرأسمالي العالمي، وليذهب الشعب المغربي، بعد ذلك، إلى الجحيم.

6) عدم التشبع باحترام المصلحة العامة، لا من قبل معظم الأحزاب المشاركة في الانتخابات، ولا من قبل الناخبين العارضين بيع ضمائرهم إلى من يدفع أكثر، ولا من قبل السلطات، التي لا تتعقب العاملين على نشر الفساد الانتخابي، كما لا تتعقب العارضين ضمائرهم للبيع، ولا العاملين لصالح الأحزاب التي ترشح الفاسدين؛ لأن كل ذلك يدخل في إطار المخطط الذي وضعته السلطات الوصية، من أجل تحقيق أهدافها من العملية الانتخابية الفاسدة أصلا. وفي مقابل عدم احترام المصلحة العامة في الانتخابات المغربية، تحضر بشكل، أو بآخر، المصلحة الخاصة، التي تصير طاغية في مجرى السلوك الانتخابي. وهذا الطغيان، هو الذي يجعل مرشحي معظم الأحزاب، يلجأون إلى أسهل الطرق، المتمثلة في شراء الضمائر، من جل ضمان الوصول إلى المؤسسات، لا من أجل أجرأة البرنامج الحزبي، بل من أجل الانخراط في تنفيذ البرنامج المخزني، كما يجعل الناخبين يلجأون إلى بيع ضمائرهم، من أجل الحصول على جزء يسير من المال، سرعان ما يتم صرفه في أمور لا علاقة لها بمصالح الأسر.

7) تكريس الفساد، والاستعباد، والاستبداد، والاستغلال في حق الشعب المغربي على مدار الساعة. وهو ما يعتبر، في حد ذاته، إرهابا للشعب المغربي، الذي لا يستطيع التخلص من إرهاب الفساد، والاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. وهو ما يترتب عنه الخضوع المطلق لكل ذلك، واعتباره جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة، وقدرا لا يمكن التخلص منه إلا بالموت، الذي يعتبر كذلك قدرا، الأمر الذي يترتب عنه تضبيع الشعب المغربي، وتدجينه، وتهجينه، حتى يتمكن الحكام من توجيه السلوك الانتخابي، في أفق خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح الرأسمال التبعي، والرأسمال العالمي، وفي إطار الاختيارات الرأسمالية التبعية: اللا ديمقراطية، واللا شعبية.

8) تكريس الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مع تسييد الاستلاب المادي، والمعنوي، الذي لا يخدم إلا مصالح الفساد الانتخابي، ومصالح الأحزاب المكرسة لذلك الفساد، ومصالح المرشحين الفاسدين، خاصة، وأن العملية الانتخابية، برمتها، لا تكون إلا فاسدة؛ لأن تكريس الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، هو الذي يتشكل منه المناخ المناسب للفساد الانتخابي. وإلا فإن الفساد الانتخابي لا يمكن أن يتم في شروط مخالفة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.